بقلم: عبد الناصر سلامة
مظاهرات هـذه الأيام في بر مصر، والأخيرة في الإسكـندرية تحديداً، يجب أن تفتح باب النقاش والبحث على المستوى الرسمي حول دلالات كثيرة يجب ألا تمر هكذا مرور الكرام..
أولاً: يجب أن نعترف بأن الدولة لم تترك للمواطن مجالاً للتعبير سوى مثل هذا الاحتجاج السلمي في شكله العام، إلا إنه يبطن من الغضب والعنف ما يمكن أن يخرج عن حدود السيطرة بين لحظة وأخرى، بل وفي مواقع مختلفة تعاني المأساة نفسها أو غيرها، وهو ما يوجب إعادة النظر في ذلك التصور الذي ترى الدولة من خلاله أنها يمكن أن تسيطر على كل مكان وفي أي زمان، من دون أي اعتبار من الماضي، انطلاقاً من أن خطة (نشر الجيش في ست ساعات)، سوف تقي مصارع السوء.
ثانياً: من المهم أن نتوقف أمام السوشيال ميديا، التي حملت على عاتقها الترويج السريع والواسع لذلك الذي جرى من مظاهرات بالإسكندرية، وأي احتجاجات مشابهة، على اعتبار إنها الشرارة الأولى التي تنتظرها غالبية واضحة، وهيلا هوب، وعلى الله التساهيل، تمتد النيران ونخلص، وهو ما يؤكد أن هناك حالة من الاحتقان يجب التعامل معها بعقلانية وليس بمزيد من الاعتقالات والتعسف.
ثالثا: إذا تابعنا ما يدلي به المتظاهرون، وما يرددون من هتافات، سوف نجد أن دولة الإمارات أصبحت عاملاً مشتركاً، في كل الأزمات المتعلقة بالمواطن، وتحديداً بإزاحته من مسكنه لتسليم الموقع كاملاً لشركاتها المتأهبة، كما حدث في مظاهرات جزيرة الوراق، وكما حدث في منطقة بولاق، وحتى في مظاهرات مصنع الحديد والصلب وغيرها كثير، بما يشير الى أنها أصبحت دولة غير مرغوبة في عقيدة المواطن المصري، ثم جاءت قضية التطبيع مع العدو الصهيوني بهذا الشكل الفج، لتؤكد هذه العقيدة، التي تدعمها حصول هذه الدولة على ٤٩٪ من مشروعات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهيمنتها على نسبة ليست قليلة من القطاع الصحي الخاص، على الرغم من مناهضتها للمصالح المصرية في أكثر من مجال خارجياً.
رابعاً: ترديد اسم الأزهر، والاستغاثة بشيخ الأزهر في الهتافات، يؤكد أن هذه المؤسسة الدينية لها مالها في نفوس المواطن من احترام وتبجيل وثقة كبيرة، وهو ما يجعل من كل محاولات النيل من الأزهر خلال السنوات القليلة الماضية هباءً منثوراً، في ظل قيادة فضيلة الإمام الشيخ الطيب، الذي حافظ على هيبة الأزهر ورجاله من ذلك الحقد البغيض الذي أبداه المنافقون والمنتفعون والمتحولون، في آن واحد.
خامساً: في الوقت الذي كان يجب أن نقف جميعاً كمواطنين، ومن كل الفئات والتوجهات السياسية، مع الدولة في تنفيذ خططها للتطوير والتنمية هنا أو هناك، باعتبار أن هذا ما ينشده الشعب، إلا أنه بدا واضحا في كل أزمة من هذا النوع، أن هناك عدم ثقة في ممارسات الدولة، التي يرى المواطن أنها تريد البيع لمجرد تحقيق أرباح، أو البيع مجاملة لمستثمر بعينه، أو لحساب مؤسسة الجيش، المهم أن هناك شبهة من أي نوع، وهي قضية على قدر كبير من الخطورة كان يجب الانتباه لها والتعامل معها في اتجاهين مختلفين، الأول: هو إطلاع كل مواطني المنطقة المراد تطويرها، وبلا استثناء، على تفاصيل ذلك التطوير، ووسائل ذلك كثيرة، الثاني: هو التعويض المجزي لذلك المواطن الذي سوف يهجر قسراً مسكنه ومكان مولده ونشأته ، بكل ما يحمل ذلك من مشاعر نعيها جيداً.
سادساً: يثبت الإعلام المصري كل يوم فشله الذريع في التعامل مع قضايانا الداخلية والخارجية على حد سواء، فهو لم يعد ينطق إلا بعد تلقي الأوامر من النقيب سامسونغ، أو الرائد أشرف، أو المقدم شعبان، وهي حالة مزرية أضرت بالدولة المصرية أيما ضرر، ذلك أن عندما يقرر النطق، تكون الشائعات قد سرت، والمظاهرات حققت أهدافها، ومواقع التواصل الاجتماعي تفاعلت، ولم يبق حينذاك أمام ذلك الإعلام المهترئ إلا اللعب في الوقت الضائع، وبطريقة لا ترقى إلى مستوى دوري الدرجة الثالثة.
سابعاً: تلويح الدولة بالعنف في مواجهة المواطن الباحث عن حقه، أو المدافع عن كيانه، أصبح يُرد عليه كما هو واضح، بذلك الانبطاح الحاصل أمام الممارسات الإثيوبية تجاه أهم قضية تشغل الشارع الآن، بل وتشغل انتباه الساحة الدولية أيضاً، وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار، حيث سيظل ذلك الربط مطروحاً بقوة، ولسنوات طويلة، وهو ربط محق، إلا إنه ينال من هيبة الدولة ومؤسساتها المعنية.
ثامناً: أصبح المواطن على قناعة بأن الدولة سوف تختلق الكثير من أزمات الإلهاء، الاجتماعية والفنية، والقضائية، خلال هذه المرحلة التي تتفاقم فيها الأزمة مع إثيوبيا، كما بدا واضحاً من معظم التعليقات، وهو ما يؤكد انعدام ثقة المواطن في سلطته، التي تعتمد بالدرجة الأولى على اللجان الإلكترونية في تحقيق أهدافها، من خلال بث الشائعات وترويج ما هو غير منطقي، في مواجهة لجان عديدة على الجانب الآخر تعاني الدولة أيضاً من شائعاتها التي لا تنتهي، بما جعلنا أمام حالة من الضياع والاهتراء غير مسبوقة إلا في الأنظمة الشيوعية التي تآكلت، كنتيجة طبيعية لافتقاد النزاهة والشفافية من جهة، واستشراء الفساد من جهة أخرى.
تاسعاً: الحوار المجتمعي أصبح ضرورة حول كل قضايانا، وكفانا المزيد من سياسات الاستقطاب، التي أودت بعشرات الآلاف إلى غياهب السجون، ذلك أن إشراك المجتمع في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمستقبله أمر بديهي، وحينما نقول الشعب، فنحن لا نعني أبداً مجلس الشعب، أو ما يسمى حاليا مجلس النواب، فلم يعد جائزاً بأي حال وجود أي من الجهات أو الصناديق خارج المساءلة والمراجعة، وليس جائزاً أيضاً ألا يَسأل الشعب عن مصدر الأموال، كما لم يعد مقبولا التوقيع على أية اتفاقيات خارجية أو داخلية أو إعلانات مبادئ، دون استشارة الشعب، صاحب الحق الأصيل والوحيد في البر والبحر والجو.
نقلا عن "الجزيرة مباشر"