الزكاة كما هو واضح من اسمها تزكية للنفس، وسمو بها عن جواذب الأرض، تطهر من الدنس والأوزار، والله سبحانه وتعالى قرر ذلك فى قوله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وتزكية النفس وتطهيرها زاد عظيم وفلاح كبير :{ قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } فالزكاة و الصدقات والإنفاق فى سبيل الله عموماً تعبد وتقرب الى الله،  وفى الوقت ذاته زاد روحى وتربوى مهم.

الإنسان فى فطرته حب المال وحب التملك، والقرآن الكريم يقرر ذلك: { وتحبون المال حباً جماً } وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  ما معناه أنه لو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى أن يكون له واد آخر وما يملأ عين ابن آدم إلا التراب ) وفى فطرة الإنسان الشح :{ إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً  }  { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } ولذلك نرى هذا التكالب من الناس على أعراض الدنيا واقتتالهم عليها وهذه الأنانية وهذا الصراع بين الناس بعضهم البعض و الحقد و الكراهية و الحسد والأنانية إلى مستوى الحيوانية إذا خلا المجتمع من معانى الإيمان .

ولكن إسلامنا العظيم يهذب ذلك كله، ويسمو بنفوس المسلمين، ويعالج ارتباطهم بالمال وأعراض الدنيا، فيعلم المسلم أن المال مال الله فى يده، وأنه عرض زائل يستعين به لأداء رسالته فى الحياة، وهى عبادة الله، وأن الله يقسم الأرزاق بحكمته وعلمه، وأن الإسلام ينظم توزيع المال بين الناس وتكافلهم بطريقة لا نظير لها ولا مثيل بما يحقق الحياة الطيبة الكريمة، الخالية من الشحناء و البغضاء و الحسد والكراهية، بل يعمها الحب والإيثار، والقناعة، والرضا، والرحمة،و الشفقة، وكما يضع العقوبة الزاجرة لمن تسول له نفسه بعد ذلك أن يعتدى على حقوق الغير .

كما رسم الإسلام الطريق للكسب والإنفاق .

وسنعرض هنا بعض الزاد النافع المتصل بالزكاة والإنفاق فى صورة نقاط وبالله التوفيق :

- فى إخراج الزكاة والإنفاق فى سبيل الله تطويع للنفس وترويض لها على مغالبة حب المال و التعلق به وحث على العطف على الفقراء و المحتاجين، وكذلك الشعور بالمشاركة فى أمور الأمة، والدولة الإسلامية و الجهاد فى سبيل الله؛ ولذلك كله أثره فى بناء شخصية المسلم الحق المتكاملة النافعة وما أحوج أصحاب الدعوات إلى هذه المعانى .

- من يمتثل أمر الله بإخراج الزكاة والصدقات والإنفاق فى سبيل الله يشعر أن المال مال الله، وأنه يتصرف فيه حسب تعاليم صاحبه سبحانه، وأنه لايحل له أن يخالف هذه التعاليم فى جمعه وصرفه .

- المسلم ينظر إلى المال على أنه وسيلة يستعين بها على طاعة الله، وأن جمعه ليس غاية، وبهذا يظل المال فى أيدينا نستخدمه ونستعين به، ولا يدخل الى قلوبنا ويستحوذ عليها ويسخرنا له ويستخدمنا لجمعه وحراسته وتنميته، ويصير شغلنا الشاغل: { ألهكم التكاثر حتى زرتم المقابر } { ويل لكل همزة لمزة الذى جمع مالاً وعدده  يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن فى الحطمة } .

-الزكاة تعلم المسلم أن هذا التفاوت في الأرزاق من صنع الله وتقديره لحكمته... فهو بعباده خبير بصير، ولكى تسير الحياة بين الناس فى تعاون ويخدم بعضهم بعضاً :{ الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } ، { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً  ورحمة ربك خير مما يجمعون } .

- المؤمن الصادق يعتقد أن ما حصل عليه من مال إنما هو من فضل الله وليس بمقدرته الشخصية وعلمه كما قال قارون إنما أوتيته على علم عندى  .

- المؤمن يرضى بما قسمه الله له من رزق، فالله بعباده خبير بصير: { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض ولكن ينزل بقدر  ما يشاء إنه بعباده خبير بصير } .

- الزكاة تربي في نفس المزكي الثقة المطلقة بالله و الثقة بما عند الله أكثر من الثقة بما في يده، فظاهر الأمر أن الزكاة أخذ من المال أو انتقاص له ولكن المزكى يثق بعكس ذلك ... وكما أن الربا ظاهره زيادة فى المال لكنه فى حقيقته محق له، وتدمير وإهلاك؛ وذلك مصداقاً لقول الله تعالى: { وما أوتيتم من ربا ليربو فى أموال الناس فلا يربو عند الله ، وما أوتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون  } وكذا إنذاره بحرب من الله ورسوله لمن لا يترك الربا .

- الزكاة تدفع المسلمين لاستثمار أموالهم بما ينفع المسلمين بدلاً من تعطيلها، وفى ذلك نماء وقوة  للإسلام و المسلمين، ودفع لهم لاستعمار الأرض والإفادة من نعم الله وعدم تحكم غيرهم فى اقتصادهم .

- غير المؤمنين مقياسهم المال ويقدرون الناس بقدر ما عندهم من مال ولو كانوا  ضالين مفسدين، ولكن المؤمنين مقياسهم ربانى: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وينزلون المال قدره المناسب على أنه عرض زائل وليس من مقومات الشخصية .

