أكد الدكتور سعيد إسماعيل علي أستاذ أصول التربية المتفرغ بجامعة عين شمس أن ثورة 25 يناير تم إجهاضها لصالح مسار أدى إلى تجفيف بحر السياسة وغياب مشاعر الطمأنينة والأمن وإعلام أشبه بزواج المثليين يستحيل أن ينتج جديدا أدى إلى حالة الأموات.
وخلص  عميد التربويين العرب في مقال له عبر منصته على "فيسبوك" بعنوان: "تأميم السياسة" إلى هذه النتيجة قائلا: "  فلما كان من قيام ثورة يناير 2011 المجيدة..التى تم إجهاضها، عادت الآمال بفيضان بحر السياسة، وحرية التعبير.. لكن المسار أدى إلى الكثير مما ساعد على تجفيف بحر السياسة التى لا تعيش إلا فى أجواء حرية " تعبير" ، وحرية" تنظيم"، فضلا عن مشاعر طمأنينة وأمن، ويكفى النظر العام الآن إلى كل القنوات التلفزيونية، والإذاعات ، والصحف، ليجد الإنسان أنه يكاد أن يكون أمام معزوفة للحن واحد،وهو ما أشبهه دائما بأنه مثل الزواج ( المِثلى)، الذى يستحيل أن ينتج جديدا، فيسر الحال إلى ما يشبه الموات..".

نوستالجيا السياسة
وعن ذكرياته مع السياسة وهو من تخطى الثمانين من عمره قال: "لا يتصور القارئ كم هو مؤلم لثمانينى مثلى، سار فى مظاهرات ، وهو بعد صغير السن ، يشارك فى الهتاف ضد ما كان فى أول خمسينيات القرن الماضى، ثم يجئ عليه يوم، يبدو وكأنه نكص على عقبيه، فصار يمدح الأمس، وهو تصور غير مطابق لواقع الحال، ذلك أن أجيالنا حلمت بأن يجئء التالى أفضل من السابق، فإذا ما وجد الأمر غير ذلك، تجئ كتابته تعبيرا عن استمرار الأمل بأن يكون اليوم أفضل من الأمس، وغدا أفضل من اليوم..".
وأضاف "كانت الحياة السياسية فى أول الخمسينيات تشهد أحزابا كبرى مثل الوفد ( مصطفى النحاس)، والحزب السعدى( إبراهيم عبد الهادى) ، والكتلة الوفدية( مكرم عبيد) ، والحزب الوطنى ( حافظ رمضان) ، الوطنى الجديد ( فتحى رضوان) ، وحزب مصر الاشتراكى( أحمد حسين) ، فضلا عن الإخوان المسلمين".

هامش سابق
وعن سوء الوضع الحالي، عن ذي قبل، نبه إلى ذلك قائلا "لم تكن الحياة السياسية نظيفة، وكتب التاريخ مليئة بشواهد على ذلك، لكن ما يهمنى هنا هو ما كان متاحا من حرية حركة، وتعبير، وتنظيم، وقنوات صحفية، تجعلك تقرأ هنا غير هناك، بل لقد كانت هناك تحركات شيوعية، رغم ملاحقتها أمنيا..  فلما جاء نظام يوليو 1952، أعلن ، بعد فترة قصيرة، ضرورة أن تُطهر الأحزاب نفسها، وتقدم لتكوينها من جديد..  ثم إذا بقانون يصدر عام 1953، بإلغاء الأحزاب كلية، وكنا فى المرج قد بدأنا نعد لفتح مقر لحزب مصر الاشتراكى، لأحمد حسين، وهو التنظيم الوحيد الذى شرعت فى الانضمام إليه وقتها..  ثم إذا بإعلان عن تنظيم سياسى تابع للنظام الجديد ( هيئة التحرير) ، التى تحولت بعد ذلك إلى ( الاتحاد القومى )، ثم إلى ( الاتحاد الاشتراكى)".

مثالب الحصار
وعن سلبيات قمع حرية التعبير، أشار الخبير التربوي البارز إلى أن مبررات "تسوغ الاقتصار على تنظيم سياسى واحد، يتبع الدولة، مثل تعرض البلاد إلى أخطار شديدة، سواء من داخل ، أو من خارج، مما يقتضى الاصطفاف وراء السلطة، أثبتت التجربة تهافتها"، مضيفا أن "التنوع"، لا يؤدى إلى التفرق بالضرورة، فعند الأزمات، ينسى المواطنون ما بينهم خلافات ويصطفون معا، وتجربة بريطانيا فى الحرب العالمية الثانية، وكذلك فرنسا تؤكدان ذلك، فضلا عن المنطق والعقل، والمصلحة.
وتابع: لقد فتح باب وجود تنظيم سياسى واحد ، تقوده الدولة، الأبواب على مصراعيها، ليهرع إلى ولوجه، منافقون، ومطبلون، وأصخاب مصالح شخصية، ومسايرون للسلطة..يجتهدون لإثبات ولائهم، بالخضوع التام، وندرة المعارضة، والدس لآخرين، وغياب النقد الجاد، وأصبح مسار الرأى – غالبا- من أعلى إلى أسفل، وما على الشرائح السفلى إلا أن تنفذ..

الدولة العميقة
وألمح الدكتور سعيد إسماعيل إلى تأثير الدولة العميقة في مسارات القمع والتأثير السلبي لاحتواء المعارضة ضمنها، فقال: "عندما بدأ السادات فى التغيير بما سمى فى البداية ( منابر) ، تحولت بعد ذلك إلى أحزاب، لم يسلم الأمر من شوائب خطيرة مما مضى، حيث أعلن عن تكوين حزب يرأسه رئيس الدولة باسم الحزب الوطنى، مما جعله صورة أخرى من الاتحاد الاشتراكى".
وأضاف: "  لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بظهور أحزاب، لأول مرة منذ 1952، تقدم مواقف مغايرة، وآراء مختلفة، مثل حزب التجمع، الذى رأسه خالد محيى الدين، وحزب العمل الذى رأسه إبراهيم شكرى..وحزب الأحرار لمصطفى كامل مراد..
وأردف:   لكن " الدولة العميقة" لم ترفع راية الاستسلام، فما أن ترك خالد محيى الدين حزب التجمع، وتسلمه رفعت السعيد، بدأ حديث مكتوم عن تمكن صفوت الشريف من استقطاب الرجل، وأذكر أنى توقفت عن الكتابة فى الأهالى ، بعد أن كنت كاتبا رئيسيا فيها، منذ ذلك الوقت.
ومن الأدوار التي كشفها في هذا السياق ما حدث مع تأثير (عادل حسين) فى حزب العمل، وتوجيهه وجهة إسلامية، وسخونة زائدة فى جريدة الشعب، جعل هناك تربصا للإيقاع بهم، فما أن توفى إبراهيم شكرى( المؤسس) ، حتى بدأ " اللعب" فى اختيار القيادة، ولعب الفنان المتميز حمدى أحمد دورا مؤسفا فى هذا، مما برر توقيف جريدة الشعب، رغم صدور أحكام لصالحها.