*أمراض القلوب:

وأمراض القلوب هي التي تفسد الإخلاص، وهي أفتك بأصحابها من أمراض الأجسام؛ لأنها تحبط الأجر، وتحول دون رضوان الله وتوفيقه.

ومن هذه الأمراض الرياء والكبر والغرور وحب المال والجاه والسلطان، وحب الزعامة، وحب الظهور، وحب حمد الناس، كذلك الحقد والحسد وغير ذلك.

وهي موجودة عند الكثيرين بدرجات متفاوتة، ولكن من يوفقهم الله ويعينهم يقاومونها، ويتغلبون عليها بتقوى الله ومراقبته، وبالإيمان الصادق القوي المتين.

ويجب على الأخ دوام مراجعة نفسه والاطمئنان على إخلاصه؛ فالشيطان لا يهدأ، ويحاول دائمًا أن يفسد النوايا؛ ليحبط العمل ويضيع الأجر والثواب. وليكن حذرًا من الرياء لخفائه وليحذر الأخ من فتنة الشهرة والصيت خاصة الإخوة الدعاة والخطباء الذين يخاطبون الجماهير وتعجب بهم الجماهير، وليرجعواْ الفضل إلى توفيق الله لهم.

والعمل في حقل الدعوة من أفضل العبادات التي يطلب إخلاص النية فيها رجاء القبول، ورجل الدعوة يتهم نفسه بالتفريط في جنب الله والتقصير في أداء الواجبات ولا يداخله الغرور بعمله والإعجاب بنفسه، بل يخشى من سيئاته ألا تُغفَر ويخاف على حسناته ألا تُقبَل.

وفي هذا المجال نورد الحديث التالي:"عن عائشة زوج النبي-صلى الله عليه وسلم-قالت: سألت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ.. ﴾ (المؤمنون:60)، قالت عائشة:هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات"(الترمذي).

وعن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-أنه خرج يومًا إلى مسجد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فوجد معاذ بن جبل قاعدًا عند قبر النبي-صلى الله عليه وسلم-يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: يبكيني شيء سمعته من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول:"إن يسير الرياء شرك، وإن من عادى لله وليًا فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابواْ لم يفتقدواْ، وإن حضرواْ لم يدعواْ ولم يعرفواْ، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة" (ابن ماجه).

*والأخ العامل في حقل الدعوة يتعرض إلى مواقف وفتن وامتحانات من خارج الصف ومن داخله، وهنا يكون الإخلاص لله له دوره الفعال في النجاة منها والتغلب عليها، ويكون الاحتساب عند الله، وعدم بروز هوى النفس من ألزم الأدواء في هذه الأحوال.

*وفي مجال العمل الجماعي قد يطلب من الأخ تقدم إلى موقع أو تأخر عن موقع، فلا يجوز أن يترك ذلك في نفسه غرورًا إذا تقدم ولا ضيقًا ولا تبرمًا إذا تأخر لأنه في كلا الحالين إنما يعمل خالصًا لله مبتغيًا الأجر والثواب من عند الله.
ونزيد على ذلك بأن نقول: إن الأخ إذا وجد من هو خيرًا منه في تحمل تبعته تنحى له راضيًا وقدمه على نفسه طائعًا مُتمنيًا له التوفيق.

والأصل في العمل الجماعي أن يروض كل أخ نفسه لتبادل المواقع مع إخوانه حسب المصلحة وما تقتضيه الظروف، ورضي الله عنه "خالد بن الوليد" الذي عُزل عن إدارة الجيش، وهو القائد المظفر، وعمل تحت قيادة أبي عبيدة -رضي الله عنه- دون تردد أو ضجر.

والأخ المسلم المخلص لربه لا تفتر همته في بذل الجهد ومواصلة السير على الطريق، ولو لم تظهر له النتائج المبشرة بالنصر فالمطلوب منه العمل، وبذل الجهد كله دون تقصير مع إخلاص النية؛ أما النتائج فالله سبحانه هو الذي يرتب لها ويختار لها الوقت المناسب.

وكلما خلصت النيات من الأغراض الدنيوية قوي الحب والتلاحم والتعاون والفداء بين الإخوان، ويصدق فيهم قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ (الصف:4).

ويصدق عليهم حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-"مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (البخاري ومسلم).

في حين أن الشوائب التي تشوب الإخلاص تكون بمثابة الفواصل العازلة التي تحول دون قوة الصف وتلاحمه، وتساعد على الفرقة والاختلاف، وربما إلى التنازع والفشل.

بهذا العرض الموجز نجد أن الإخلاص من ألزم مقومات رجل العقيدة على طريق الدعوة فنسأل الله أن يرزقنا الإخلاص الخالص من أية شائبة، وأن نظل مخلصين صادقين حتى نلقاه غير مبدلين ولا مغيرين ولا فاتنين ولا مفتونين آمين.
*ومن مقومات رجل العقيدة أن يكون متجردًا لدعوته: يقول الإمام الشهيد: (وأريد بالتجرد أن تتخلص لفكرتك عما سواها من المبادئ والأشخاص؛ لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها). ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة:138)، ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ﴾ (الممتحنة:4).

إذا استحوذت فكرة على إنسان واطمأن إليها سخر لها كل ما في وسعه من وقت وجهد وطاقة ومال وغير ذلك، ولا يصدر منه قول أو فعل إلا كان من وحي تلك الفكرة.

فهل هناك أسمى وأعلى وأجمع من هذا الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، والذي به تتحقق للإنسان السعادة والعزة والسيادة في الدنيا، والنعيم الخالد والنجاة من النار في الآخرة؟
فواجب الأخ المسلم رجل العقيدة أن يتجرد لدعوته، وأن يعطيها كل ولائه وألا يتخلى عنها تحت أي ضغط أو إغراء فلا شيء يعد لها أبدًا.

وعليه أن يجعلها رائدة في كل أمر من أموره العامة والخاصة، وهي التي تحدد علاقاته بالغير وحول هذا المعنى يقول الإمام الشهيد: (والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهد، أو محايد، أو محارب، ولكل حكمه في ميزان الإسلام وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات ويكون الولاء والعداء).

 

منقول بتصرف من كتاب – مقومات رجل العقيدة – للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله.