دروس وفرص من الفتح المبين

         ونحن نستقبل غرة ذي القعدة (أول الأشهر الحرم) تمر علينا ذكرى حدث مهم وفارق في سيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومسيرة الدعوة الإسلامية، أسماه الله تعالى {فَتْحًا مُبِينًا}؛ ألا وهو صلح الحديبية.. وقد كان هذا الفتح فتحًا للقلوب وانتشارًا للدعوة في نفوس الناس. فقد رأت فيه العرب قوة المسلمين في وحدتهم عندما تبايعوا على الموت تحت الشجرة نصرة لله ورسوله والتزامًا بكلمة التوحيد ونصرة الدين وكانوا أحق بها وأهلها، وتأكد للجميع أن وحدة الصف وتماسكه والتفافه حول قيادته أولوية كبرى وله أثر عظيم في تخذيل الأعداء وتثبيطهم.

         وقد كانت بيعة الرضوان مقدمة لهذا الفتح ورسالة عملية شديدة اللهجة إلى قريش تقول لهم إننا في إصرارٍ وثباتٍ على العهد. وبالتزامن مع ذلك ظهر تجاوب الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع عرض قريش للهدنة وإفساح المجال للناس أن تختار دينها وحلفها دون إكراه فمن أراد أن يدخل في حلف قريش فليدخل ومن أراد أن يدخل في حلف المسلمين فليفعل، وقد ذكر القرآن الكريم خبر هذه البيعة ومدح أصحابها ورضا الله عنهم: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) -الفتح: 18- ولأجل ما ذكر الله؛ سميت هذه البيعة (بيعة الرضوان) إذ أنهم بايعوه - صلى الله عليه وسلم- على الثبات والمصابرة وعدم التولي، ومواجهة الموقف بكل ما يقتضيه من إيمان وإخلاص.

         وكما كانت بيعة الرضوان وصلح الحديبية استثمارًا للفرص التي لاحت لرسولنا- صلى الله عليه وسلم- فإنها لأتباعه أيضا درس في استثمار كل فرصة تلوح لرفع شأن الأمة. فالعمر فرصة، وصحبة الصالحين فرصة، قدراتك وإمكاناتك فرصة، الخلوة فرصة، والتفكير لمهام المستقبل فرصة. قال التابعي خالد بن معدان: (إذا فُتح لأحدكم باب خير فليسرع، فإنه لا يدري متى يُغلق عنه). والفرصة قد تكون طاعة، أو عمل خير لبناء وطن وتنمية مجتمع، وقد تكون جاهًا ومنصبًا يسخّر لخدمة الدين والأمة، وقد تكون تجارة: (نعم المال الصالح مع الرجل الصالح)، ومن اغتنم الفرص وبادر؛ تقدم على غيره مراحل ومراتب؛ فالفرص الثمينة تمر بسرعة؛ لأنها محدودة الأجل سريعة الانقضاء، والمواسم الفاضلة فرص متجددة، وهبات عظيمة يستثمرها العقلاء.

          وعلينا الحذر من التسويف فإنه يضيّع الفرص، فتتزاحم الأعباء، وتتأخر الأعمال، ويتشتت الفكر فلا يبصر الفرص ولا ينجز العمل، قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه:م(ن القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد)، والفرص يقتلها التردد الذي يفوت الفوز ويبقى المرء في مكانه والركب يسير  قال الله تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) -آل عمران: 159-. والمسلم الفطن صاحب الهمة العالية يُنمّي المبادرة الذاتية، فيصنع لنفسه فرصًا، ويولد أعمالًا هادفة لكسب الأجر، واستثمار الوقت والحياة، فينفع ذاته وينمّي زاده، ويخدم وطنه وأمته. والسعيد من جعل كل موسم من مواسم حياته فرصة لطهارة نفسه ونماء حياته فيأخذ الزمام، ويسابق الزمن ويبادر إلى المعالي. وهذا يقتضي - معشر الإخوان- أن نصوغ حياتنا بالتربية الجادة، واغتنام الفرص لنرقى في الدنيا ونسمو بالحياة ونأمن في دار القرار.

