القائمون على أمر التربية والتعليم سواء كانوا آباء أو معلمين أومربين، يتحملون أمانة عظيمة ومسئولية جسيمة في تربية أولادهم ومريديهم، وحتي يؤدي الجميع حق هذه الأمانة لابد أن يتعلموا كيف يحسنون تربية أولادهم، ويتعرفوا على فنون التوجيه والإرشاد والرعاية التربوية.
فقد تعددت أساليب وطرق التربية، ومن بينها (أسلوب التربية بالثواب والعقاب)، أو ما يُعرف بين علماء التربية والسلوك فى الإسلام بـ (أسلوب الترغيب والترهيب)، وأسلوب الثواب والعقاب من المبادئ التربوية الأساسية التي وضع لها الإسلام اعتبارًا كبيرًا، ولولا هذا المبدأ لتساوى المحسن والمسيء قال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا المُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ) غافر: 58، وإثابة المحسن علي إحسانه وعقاب المسيء علي إساءته تتجلي في قوله تعالي، (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن: 60، وقوله سبحانه وتعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) الشوري: 40
وقد أورد علماء المسلمين مبدأ الثواب والعقاب تحت عنوان: (باب الترغيب والترهيب)، والترغيب والترهيب من أساليب التربية التي تعتمد على فطرة الإنسان ورغبته في الثواب والنعيم، ورهبته من العقاب والشقاء وسوء العاقبة. والترغيب والترهيب أسلوب قرآني في التربية، ففي الترغيب وعد بالإثابة وتحبيب في الطاعة، وفي الترهيب زجر عن الزلل والمعصية وتخويف من الخطايا والآثام. وقد استفاد علماء التربية والسلوك فى الاسلام من هذا الأسلوب القرآني، وعليه وضعت أسس الثواب والتشجيع بطريقة معتدلة متوازنة، كما وضعت أسس العقاب ومراحله وشروطه.
ويظهر الاهتمام بمبدأ الثواب والعقاب في قول أمير المؤمنين هارون الرشيد لمؤدب ولده الأمين: «ولا تُمْعِن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوِّمه ما استطعت إلى ذلك سبيلًا بالقرب والمُلاينة، فإن أباهُما فبالشدة والغلظة»، لذلك يجب على المربين من آباء وأمهات ومعلمين اختيار المبدأ الملائم في الثواب والعقاب، حتى لا يحدث نفورًا أو تهاونًا من الأولاد، وحتى يسهل تكوينهم وتربيتهم التربية الصحيحة وفق مبادئ الاسلام العظيم.
الثواب والعقاب من أساليب التربية:
يعتبر علماء التربية حديثًا أن الثواب والعقاب من أبرز أشكال التربية والضبط الاجتماعي وتوجيه السلوك، فالثواب يساعد في تثبيت السلوك السويّ وتدعيمه، وتحسين الأداء وتقويمه، فحينما نكافئ أطفالنا على سلوكياتهم الحسنة ونقابلها بالاستحسان والقبول خاصة في سنوات العمر المبكرة، فإننا بذلك نبث الثقة في نفوسهم ونشجعهم على المزيد من التعلم الجيد والإنجاز والالتزام بالفضائل، فقد كان النبي ﷺ يستخدم المكافأة والثواب في إثارة نشاط الأطفال للقيام برياضة السباق، ولكي يدعم هذا النشاط كان النبي ﷺ يقول لهم: «من سبق فله كذا»، فكانوا يستبقون إليه ويقعون على صدره، فيلتزمهم ويقبلهم.
أما استخدام أسلوب العقاب، فأوصى المربون بعدم اللجوء إليه وحده إلا إذا فشلت أساليب الترغيب، فالشكر والثناء والاستحسان وتقديم الهدايا البسيطة وغيرها يدفع الولد إلى المزيد من النجاح، أما العقاب وحده فإنه يدفع إلى الخمول وضعف الأداء وتثبيط الهمة.
إن نتائج الدراسات الإنسانية والسلوكية الحديثة توصي بضرورة الاهتمام أولا بقضية الثواب والاستحسان، والتركيز على الثواب أولًا يرجع لعدة أسباب منها تلافي الأثر الانفعالي السيء الذي يصاحب العقاب، وأن فى الإثابة والأستحسان توجيه بناء لطبيعة السلوك المرغوب فيه، شريطة أن يكون الثواب علي فعل حقيقي يستحق الإثابة، أو نتيجة ترك فعل غير مرغوب، لكن الإثابة علي غير سبب حقيقي فإنها تفقد الثواب قيمته وأثره التربوي.
ويجب مراعاة ما بين الأطفال من فروق فردية، فمنهم من ترهبه الإشارة، ومنهم من لا يردعه إلا الجهر الصريح، ولذلك يقول رسول الله ﷺ: «علقوا السوط على الجدار وذكروهم بالله»، تأكيدًا علي التلويح بالعقوبة في حال تكرار الخطأ، وإن ترتب على التلويح بها التأدب وعدم الوقوع في الخطأ فقد تحقق المقصوص وبالتالي لايكون داع للعقوبة لأنها ليست هدفا في ذاتها.
