السؤال: كيف أستطيع قضاء وقت فراغي؟ وما الأعمال التى يُثاب عليها المسلم؟

جواب فضيلة الشيخ القرضاوي:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الواجبات أكثر من الأوقات، ولكن المشكلة أننا لا نفهم العبادة بمفهومها الصحيح فيستطيع المسلم أن يُحوِّل كل عمل يعمله إلى عبادة يأخذ عليها الثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى، وأنت أيها السائل عليك أن تنفق وقتك هذا فيما يلي، وهذا على سبيل المثال لا الحصر:

أولًا: أداء الفرائض التي فرضها الله سبحانه وتعالى، وأداء ما تيسر لك من السنن والنوافل.

ثانيًا: حفظ ما تيسر لك من القرآن ومحاولة إتمام حفظ القرآن في أقرب وقت، وأن تستعين على ذلك بأحد الشيوخ الذين يجيدون حفظ القرآن ومعرفة أحكام التلاوة الصحيحة.

ثالثًا: قراءة ما تيسر لك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بحر واسع لا يُشبع منه.

رابعًا: الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب ما تستطيع.

خامسًا: السعي في قضاء حوائج إخوانك المسلمين، فتساعد المحتاج، وتزور المريض، وتصل الرحم، وغير ذلك.

سادسًا: القراءة في كتب العلم سواء كان علمًا شرعيًا يهتم بالعبادات والمعاملات أو غيرها، أو علمًا يهتم بالاكتشافات الحديثة.. العلوم الكونية وغيرها، وكل هذه الكتب تُقرِّب الإنسان من الله سبحانه وتعالى.

سابعًا: الاهتمام بعملك وتخصصك الدقيق الذي تحصل منه على قوتك.

ثامنًا: الاهتمام بالتربية الرياضية لجسمك، واعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

وكل هذا عبادة يثاب المرء عليها ما دام يخلص النية إلى الله سبحانه وتعالى.

ويضيف فضيلة الشيخ القرضاوي في معنى العبادة:

لقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} (البقرة:21) ما العبادة؟ وما فروعها؟ وهل مجموع الدين داخل فيها أم لا؟

فأجاب - رحمه الله - عن ذلك إجابة مبسطة مفصلة تضمنتها رسالته المعروفة باسم «العبودية» وقد بدأها بقوله: «العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين، والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة».

«وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله».

وهكذا نجد أن للعبادة - كما شرحها ابن تيمية - أفقًا رحبًا، ودائرة واسعة، فهي تشمل الفرائض والأركان الشعائرية من الصلاة والصيام والزكاة والحج، وهي تشمل ما زاد على الفرائض من ألوان التعبد التطوعي من ذكر وتلاوة ودعاء واستغفار، وتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد.

وهي تشمل حسن المعاملة والوفاء بحقوق العباد، كبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان لليتيم والمسكين وابن السبيل، والرحمة بالضعفاء، والرفق بالحيوان.

وهي تشمل الأخلاق والفضائل الإنسانية كلها، من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وغير ذلك من مكارم الأخلاق.

كما تشمل ما نسميه بـ «الأخلاق الربانية» من حب الله ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته والخوف من عذابه.

وأخيرًا تشمل العبادة الفريضتين الكبيرتين اللتين هما سياج ذلك كله وملاكه وهما: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله.

بل تشمل العبادة أمرًا له أهميته وخطره في الحياة المادية للناس، ذكره ابن تيمية في موضع آخر من رسالته؛ وهو الأخذ بالأسباب، ومراعاة السنن التي أقام الله عليها الكون، قال: «فكل ما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة».

وأكثر من ذلك ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله: أن الدين كله داخل في العبادة؛ إذ الدين يتضمن معنى الخضوع والذل يقال: دنته فدان، أي: أذللته فذل، ويقال: يدين الله ويدين لله، أي يعبد الله ويطيعه ويخضع له، فدين الله: عبادته وطاعته والخضوع له، والعبادة أصل معناها الذل أيضًا.

والله أعلم