د. حلمي القاعود

أعلن مجلس أمناء رابطة الأدب الإسلامي العالمية اختيار الأستاذ الدكتور حسن بن عمر الأمراني الحسني رئيساً لرابطة الأدب الإسلامي العالمية مدة ست سنوات قادمة بدءاً من يوم الأربعاء 20/10/1444 هـ، الموافق10/5/2023م؛ وذلك خلفاً لفضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله تعالى. وأضاف المجلس: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقه في عمله، وأن يكون خير خلف لخير سلف. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رابطة الأدب الإسلامي العالمية تسعى لتحرير الأدب في البلاد العربية والإسلامية من التصورات الغريبة، والقيم التي لا تتفق مع أصول الإسلام وثوابته، وتنقية النصوص الأدبية مما يلحقها من ضعف وتشوهات بسبب فرض الثقافات الأجنبية، واستلاب بعض ابناء الأمة الذين انبهروا بها وتعلقوا بتصوراتها، وتخاصموا مع ثقافة الإسلام أو لم يلتفتوا إليها.

 الاستقلال الأدبي

كان هناك أدباء وكتاب وهيئات يحاولون مع بداية النهضة الأدبية الحديثة، وضع الكلمة المبدعة على طريق الاستقلال بموازاة الاستقلال الوطني والقومي عن الإرادة الاستعمارية، أو الاحتلال الأجنبي، وعرف الناس على مدى القرن الماضي أقلاما كانت صريحة في الدعوة إلى هذا الأمر من أمثال: مصطفي صادق الرافعي وتلميذيه محمد سعيد العريان، ومحمود محمد شاكر، ومحمود حسن إسماعيل، ونجيب الكيلاني، وأدباء مدرسة دار العلوم بجامعة القاهرة، وأدباء جمعية الشبان المسلمين وغيرهم. بيد أن الخطوات العملية لوضع الدعوة إلى الأدب الإسلامي على أرض الواقع بدأت من الهند، على يد الشيخ أبي الحسن الندوي رئيس جمعية العلماء، وكان متفتحا، وواعيا لما يجرى في الساحة الأدبية العربية والإسلامية من قضايا أدبية وثقافية، فدعا إلى تأسيس الرابطة كيانا أهليا بتصريح رسمي، وانطلقت من لكنهؤ بالهند عام 1984، لتكون لها مكاتب وأعضاء في عواصم عربية وإسلامية، ودار الحوار في المنتديات الأدبية والثقافية حول الأدب الإسلامي ومسمّاه، وصدرت الكتب ونشرت المقالات حول مفاهيم هذا المصطلح الذي عدّه بعضهم جديدا أو غريبا، بعد أن شاعت المفاهيم الأجنبية في آدابنا الحديثة والمعاصرة.

أمل كبير

كان الشيخ أبو الحسن أول رئيس للرابطة، التي أصدرت مجلة الأدب الإسلامي باللغات العربية (عن مكتب الرياض) والأردية (عن مكتب الهند)، والتركية (عن مكتب اسطنبول). وظل رئيسا لها حتى وفاته عام 2014، فتنقلت الرئاسة إلى الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس مكتب البلاد العربية، وحين لحق بالرفيق الأعلى عام 2020، تولى الرئاسة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ، رئيس مكتب الهند، وقبل أسابيع 13/4/2023 توفاه الله، فاختار مجلس الأمناء الشاعر الكبير والناقد المرموق حسن الأمراني نائب رئيس الرابطة في المغرب، رئيسا. ويعلق الأدباء الإسلاميون أملا كبيرا على الرئيس الجديد لتنشيط الرابطة ومكاتبها ومنشوراتها بصورة أكبر وأوسع وأعمق، فضلا عن اكتشاف مزيد من المواهب الجيدة في ميدان الكتابة بروح إسلامية في شتى أجناس الأدب باللغة العربية، واللغات الأخرى، وذلك عن طريق النشر والمسابقات والندوات ليكون هناك أدباء إسلاميون يكتبون الشعر والقصة والرواية والمسرحية وأدب الأطفال، فضلا عن المقالة والدراسة النقدية، والبحوث الطويلة وخاصة في مجال التطبيق على النصوص الأدبية.

