ونكمل مع كتاب زاد على الطريق لفضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – حول المعاني والأعمال التي يتزود بها الداعية في طريقه حيث يقول:

الشفاعة :

وبعض من حق عليهم دخول النار من المؤمنين يتفضل الله عليهم بقبول شفاعة من يرتضي فيهم من أنبياء أو شهداء صالحين ورسولنا صلى الله عليه وسلم أعطى الشفاعة ففي حديثه :( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ... الشفاعة إحداهن، وفى حديث آخر: ( لكل نبيّ دعوة مستجابة فأريد أن أخبىء دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة ) متفق عليه  .

وهذا فضل وإكرام من الله للأمة الإسلامية ونبيها صلى الله عليه وسلم .

الحوض :

و الحوض خصوصية أخرى لرسولنا عليه الصلاة و السلام ولأمته ففي حديث رواه مسلم عن أنس قال: ( حينما نزلت سورة الكوثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم  سأل الصحابة وقال هل تدرون ما الكوثر ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال إنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير  عليه حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة آنيته عدد نجوم السماء ) .

نار جهنم :

التفكر في اليوم الآخر لكي يكون له أثره الفعال في النفس يلزم أن نتفكر في الجنة وفي النار فنتصور الحياة في كل منهما متمثلين المشاهد و الوصف الذي ورد في كل منهما في القرآن والأحاديث فيتولد الخوف والفزع من النار فنفر منها بفرارنا من المعاصي ونتشوق للجنة فنسارع ، وسنكتفى بذكر بعضها على سبيل المثال ولو أن آية واحدة من تلك الآيات لامست القلب المؤمن دون حائل لهزت صاحبه هزاً واقشعر جلده .

اقرأ معى بعد أن تخلي قلبك وعقلك من كل المشاغل و الصوارف: { هذا خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطِّعت لهم ثياب من نار يصب فوق رءوسهم الحميم يُصهر به ما فى بطونهم و الجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها  وذوقوا عذاب الحريق } ، { إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب  إن الله كان عزيزاً حكيماً }  :{ واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ } :{ إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلى فى البطون كغلى الحميم  خذوه فاعتلوه الى وساء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم } .

هنا في الدنيا لو أن حريقاً شبَّ في مسكن مرتفع ولم يستطع أهله أن يفروا من السلم يقذفون أنفسهم من الشرفات خوفاً من النار رغم علمهم أنهم يتعرضون بذلك الى مخاطر وربما الى الموت فهلاَّ خافوا من نار جهنم خوفهم من نار الدنيا ، فنار جهنم أجدر بالخوف .

ولا ننسى أن نذكر موقف إبليس مع أتباعه حين يتبرأ ويعود باللائمة عليهم: { وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخىّ إنى كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم } .

الجنة ونعيمها :

هبى ريح الجنة ما أطيب ريحك وما أشوقنا إليك، إن ما ذكر في كتاب الله وأحاديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، عن الجنة ووصف نعيمها هو على سبيل التشبيه بما في دنيانا من نعيم ، ولكن حقيقته تفوق ما في دنيانا بصورة لاتخطر على بالنا، ارجع أخي إلى كتاب الله واقرأ وتمهل وتدبَّر تلك الآيات التى فيها ذكر الجنة ونعيمها واغمض عينيك وتصور نفسك وسط هذا النعيم واستشعر الشوق و الحنين إلى  هذا المصير ، هناك الأمن والسعادة وكل أنواع النعيم، لا فزع ولا خوف لانصب ولا قتر ولا ذلة، لاغل، لابغضاء، بل إخواناً على سرر متقابلين .

وإذا كانت القصور و الجنات و الحور العين وألوان الطعام و الشراب والفاكهة واللباس وكل ذلك مما تهفو إليه النفوس، لكن الذى يفوق ذلك كله رضوان الله والنظر الى وجهه الكريم: { ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم }  كذلك صحبة النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

فلنبدأ كل الجهد فى سبيل الله ونصرة دينه ولنتحمل كل ما نلاقي في طريق الدعوة طمعاً في رضوان الله  ولا أنسى معنى طيباً ذكَّرنا به أحد الأخوة داخل السجن فى المرة الأولى عام 1948 حيث قال : سيدنا موسى عليه السلام قضى ثمانى أو عشر سنين أشغالاً صداقاً لعروسه فى الدنيا فانظرا إلى الحور العين كم يكون صداقهن ؟ .

وفى ختام هذه الجولة من التفكر في الغيب الذي ينتظرنا أحكي قصة قرأتها وهي أن أحد المسلمين كان يعصي الله ويتوب، ولكنه يعود إلى المعصية ويتكرر ذلك منه فشكا حاله إلى أحد الصالحين، فقال له ذلك الرجل الصالح إذا قدرت على خمسة أشياء فلا تشغل بالك من ناحية المعصية ؟ قال وما هي ؟ قال : إذا أردت أن تعصي الله فلا تسكن في ملكه، فقال لا أستطيع ذلك، قال: ما الثانية ؟ قال : إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه ؟ قال : إذن أموت جوعاً ، قال : ما الثالثة ؟ قال : إذا أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لايراك أحد فيه  قال لاتخفى عليه خافية. قال: تسكن فى ملكه وتأكل من رزقه وتعصيه مواجهة هذا منتهى الجحود ، قال : ما الرابعة ؟  قال : حينما يأتيك ملك الموت أطلب منه أن يتركك  حتى تتوب توبة نصوحاً ، قال : لا يستجيب لي قال إذن لماذا لا تسارع بالتوبة  النصوح ، قال : ما الخامسة ؟ قال حينما تساق إلى جهنم فلا تذهب معهم، قال هذا مستحيل  .

ثم تاب هذه المرة  وكانت توبة نصوحاً لم يعد بعدها .

والذى حدث أن معاني الإيمان بالله و اليوم الآخر كانت خامدة في نفسه وأيقظها الرجل الصالح فى نفسه بهذا الأسلوب فكان لها أثرها فكانت توبة نصوحاً .

ونرجو أن يكون لما مثل هذا التأثر بتفكرنا الذى سقناه وبالله التوفيق .