رغم كل مميزات الإمام الشهيد إلا أن الميزة التي تنقطع دونها الأعناق ، والتي قلما يجود الزمان بزعيم يظفر بنصيب منها هي القوة الروحية الخارقة ، ويشهد بذلك موقعة الأستاذ أحمد السراوي معه في أوائل أيام انتقال الأستاذ المرشد من الإسماعيلية إلي القاهرة ، حيث طلب إليه الأستاذ السراوي أن يصاحبه في قضاء مصلحة له ، فسار معه حتى دخل معه منزلاً فوجد نفسه في مكان يشبه عيادة طبية ، ويكمل الأستاذ المرشد القصة فيقول : " وجاء الطبيب قبالتي وأخذ يحملق في عيني وأنا أنظر إليه في تعجب لا أدري ماذا يريد مني .. يقول الأستاذ المرشد : وبعد نحو ساعة وقف الطبيب ، وقال للسراوي : صاحبك هذا قوة روحية خارقة ، ليس في الدنيا الآن قوة تستطيع التغلب عليها ولا أن تعادلها ، لقد حاولت معه بجميع الوسائل ولم أتركه إلا بعد أن أحسست أنني إذا زدت على ذلك لحظة فسأنام أنا .

قال الأستاذ المرشد : وبعد أن خرجنا سألت السراوي عن هذه المفاجأة؛ فقال لي : لقد لاحظت أن فيك قوة روحية جارفة ، فحاولت أن أعرف مدى هذه القوة، فاتفقت مع هذا الرجل – وهو أقوى منوم مغناطيسي في مصر – على مبلغ كبير إذا هو استطاع أن ينومك ، ولم أشأ أن تعرف عن عزمي هذا شيئاً حتى آخذك على غرة دون أن تستعد ، وقد خسر الرجل المبلغ " .

وكانت تلك القوة الروحية السبب الرئيسي في مقدرته على إقناع الناس بما يريده ، بل إقناع أعداء الدعوة الذين يعملون على تدميرها بالعزوف عن ذلك ، وكان هؤلاء الأعداء يعرفون ذلك جيداً ، ويحسبون حسابه ، من ذلك موقف عبد الرحمن عمار بك عندما كان وكيلاً للداخلية في وزارة النقراشي وشعر الأستاذ البنا بأمر الحل يعد فعلاً ، فحاول مقابلة النقراشي باشا ، وقابل عبد الرحمن عمار ، وطلب منه ذلك فاعتذر له عمار بك بمشغولية النقراشي باشا ، وتظاهراً بأنه سوف يحدد له موعداً ، وبعد خروج الإمام البنا من عنده سأله أحد العاملين بوزارة الداخلية وكان سامعًا للحوار الذي دار بينهما : لم كان منه هذا التصرف ؟ فقال عمار بك : " إحنا لو تركنا الأستاذ لمقابلة النقراشي باشا فلن يصدر أمر الحل ، لأن هذا الرجل قادر على إقناع النقراشي باشا ، وبذلك تحدث أزمة بين الحكومة والسراي " .

وقد أعلن الأستاذ محمود عبد الحليم عن ذلك فقال : " إن حسن البنا كان من اتساع الأفق بحيث لا يعدم أن يجد بديلاً مهما بدا لجميع الناس أن الأمور قد ضاقت واستحكمت حلقاتها حتى صار الطريق مسدوداً لا منفذ فيه ، وكان هذا هو السبب في أن كثيرين من أعدائه كانوا يتحاشون لقاءه ؛ لأنهم كانوا واثقين من أنه سوف يلزمهم الحجة ويكسبهم إلى جانبه وهو لا يريدون ذلك حسداً من عند أنفسهم .

 

منقول بتصرف من كتاب – أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين – للأستاذ – جمعه أمين عبد العزيز – رحمه الله