خطوات العقوبة التربوية:
1- تجاهل خطأ الطفل في البداية: يتم في هذه المرحلة تجاهل خطأ الطفل مع حسن الإشارة والتلميح دون المواجهة والتصريح، وذلك حتى يعطى الفرصة لمراجعة سلوكه ويصحح خطأه، وحتى لا نلفت نظره بشدة إلى الخطأ، فربما استمر عليه عنادًا وإصرارًا.
2- عتاب الطفل سرًا: وهذه مرحلة تالية؛ فبعد السقطة الأولى التي نكتفي فيها بالتلميح تأتي مرحلة التوبيخ والتصريح سرًا، على ألا نكثر من ذلك حتى لا تسقط هيبة المربي في نفس الطفل.
ومن توجيهات علماء التربية في هذا الباب: «لا تكثروا القول عليهم بالعتاب في كل حين، فإنه يهون عليهم سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام في قلبهم».
3- عتاب الطفل ولومه جهرًا: فإذا استمر على خطئه رغم تحذيره ومعاتبته سرًا فينبغي معاتبته أمام إخوانه أو رفاقه ولا ينبغي أن يشتمل لومه وتقريعه على شتم أو سب أو تحقير لذاته. والهدف من معاتبته على ملأ هو استغلال خوف الطفل على مكانته بين أقرانه في الرجوع عن الخطأ وتعديل السلوك. وذلك أيضًا ليكون عظة وتحذيرًا للآخرين (فالعاقل من اتعظ بغيره).
فقسا ليزدجروا ومن يك حالمًا … فليقس أحيانًا على من يرحم
مع التنبيه على أمر هام فى العتاب أمام الآخرين، ألا ينتقد المربي الشخص المخطئ ولكن ينتقد السلوك الخطأ، فمثلًا لا نقول للمهمل: (أنت مهمل) ولكن نقول له: (هذا السلوك قد يدل على الإهمال).
كما ينبغي عدم تكرار الجهر بالعتاب للطفل وذلك حتى لا تفقد العقوبة قيمتها والواقع أن الطفل إذا تكرر لومه وتوبيخه فإنه يمر بثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة التألم نتيجة الشعور بالذنب.
الثانية: مرحلة التضايق نتيجة التوبيخ مع الكراهية لمصدره.
الثالثة: مرحلة عدم إعارة التوبيخ ومصدره أي اهتمام (اللامبالاه)
4- الضرب: وهو يأتي في نهاية المطاف بالنسبة لأساليب العقوبة المختلفة، وقد أقره الشرع بضوابطه وحدد له الفقهاء وعلماء السلوك في الإسلام حدودا لايتجاوزها المربي، وأحاطوها بشروط بالغة حتى لا تخرج العقوبة عن مغزاها التربوي ومن هذه الشروط:
أ- أن يكون الضرب على ذنب حقيقي، فلا يصح أن يضرب الطالب على شبهة أو ظن.
ب- لا يكون الضرب شديدًا مبرحًا فيخرج من دائرة العقوبة الموجهة إلى الانتقام والتشفي.
ت- لا يزيد الضرب على ثلاث ضربات،
ث- لا يكون الضرب على الوجه أو على الأماكن ذات الحساسية الشديدة في الجسم (مكان المقتل) لما ورد في صحيح مسلم أن الرسول ﷺ قال: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه».
ج- أن يكون الضرب مفرقا لا مجموعا في محل واحد.
ح- أن يكون ثابتا في المبدأ ومساواة بين الأولاد وعدلا بينهم، لأن العقوبه الظالمه لا تجلب الضرر.
دستور التعامل مع الأولاد:
لقد أثبتت التجارب والممارسات التربوية أن المدخلات الايجابية لعملية التربية تؤدي إلى مخرجات تربوية إيجابية لدى الأولاد والعكس صحيح، لذلك يمكن تحديد دستور للتعامل مع الأولاد (بنين وبنات) بنوده هي:
* إذا كانت تربية الولد من خلال انتقاده فسوف يتربى على أن يذم ويلعن.
* إذا كانت تربية الولد من خلال العدوان عليه فانه يتربى على أن يشاغب ويعاند.
* إذا كانت تربية الولد من خلال الاستهزاء به فانه يتربى على أن يكون خجولا.
* إذا كانت تربية الولد من خلال صب اللوم عليه فسوف يتربى على الشعور بالذنب.
* إذا كانت تربية الولد من خلال التسامح فانه يتربى أن يكون صبورا.
* إذا كانت تربية الولد من خلال التشجيع فسوف يتربى على الثقة بالنفس.
* إذا كانت تربية الولد من خلال شعوره بالأمن والطمأنينة فسوف يتربى أن يكون له عقيدة.
من هنا يتضحً أن الثواب والعقاب أسلوب يقوم على مقابلة الخير والشر في نفس الإنسان في توازن واعتدال بلا إفراط أو تفريط.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا هداة مهديين، لا ضالين ولا مضلين، إنه سميع مجيب الدعاء. والحمد لله رب العالمين.