- غير المؤمنين يفرحون فرحاً شديداً عندما يقبل عليهم المال وأعراض الدنيا، وقد يكون فى هذا الإقبال هلاكهم وزيغهم ويجزعون جزعاً شديداً عند إدبار الدنيا

والمال عنهم ، وقد يدفع هذا الجزع بعضهم الى الانتحار .

- أما المؤمن فحاله متقارب عند إقبال الدنيا أو إدبارها فلا يفرح بما آتاه ، ولا يجزع أو يأسى على ما فاته فيطمئن الى أن هذا هو قدر الله وقدر الله له خير ... ويكون فرح المؤمن بفضل الله ورحمته وتوفيقه وهدايته :{ قل بفضل الله وبرحمته هو خير مما يجمعون } .

- المال يمكن أن يكون وسيلة لجلب الخير و الثواب العظيم إذا جمع من حلال وأنفق فى سبيل الله وأدى حق الله فيه ويمكن أن يكون وسيلة شر  وجلب لغضب الله وعذابه فى الاخرة إذ ا لم يتجه صاحبه الطرق الحلال فى جمعه ولم يؤد حق الله فيه .

هؤلاء الذين يحرصون على المال وعلى جمعه واكتنازه يخطئون الطريق؛ فالمحافظة الحقيقية على المال تكون بإنفاقه فى سبيل الله، وتنميته تكون بذلك أيضاً  ... فالله تعالى يقول: { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء  والله واسع عليم } ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ليس لك يابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت ) .

- المزكي يشعر أن ما يعطيه للفقير المحروم ليس تفضلاً منه، ولكنه حق معلوم، قسمه الله لهذا الفقير، أجراه الله على يديه، وكان من الممكن أن يتبادل المراكز مع هذا الفقير ويكون هو المتصدَّق عليه و الفقير هو المزكى .

- القرآن يحثنا على عدم إبطال ثواب الصدقات بالمن والأذى و الرياء وفى هذا جانب تربوى مهم ينمى الإخلاص لله سبحانه وتعالى وكف الأذى عن الناس و الحث على المودة و الرحمة  :{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس } بل يريد وجه الله فقط .

- الله طيب لا يقبل إلا طيباً، والقرآن يحثنا على الإنفاق من الطيب الذى نحبه، ولا نقدم الخبيث، وهذا جانب تربوى مهم فيه مقاومة للأنانية وحب النفس: { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض  ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غنى حميد }  ، { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } .

- ما أجمل أن تسمو مشاعر المتصدق فيحس أن حاجته للفقير ليتصدق عليه أشد من حاجة الفقير إليه، ذلك أنه أشد حاجة الى الحسنات وثواب الله يوم القيامة من حاجة الفقير الى المال فى الدنيا ... يحتاج الى ثواب الله لينجيه من العذاب ويدخل جنة الله؛ ولهذا فعليه أن يسعى هو إلى الفقير لا ينتظر شكراً من الفقير بل عليه هو أن يشكر الفقير الذى أتاح له فرصة زاد ينفعه فى الآخرة .

يخطىء الكثيرون عندما يقيسون نعم الله بما يدخل فى جيوبهم من راتب أو دخل وينسون نعم الله عليهم من سمع و بصر وعقل ونطق وغير ذلك، وكأن ذلك حق مكتسب ليس لله فيه فضل عليهم، فما أجدرنا أن نصحح هذه النظرة ونحس بفضل الله ونعمه علينا وأننا لو خيرنا بين أى نعمة من هذه النعم وبين قناطير من الذهب ما رضينا بديلاً عنها .

المزكى أو المتصدق يلزم أن يشعر أنه حينما يعطى الفقير إنما يقدم هذا العطاء لله: { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } وقد تذوقت السيدة عائشة رضى الله عنها هذا المعنى من هذه الآية فكانت تنظف وتجلي الدرهم قبل أن تتصدق به .

- إن المؤمن الحق ليستحي من الله المنعم المتفضل وهو يدعو المسلمين إلى الإنفاق فى سبيل الله فى صورة طلب قرض: { من ذا الذى يقرض الله قرضاً حسناً  فيضاعفه له أضعافاً كثيرة }، فمن تذوق هذ الآية حق التذوق لا يملك إلا أن يستجيب مقدماً كل ما يملك فى حياء وخشوع .

- ما أجدرنا أن نقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فى الجود والإنفاق؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون فى رمضان، وخرج كثير من الصحابة عن أموالهم فى سبيل الله ولجيوش المسلمين ويروى أن أحد الصحابة كان ينفق بسخاء فراجعه فى ذلك بعض القريبين منه فقال لهم عودت خلق الله عادة وعودنى الله عادة وهي الكرم فأخشى أن أغير عادتى مع خلقه فيغير عادته معى .

- أسلوب القرآن يحث على المسارعة بالإنفاق قبل فوات الأوان بالموت وهذا جانب تربوى مهم ينمي صفة المسارعة إلى الخيرات: { أولئك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون } :{ أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنى الى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين  ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها  والله خبير بما تعملون } .

- إن شمول فريضة الزكاة  لكثير من أنواع الثمار والمحاصيل و الحيوانات وغيره فيه معنى مشاركة الفقير لكل هذه الأنواع وعدم حرمانه من شىء منها بسبب فقره .

وهكذا نجد الزكاة والإنفاق كليهما دروس وزاد لمن أراد أن يتزود .

ولا أدعى أنى أحطت بالموضوع كاملاً وللمستزيد أن يستزيد .......  وبالله التوفيق .

نقلاً من كتاب – زاد على الطريق – لللأستاذ مصطفى مشهور