باتت تصريحات الرئيس التونسي، قيس سعيد عن قيادته للقوات المسلحة العسكرية والأمنية الموضوع الأبرز في الساحة السياسية بتونس، إذ اعتُبر خطابه الأخير وما أثاره بخصوص تبعية القوات الأمنية له، الأخطر وبمثابة تحضير لانقلاب ولاتخاذ قرارات خطيرة قد يقدم عليها في الأيام القليلة القادمة.

وباستثناء قلة قليلة، أجمعت أغلب المواقف السياسية من داخل البرلمان أو خارجه على ضرورة التصدي لأي محاولة للانقلاب على الديمقراطية وحذرت من تصريحات سعيد وإقدامه على خطوات تصعيدية.

مغامرات فوضوية

وقال النائب عن حركة النهضة ناجي الجمل في تصريح لـ"عربي21" الإثنين، "يبدو أن الرئيس يئس من جر المؤسسة العسكرية إلى مغامراته الفوضوية، فولى وجهه شطر المؤسسة الأمنية ظننا منه أنها ربما تكون أقل وطنية أو أقل إيمانا بالديمقراطية أو أقل دعما لمؤسسات الاستقرار في الدولة".

واعتبر الجمل أن "إقحام سعيد للقوات الحاملة للسلاح في الصراعات السياسية، مفسدة لا يقوم بها عاقل، والرئيس لا يؤمن بأي مؤسسة من مؤسسات الدولة ولا أي سلطة من السلطات، فهو لا يؤمن إلا بنفسه وهو ينسى أنه لا تتوفر فيه الشروط القانونية لعضوية المحكمة الدستورية، ورغم ذلك يصر على أحقيته وأولويته في تفسير الدستور".

وعن المخاوف من إقدام الرئيس على انقلاب يرد النائب "أستبعد ذلك"، متسائلا، "ما معنى أن ينقلب رئيس على نفسه؟"، مردفا: "للأسف الرئيس له رؤية لا تؤمن بمؤسسات ما بعد الثورة وبالنظام السياسي الذي يريد أن يغيره بفرض الأمر الواقع وخارج المؤسسات الدستورية".

بدوره، قال النائب عن التيار الديمقراطي رضا الزغمي: "أولا أريد التأكيد أن ما سأقوله هو موقفي الشخصي، وموقف حزب التيار الديمقراطي سيصدر في بيان رسمي عن المكتب السياسي"، مشددا  في تصريح على أن "خطاب الرئيس أمس يؤكد أن البلاد تعيش أزمة سياسية خانقة جدا، وهي رسائل مشفرة إلى كل من رئيسي الحكومة ومجلس النواب في ما يتعلق بتنازع الصلاحيات، في الظاهر صراع دستوري ولكن في عمقه صراع سياسي خطير جدا".

وكشف الزغمي عن أن "الصراع إذا استمر فهو يهدد أركان الدولة، ولذلك أدعو الجميع إلى تحكيم منطق العقل حفاظا على الوطن، ما حصل أمس يؤكد الحاجة إلى محكمة دستورية حتى لا يبقى تفسير الدستور وتأويله وفق رغبات وتوجهات الرئيس من جهة أو بعض المفتين في القانون".

وشدد الزغمي على أن "رئيس الجمهورية بات يؤول الدستور بالشاكلة التي يراها كالعادة، على الرغم من أن هناك قراءات تفند هذه القراءة باعتبار أن الدستور يميز بين القوات المسلحة والأمنية وهذا ينفي تماما ما ذهب إليه الرئيس من أن القوات الأمنية تابعة له".

وتساءل النائب عن التيار الديمقراطي قائلا، ماذا ينوي الرئيس فعله بعد تصريحاته؟ وتابع: "إلى حد الآن نلاحظ تهديدا ووعيدا، كل المؤشرات والملامح تدل على أمر خطير قادم لا نعلم إن كان انقلابا ناعما أو مباشرا أو حملة لاعتقال الفاسدين فالفرضية مفتوحة".

وأكد الزغمي أنه "إن كان انقلابا فهذا مرفوض بكل الأشكال فالقوى الوطنية، والديمقراطية ستقف صفا واحدا ضد أي محاولة للانقلاب، وشخصيا لا أعتقد ذلك، ولكن إن كانت تصريحاته تعني حملة على الفاسدين، فإن ذلك لا يمكن أن يكون إلا في إطار قانوني وبأمر قضائي وفي كل الحالات نجد أنفسنا خارج الأطر القانونية والدستورية".

مع الرئيس

وعلى الرغم من الإجماع الكبير على خطورة تصريحات الرئيس، فإن هناك من قلل من ذلك واعتبر تأويل الرئيس صحيحا.

وصرح النائب عن حركة الشعب هيكل المكي لـ"عربي21" قائلا: "المسألة واضحة ولا تستدعي تأويلا وتعليقات، دستور 2014 يختلف عن دستور 1959 فيما يخص رئاسة الجمهورية للقوات العسكرية أو المسلحة فدستور 2014 واضح، الرئيس قائد للقوات المسلحة بكل أصنافها، فهو رئيس كل بندقية وطلقة في هذه البلاد، وهو رئيس لكل من يحمل سلاحا ديواني شرطي أو عسكري، إذا هي مسألة واضحة وهي دستورية".

وتمسك المكي بالقول: "الرئيس سعيد فسر الدستور وهذا من حقه نظرا لغياب المحكمة الدستورية، والدستور ينص بصريح العبارة على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة على اختلافها".

ونفى المكي بشدة ما يذهب إليه الرأي العام السياسي في أغلبه بأن الرئيس يحضر لانقلاب وتساءل قائلا: "انقلاب ماذا؟ الرئيس لم يأت على ظهر دبابة، التخوف والتحذير من انقلاب مسألة واهية غير موجودة إلا في أذهان المنقلبين على مصالح البلاد والشعب طيلة سنوات ما بعد الثورة، هم يريدون تجييش قواعدهم وإظهار أنفسهم محل الضحية، الدستور يعطي للرئيس حق التأويل في غياب المحكمة خاصة وأن النص واضح هو القائد لكل القوات المسلحة".

التحضير لانقلاب

من جهته، قال النائب عن كتلة "ائتلاف الكرامة" عبد اللطيف علوي في تصريح لـ"عربي21" إن تصريحات الرئيس سعيد هي "مرة أخرى هذيان دستوري وعملية سطو على صلاحيات دستورية لرئيس الحكومة عن طريق تأويل شاذ وغريب، وهو سلوك يومي ومتوقع من الرئيس هذا جدل دستوري لا أصل له فهو نوع من العبث".

واعتبر علوي أن "الرئيس كشف كل أوراقه وكل نواياه الحقيقية، برنامجه، ومشروعه واضح وهو التفرد بكل السلطات، وبناء عليه وجب على كل القوى الديمقراطية ورموز النضال تقديم موقف واضح مما يحصل".

وعن المخاوف من التحضير لانقلاب عبر النائب علوي عن ذلك قائلا: "طبعا هناك مخاوف جدية ومبررة وهي مؤشرات واقعية وبصدد التراكم، ولا طريق أمامنا في البرلمان إلا العمل للدفاع عن الدستور واستحقاقات الثورة بكل ما يتيحه الدستور والعمل السياسي المدني السلمي بوسائل وأساليب".

وحذر السياسي البارز أحمد نجيب الشابي في تدوينة له من قيادة رئيس الجمهورية لانقلاب ناعم منذ مدة ومحاولة الزحف على الحكم وبسط النفوذ، أو النيل من سير مؤسسات الدولة، وإقحام أجهزتها الحساسة في الصراع السياسي.