إدارة العادات

إن من أقوى المؤثرات في حياة الناس عاداتهم، فالعادة تتحكم بشكل كبير جدًا فى حياة الإنسان ومصيره، فالعادات تتحكم في قدرته على الإنجاز، وفي نوعية ما يجيده وما يستطيعه من أعمال، تتحكم في مدى قبول الناس له، وفي نوعية من يتقرب إليه منهم، ومن يتقبله، وتتحكم كذلك في شخصيته، في نقاط قوته وضعفه، العادات أهم كثيرًا مما يظن الناس. فهي التي يرسم الإنسان بها خط سيره في الحياة.

ومن الأخبار السارة أن العادات يصنعها الإنسان، أو تُصنع له، ويستطيع تغييرها، بنفسه، أو بمساعدة غيره، والخبر الأكثر إسعادًا وتفاؤلًا أن شهر رمضان هو أكبر مؤثر في منظومة العادات، فشهر رمضان هو أقوى مغير للعادات، وهو الأشد تأثيرًا في إنشاء العادات الجديدة، وهو أقوى مدمر كذلك للعادات. ومن هنا كان رمضان كنزًا لكل عاقل.

فبإمكان الإنسان إعادة بناء نفسه كل عام في رمضان، لديه الفرصة لإعادة صياغة عاداته على مدار العام كله في شهر رمضان، فبقدر إحسان الفرد في قراءة نفسه وتقييمها ورصد جوانب القوة والضعف فيها، وتحليل ذلك كله، واكتشاف عاداته الإيجابية التى يرغب في الإبقاء عليها أو تقويتها، وكذلك عاداته السلبية، والتي يود التخلص منها، بقدر ما يستطيع الفرد رسم خريطة واضحة لعاداته، وتحديد جملة العادات المطلوب تثبيتها وإضافتها إلى ما عنده، أو تلك التى يرغب في إزالتها من نظام حياته، عندها يستطيع أن يفعل ذلك في شهر رمضان، وتكون بداية الانطلاقة الموسمية السنوية له من هذا الشهر المبارك.

لا ريب أن شهر رمضان بقدسيته، وبصرامة نظام فريضة الصوم، نعنى صرامة التوقف النهائي عن الطعام والشراب والشهوة منذ وقت محدد بمنتهى القطع، إلى حين وقت محدد بمنتهى الوضوح، هذه الصرامة والوضوح تعطي النفس قوةً لا محدودة، يستطيع المرء استثمارها في كل خير يريد، لا سيما مع استحضار قدسية الوقت وجديته وأهميته، وهذا ما يطلق عليه قوة الانضباط، وقوة الانضباط هذه هي سر بناء العادات، وسر هدمها، فقوة الانضباط تعطى قياد النفس لصاحبها، فهو الذي يتحكم فيها، ويسيرها في الوجهة التى اختارها، ومع قوة الانضباط تضعف شهوات النفس عن الفعل والتحكم لصالح قوة العقل، ومع قوة الانضباط تقوى شهية الإنجاز والنجاح، ويرى المرء سهولة تحقيق الأهداف، وتتفتح أمام الإنسان أبوابًا كان يراها مغلقةً أيام كان انضباطه ضعيفًا!

لذلك ندعوكم لاستثمار شهر رمضان، استثماره في التخلص من العادات غير المرغوبة، وفى بناء عادات جديدة تساعدكم في تحقيق أهدافكم، فلا تضيعوها!

من المعلوم أن الإنسان إذا داوم على فعل معين لمدة ثلاثين يومًا بلا انقطاع، صار من الصعب عليه أن يتوقف عنه، وإن توقف عن فعل شئ المدة الزمنية نفسها، صار من السهل عليه أن يتركه إلى الأبد، لكن الشيطان وهوى النفس يجتمعان مع ضعف إرادة الإنسان لإعادته إلى ما كان عليه قبل رمضان، وبأسرع ما يمكن، ألا ترى أننا جميعًا نشعر بحرج الأكل والشرب في نهار أوائل أيام شهر شوال؟ وتلك بعض مظاهر قوة العادة.

ولكن السؤال الواجب والواقعي هو هل نحن على دراية بعاداتنا وتقييماتها؟ هل نعلم -على الوجه الصحيح- هذه العادات؟ وهل سألنا أنفسنا عنها وأيها يجب التمسك به وأيها يجب التخلص منه؟ ربما كان هذا الواجب هو أول ما نبدأ به قصتنا، فنحدد جملة عاداتنا، ونصنفها حسب الجيد والرديء، ونضيف صنفًا ثالثًا، وهو العادات الجيدة التى تنقصنا، ثم نختار الأهم والأولى من كل قائمة، فنخطط لبناء عادة واحدة جيدة، وهدم عادة واحدة سيئة في شهر رمضان من هذا العام، ونتخذ من الوسائل والترتيبات ما يعيننا على النجاح، وذلك الجهد هو الترجمة الوحيدة الحقيقية للنية الصادقة والعزم الأكيد، ونجتهد في الدعاء أن يوفقنا الله لما نأمل من الخير والقربات.

إن حسن الإعداد على هذا النحو والجدية في السير على ما سبق التخطيط له يوفران للإنسان بيئة النجاح وفرصة الفوز. ولا تستهن بالأمر! ولا تقل أن عادة واحدة لا تكفى، فالإنسان بناء متشابك، يؤثر بعضه فى بعض، وقد ربط الله فلاح المؤمنين بجملة قليلة محددة من الطاعات والقربات، وعندما يتحلى الإنسان بصفة من الصفات الأساسية -كالصدق مثلًا- فإن هذا الصدق يهدي إلى البر، كما ورد في الحديث الصحيح، والبر يشمل كل أنواع القربات، ومن ثم فهو يهدي إلى الجنة، ولذلك عليك أن تبدأ، وعليك أن تحذر من حيلة الشيطان حين يكثر عليك الأحمال، ويضاعف على عزيمتك الجهد، كل ذلك بغرض إفشالك، والوصول بك إلى اليأس المحرم.

 لقد قضى الله برحمته أنه {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} وقد ورد في الحديث (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق)، وقال الغزالي- في شرح هذا الحديث-: أراد بذلك أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقى إلى حالة تشق عليه، فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا، وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه.

 إن شهر رمضان يعطينا الفرصة لرسم يومنا على صفحة بيضاء جديدة، ومن ثم فرصة إعادة تشكيل الحياة من جديد. تقبل الله منا ومنكم