من هو حسن الأمراني؟

وقد ولد الدكتور الأمراني يوم السبت 3 جمادى الأولى 1368 للهجرة الموافق أبريل 1949م، بمدينة وجدة، شرق المغرب، بالقرب من الحدود مع الجزائر الشقيقة، وهو دمث الأخلاق جمّ الأدب بالمعنيين (الخلقي والثقافي)، ونموذج مشرف للمسلم المعاصر – ولا نزكيه على الله- فهو مخلص لدينه ووطنه ومبادئه، مجاهد بماله ووقته وقلمه، وتصطبغ كلماته التي يخطها بجروح أمته في فلسطين والبوسنة والهرسك والشيشان وكل مكان يئن فيه المسلمون من الظلم والأذى! تخرج حسن الأمراني في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس عام 1968، ونال الإجازة في اللغة العربية وآدابها من الكلية ذاتها عام 1972. ثم دبلوم الدراسات التربوية 1973. وشهادة استكمال الدروس (في الأدب القديم ) 1974، ودبلوم الدراسات العليا (الماجستير) في موضوع ( دراسة لشعر قيس بن الخطيم ) بإشراف الدكتور عبد الله الطيب. من كلية الآداب بفاس عام 1981، وقد حصل حسن الأمراني على دكتوراه الدولة في الأدب العربي من جامعة محمد الخامس بالرباط عن موضوع (المتنبي في دراسات المستشرقين الفرنسيين)، بإشراف الدكتور عباس الجراري سنة 1988. عمل الأمراني بالتدريس في المرحلة الثانوية بالتعليم العام، ثم أستاذاً للأدب والنقد ورئيسا لشعبة اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة محمد الأول ـ وجدة. وقام بالتدريس في بعض كليات الخليج، وشارك خارج الجامعة في مؤتمرات أدبية داخل المغرب، وخارجها: بالجزائر وتونس وليبيا ومصر والسعودية وفرنسا وألمانيا وتركيا والهند.

 نشاط فياض

ثم إنه كان منذ شبابه شعلة نشاط في منطقة مولده (وجدة)، وشكل مع لداته وأصدقائه هناك حركة أدبية نشطة، فكان عضوا ورئيسا في جمعيات أدبية واجتماعية عديدة، وقد صحبت رحلته الأدبية منذ السبعينيات، وأكبرت فيه مع زميليه (محمد على الرباوي، ومحمد بن عمارة رحمه الله)، مثابرتهم وتغلّبهم على صعوبات النشر والتهميش، وما زلت أذكر دواوينهم أو مجموعاتهم الشعرية التي طبعت بطريقة متواضعة (الماستر) ومنها: البريد يصل غدا، 1975. واستلهموا في قصائدهم التاريخ الإسلامي، والمواقف المضيئة فيه، وقد كتبت عن بعضهم في مجلة "الشعر" الفصلية التي صدرت في القاهرة عام 1976م.

مجلة المشكاة

ومن وجدة انطلقت تجربة مهمة أخرى للأمراني وأصدقائه مستلهمة الأدب الإسلامي بإصدار مجلة المشكاة، وقد رأس تحريرها، وحفلت بالنصوص والدراسات المهمة لشعراء وكتاب ونقاد موهوبين وجادين من شتى أرجاء العالم الإسلامي، فضلا عن ترجمات مفيدة ومتميزة لموضوعات كتبها أجانب، وكانت المجلة ميدانا للحوار الأدبي المثمر، دون إقصاء أو تعتيم. ولكن المشكاة تعثرت بسبب الإمكانات المادية، فكانت تصدر في العقدين الأخيرين كل بضعة أشهر، أو تتوقف أحيانا لسنة أو اثنتين، ثم تعود بعدد مزدوج أو نحو ذلك. وقد حاول الأمراني أن يتجاوز المسألة المادية بإصدار إلكتروني عام 2014 عنوانه "الثقافة البانية"، ويبدو أن الأمر لم يسر بالطريقة التي أراد، فلم يستمر بالمعنى المأمول.

الإقلاع الحضاري

والثقافة البانية مشروع ثقافي للإقلاع الحضاري أطلقه الأمراني من ثلاثة عقود تقريبا. واحتضنته بعض المؤسسات التي أسسها وشارك فيها، مثل مجلة المشكاة وجمعية النبراس اللتين ظلتا في ظل المصاعب مصرّتين على الاستجابة لنداء الإقلاع وضرورات الاستجابة لحدوثه أو على الأقل التبشير به. وخلافا للثقافة السائدة أو الثقافة المنبتة، جاء البحث عن هويّة لثقافة بانية فاعلة تنمي نوازع الإنسان فيه. يقول الأمراني: إن الثقافة مالم تتحول إلى فعل أو تعمل على دفع الإنسان للفعل. تفقد شرائط وجودها وتصبح نوعا من الترف الفكري الذي يكبل الطاقات ويعوقها عن الانطلاق. في زمن التحولات الثقافية التي تخترق النسيج المجتمعي تزداد الحاجة لمواجهة طوفان الأسئلة والقضايا التي أصبحت وظيفة من لا وظيفة له، عوض أن نجد أنفسنا أمام مشروعات ثقافية غريبة ذات مرجعيات واضحة مهما اختلفت أسسها. وتزداد الحاجة إلى الخروج من هذه الأزمة والإسهام في بناء القضايا الثقافية العامة من منطلق مشروعات مجتمعية متكاملة و مسؤولة، فلا ثقافة للتدبير المجتمعي بدون تدبير مجتمع ثقافي، يحضر فيه الفاعل الثقافي الإعلامي بقوة تجاوزا لهيمنة الفاعل السياسي والاقتصادي ذاته .