 

صوت الحكمة غائب في السودان و اﻷمن القومي المصري في خطر

         وفي محيطنا الإقليمي وعلى أرض السودان تتزايد معاناة الشعب وتتباعد آماله في حياة ديمقراطية راشدة وأوضاع اقتصادية مستقرة، بل كاد أن يضيع منه- بعد المعارك القائمة حاليًا- الأمل في حياة آمنة، وسط ارتفاع صوت الرصاص وغياب صوت العقل والحكمة. لقد كان التدخل السافر لقوى إقليمية تدعم أطراف النزاع بالمال والسلاح وتتلاعب بوحدة السودان وسلامة أراضيه سببًا رئيسًا لاستمرار المعارك وازدياد شراستها، دون أن يظهر أفق للحل ووأد للفتنة في ظل جهود محمومة من بعض القوى الدولية تستهدف إضعاف وتفكيك السودان، بل وكافة الدول العربية ونشر الفوضى داخلها.

         كان الموقف المصري جديرًا بأن يكون رمانة الميزان ومدخلًا للحل وإنهاء الخلاف والصراع المحتدم، اتساقًا مع المصير المشترك بين دولتي وادي النيل وما يمثله استقرار السودان وازدهاره والتعايش السلمي بين كل مكوناته المتنوعة من عمق استراتيجي وأمن قومي لمصر خاصة والعرب عامة وتمشيًا مع العلاقة الاستثنائية بين الشعبين وانطلاقًا من المصالح المشتركة التي تربطهما، لولا حالة الضعف الشديدة التي تعاني منها سلطة الانقلاب في ظل انهيار اقتصادي جعل القرار السياسي مرهونًا بالمنح والعطايا التي تأتي من هنا وهناك.

          إن عودة الروح للمواقف المصرية وانعتاقها من التبعية للقوى الإقليمية والدولية التي تسير السلطة في ركابها كفيل بحل كثير من الأزمات في المنطقة العربية ونزع فتيل الأزمات التي يتم إشعالها بفعل فاعل.. لمزيد من الاطلاع حول هذا الملف نوصي بمراجعة تلك الدراسة التي أعدها مركز المسار للدراسات انسانية بعنوان الموقف المصري من النزاع السوداني.. محددات العلاقة وكوابح التدخل.

 

الانتخابات التركية وطيف ثورة 25 يناير

         إن تركيا التي تحررت من الانقلابات العسكرية بعد أن تصدى لها الشعب ووقف لها بالمرصاد إثر معاناة من الفساد دامت عقودًا من الزمان، تعيش ثمرة هذا التحرر حياة ديمقراطية راشدة ومنافسة انتخابية حقيقية لاختيار رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان.

         ونحن إذ نهنىء الشعب التركي على نجاح تجربته الديمقراطية وعرسه الانتخابي في 14 مايو 2023، نرجو للشعب التركي كل التوفيق والازدهار، فازدهار تركيا هو قوة للعرب والمسلمين ليس في الاقتصاد والتجارة فحسب بل أيضًا في إيجاد توازن دولي وإقليمي يكبح جماح الحروب ونزوات المغامرين بمصالح الشعوب والدول.

         إن مصرنا الحبيبة كان بمقدورها من خلال تطلعات شعبها أن تمر بتجربة ديمقراطية ناجحة ونامية، إلا أن انقضاض الانقلاب العسكري عليها في 3 يونيو 2013 بدعم دولي وإقليمي أفشلها، وما تلا ذلك من مسار الانقلاب نحو العنف والدموية غير المسبوقة في تاريخ مصر الحديث وما تبع ذلك من تدمير الحياة السياسية والذي جعلها تمر بأسوأ أيامها تحت حكم سلطة انقلابية شمولية صادرت الحريات والحقوق، وأبرزها الحق في انتخابات حقيقية وليست مزيفة، ونزيهة وليست ملفقة، حيث اختفت تقريبًا كل الأصوات إلا صوت الحاكم المستبد الذي لا يَعدل ولا يرحل، ولو تُرك الأمر له لورّث أبناءه من بعده.

         نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحقق لمصر رجاءنا في حرية حقيقية ينعم بها المصريون فيختارون بإرادة حرة من يحكمهم، وأن يحفظ مصر وتركيا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء لتسترد أمتنا قوتها وتملك زمامها وتتبوأ من جديد المكان اللائق بها: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه)-آل عمران: 110-.

 

ولا زال العدوان على أرض فلسطين غاشما وسافرا وفاجرا.. ولا زالت المقاومة مستمرة

         في جولة جديدة من العدوان الصهيوني على غزة الحبيبة الصامدة الصابرة الأبية، بدأ المحتل باغتيال كرامة الشهيد الفلسطيني البطل المقاوم عدنان خضر في محبسه وعدم الاستجابة لإضرابه عن الطعام ثم عاود المحتل مؤخرًا عمليات الاغتيال الممنهج  لقادة ميدانيين وسياسيين في حركة الجهاد الفلسطيني مع أطفالهم وزوجاتهم وأسرهم وجيرانهم بكل وحشية وحقارة في محاولة لفرض قواعد اشتباك جديدة على المقاومة.  وإزاء هذه الحالة من الفجور في العدوان وتجاوز كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية والاستهزاء بكافة التفاهمات الميدانية لم تقف المقاومة مكتوفة اﻷيدي؛ فقابلت العدوان الهمجي بالمقاومة والوحدة التامة بين فصائلها والتنسيق والتلاحم للدفاع بما لديها من أدوات قتالية أربكت حسابات العدو ومستكبريه ومستوطنيه. هذا وتفرض المقاومة دائمًا قواعدها.. المقاومة تصمت والمحتل ومستوطنوه يترقبون.. المقاومة ترد دفاعًا عن نفسها والمحتل ومستوطنوه يفرون إلى الملاجئ. 

          هذا، وقد أكدت جماعة الإخوان المسلمين في تصريح لمتحدثها الإعلامي الأستاذ/ علي حمد أن العدوان الأخير على قطاع غزة واغتيال الشهداء لن يشكل مخرجًا لحكومة الاحتلال من مأزقها ولن يغير من معادلات الواقع شيئًا. طالع هنا نص التصريح حول الاعتداء الصهيوني الأخير على غزة

 

من أخبار الجماعة

  • نحو توضيح الحقائق وإزاحة الغبار عن الصفحات المضيئة من حياة جماعة الإخوان المسلمون ودحضًا لبعض الادعاءات والافتراءات التي تناثرت هنا وهناك مؤخرًا، استضافت قناة وطن- المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين- الدكتور/ طلعت فهمي في حلقة خاصة من برنامج أصل الحكاية. لمشاهدة الحوار مع الدكتور طلعت فهمي
  • استعرض المهندس/ مدحت الحداد- عضو مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين- في حوار له على قناة وطن ببرنامج حوار خاص عددًا من المواقف والأحداث التي مرت بالجماعة بالشرح والتوضيح وتوثيق المعلومات. لمشاهدة الحوار مع المهندس مدحت الحداد

-  في الذكرى الخامسة والسبعين لوضع المشروع الصهيوني أقدامه على أرض فلسطين، في 15 مايو 1948م وإعلان دولته المزعومة برعاية أممية وحماية دولية وتواطؤ رسمي عربي، أصدرت جماعة اﻹخوان المسلمين بيانًا أكدت فيه على البُشريات الكثيرة لزوال هذا الاحتلال الغاصب، ووجهت التحية لرجال المقاومة البواسل. طالع هنا نص بيان الجماعة.

 

       والله أكبر ولله الحمد

      أ. د. محمود حسين
      القائم بأعمال فضيلة المرشد العام
      الجمعة 29 شوال 1444 هجرية الموافق 19 مايو 2023م

 

اضغط هنا لتحميل الرسالة PDF