قال تقرير لـ"بي بي سي" إن قادة الجالية والسياسيين المسلمين طلبوا من الحكومة السريلانكية إعادة النظر في قرارها، "إحراق جثث ضحايا فيروس كورونا"، وهي الممارسة التي يُحرِّمها دين الإسلام، وتقول الأقلية المسلمة في البلاد إنَّ السلطات تستغل الجائحة لإحراق الجثث للمسلمين الموتى بالوباء دون غيرهم.
ونقل التقرير عن "علي زاهر مولانا"، الوزير السابق والقيادي البارز لحزب المؤتمر الإسلامي السريلانكي، أنَّ الجالية المسلمة مستعدة للقبول بالقاعدة "إن كانت هناك أدلة أو دعم علمي يثبت أنَّ الدفن خطر على الصحة العامة". واتهم الحكومة بأنَّها تمارس "أجندة سياسية غامضة".
وينص الدليل المؤقت الذي نشرته منظمة الصحة العالمية في مارس 2020، على أنَّ ضحايا فيروس كورونا "يمكن دفنهم أو إحراق جثثهم".
ويأتي إصرار سلطات سريلانكا على إحراق جثث ضحايا فيروس كورونا، مُتجاهلةً المناشدات والحساسية الدينية للتعامل مع جثث المسلمين التي ينبغي دفنها وفق ما ينص عليه الدين.

نموذج للتمييز
وأشار تقرير هيئة الإذاعة البريطانية BBC إلى نموذج من المسلمين، لحالة فاطمة رينوزا، وهي أُم لثلاثة أطفال من الأقلية المسلمة في سريلانكا، وتبلغ من العمر 44 عاماً، والتي أُدخِلَت إلى المستشفى بعد الاشتباه في إصابتها بفيروس كورونا في الرابع من مايو 2020 حيث توفيت في نفس اليوم.
وقال زوجها محمد شفيق: "وصلت الشرطة والجيش إلى جانب مسؤولين إلى عتبة بابنا. وقد طُرِدنا ورشّوا المطهرات في كل مكان. كنا جميعاً خائفين، لكنَّهم لم يخبرونا بأي شيء. وأُجري الفحص حتى لطفل يبلغ من العمر ثلاثة أشهر، واصطحبونا مثل الكلاب إلى مركز الحجر".
أضاف محمد أنَّ عائلة فاطمة احتُجِزَت طيلة ليلة، لكن أُطلِق سراحها في اليوم التالي، وقيل لهم أن يبقوا في الحجر أسبوعين، كذلك قيل له إنَّه لا يمكن إعادة جثتها إلى العائلة، لأنَّ وفاتها كانت مرتبطة بكوفيد 19".
وقالت العائلة إنَّ "شفيق" أُجبِر على التوقيع على أوراق تسمح بإحراق جثتها، حتى رغم اعتبار الشريعة الإسلامية إحراق الجثث انتهاكاً لجسد الإنسان.
وقال والده "قيل لابني إن هناك حاجة لانتزاع أجزاء من جسدها؛ لإجراء مزيد من الفحوص. لماذا قد يحتاجون إلى أجزاء من الجسد إن كانت مصابة بكورونا؟!"، ويشعر بأنَّه لم يتم إبلاغ العائلة بما جرى كاملاً.
ولا يزال محمد شفيق غير متقبل فكرة عدم قدرته على دفن جسدها، وقال: "نحن المسلمين لا نحرق أجساد موتانا".

تمييز مع عائلة أخرى
ونقل التقرير عن الابن الأصغر، نوشاد، لأب مسلم توفي نتيجة أعراض تنفسية، أنَّ أحد الجيران من الأغلبية السنهالية توفي في اليوم نفسه.
بعد ذلك طلبت السلطات من "نوشاد"، الذي لا يستطيع القراءة، التوقيع على بعض الأوراق التي تسمح بإحراق جثة والده، وقال إنَّه لم يكن متأكداً مما سيحدث له إذا لم يُوقِّع، لكنَّه كان يخشى من رد فعل عنيف ضد عائلته والجالية المسلمة في حال رفض التوقيع.
وأضاف "نوشاد" أن العائلة السنهالية عُومِلَت بطريقة مختلفة، وسُمِح لها بتوديع قريبهم في قاعة الجنازة، في حين أخبره طبيب بأنَّه لا يُسمَح له بلمس جثة أبيه. وأوضح أنَّه سُمِح له هو وبضعة أشخاص من أقاربه فقط بحضور مراسم إحراق جثة والده.

أحدث خطوة في التمييز
وقال التقرير الذي ترجمته "عربي بوست" إن المسلمين في سريلانكا يرون أنَّ هذه أحدث خطوة ضمن نمطٍ من التمييز تمارسه الغالبية السنهالية من السكان ضدهم، وذلك في وقت قبلت فيه المحكمة العليا بالبلاد عريضة ضد قاعدة إحراق الجثث، وستبدأ جلسات الاستماع في القضية يوم 13 يوليو.
وقال التقرير إن "كثيرا من المسلمين في سريلانكا يتعرَّضون للشيطنة منذ إبريل 2019، حين استهدف إسلاميون مرتبطون بمجموعات محلية مغمورةٍ فنادق وكنائس مهمة بالعاصمة كولومبو وفي شرق البلاد؛ وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 250 شخصاً في موجة من الهجمات المدمرة".
في حين أن الرئيس السريلانكي أعلن في يوليو 2019، أن تفجيرات عيد الفصح التي تعرضت لها كنائس في سريلانكا وتم توجيه التهمة للمسلمين، تبين بعد مرور أشهر أن الحادث قامت به مافيا المخدرات حسب إعلان رئيس الدولة الذي يسعى لتضييق الخناق عليها.
وقال التقرير إنه منذ وفاة أول مسلم سريلانكي جراء إصابته بفيروس كورونا في 31 مارس 2020، تُلقي بعض وسائل الإعلام علناً باللوم في انتشار المرض على الجالية المسلمة، مع أنَّ هناك 11 وفاة فقط مُسجَّلة رسمياً في البلاد.
ومن الجانب الحكومي الطبيب "سوجاث ساماراويرا"، كبير خبراء الأوبئة الحكوميين، في سريلانكا لـ BBC، قال إنَّ "سياسة الحكومة هي إحراق جثث كل مَن يموت، أو يُشتَبَه في أنَّه مات، نتيجة كوفيد 19، لأنَّ الدفن قد يُلوِّث مياه الشرب"، وفق تعبيره.
وأضاف أن "منظمة الصحة العالمية توفر إرشادات للعالم كله. ومسؤوليتنا هي اعتماد وتكييف تلك الإرشادات الملائمة لبلدنا".
ومجددا قالت إن ما نشرته منظمة الصحة العالمية في مارس 2020، على أنَّ ضحايا فيروس كورونا "يمكن دفنهم أو إحراق جثثهم"، ولم تذكر أي أخطار على المياه الجوفية.