التطور التقني

كما تزداد الحاجة إلى بناء مشروعات ثقافية إعلامية جادة تفيد من التطور المعلوماتي والتقني .بعيدا عن إعلام التزييف واغتيال الوعي، أو الإعلام الثقافي الذي يتحكم فيه مهرّبو الحقيقة بعيدا عن رؤية المثقف الحقيقي وتوجيهه. فإذا كان المطلوب تمكين الثقافة البانية من العمل والفعل، فإن المقصود أيضا تمكين الثقافة البانية من وسائط الفعل والعمل، أي بناء إعلام ثقافي وازن يفيد من الإعلام الجديد وفضاء التواصل الافتراضي. ولا ريب أن الثقافة البانية كما تصورها الأمراني تمثل خطوة ناضجة على طريق رؤية العالم وعلاقتنا به، وقدرة أمتنا على التفاعل مع معطياته، لبلورة هوية إسلامية واضحة، تسعى في طريق بناء الوعي والذات والمشاركة الإنسانية.

أنفاس الثقافة البانية

ويستطيع من يتابع الإنتاج الأدبي (شعرا ونثرا) للأمراني، أن يرى تطبيقا عمليا لهذه الثقافة البانية، فقد قدم على سنوات طويلة إصدارات عديدة تعتمد التصور الإسلامي، وتدعو إليه، وتواجه به.. في المجال الشعري حملت مجموعاته منذ البداية أنفاس الثقافة البانية والحلم والأمل بتغيير الأحوال السائدة، والتطور إلى الأفضل، ونهوض الإسلام في العالم، ومواجهة الظلم الذي يفرضه الأقوياء، ولم يكن شعره غائبا عن متابعة حركات التجديد في الشعر على المستويين العربي والعالمي، وقد أوضحت ذلك في بعض ما كتبته عنه، وهو ما انعكس على مواقفه إزاء الواقع الثقافي، فلم يفرط في إيمانه، ولم يتنازل عن رؤيته، مهما كلفه ذلك من تهميش أو تعتيم، أو إبعاد عن دائرة الضوء. لقد ارتضى الباحث عن الثقافة البانية أن يكتب في الظل، وينظم في الهدوء متسقا مع عقيدته وتصوره الإسلامي، وأن يقف مع المظلومين أيا كانوا، في إطار من الفن الجميل، والكلمة الطيبة(البانية)، وقد أخرج للناس مجموعات شعرية ثرية بالرؤى والحمولات الدلالية، وهي حتى الآن: – الحزن يزهر مرتين- 1974، مزامير، 1975- البريد يصل غدا (بالاشتراك)، 1975- القصائد السبع، 1987- مملكة الرماد، 1987- الزمان الجديد، 1988، ثلاثية الغيب والشهادة، 1989- كاملية الإسراء، 1992- جسر على نهر درينا (ملحمة الإسلام في البوسنة)، 1992- قصيدة الإسراء، 1993- يا طائر الحرمين، 1995- سآتيك بالسيف والأقحوان، 1995- سيدة الأوراس، 1995- المجد للأطفال والزيتون، 1996- أشجان النيل الأزرق، 1998، نبض الخافقين(بالاشتراك)، 1999- القس واليمامة، 2000- شرق القدس.. غرب يافا، 2002- لو كان قلبي معي، 2005- ما أقول لكم (الصحف الأخرى)، 2016. وتشير عناوين المجموعات إلى أشواق الكاتب ورؤاه التي تتجاوز ذاته إلى السياق العام للأمة وأشجانها وجراحها، ومن أبياته:

أنـا الغَـريبُ إذا فـارَقْتُ حَانِيـةً مِنَ الكِتـابِ وآيـاتٍ مِـنَ الحِـكَمِ

أنـا الغَريبُ إذا جاوَزْتُ مُعْــتَقَدي ... ورُحْتُ أضْرِبُ في وَهْمٍ وفي رَجَـمِ

أنـا الغَريبُ إذا اسْتسْلمْتُ عَبْدَ هَوىً... وعَرْبَدَتْ شَهَـواتُ العُمْر مِلْء دَمِي

وغُـرْبَةُ النَّفْس تُشْقي كُلَّـما نَزَعَتْ... نَظرَةٌ إلـى صَنَمٍ يَهْوى إلى صَنَـمِ

وإذا كانت الغربة واقعا مريرا يعيشه، ويؤلمه، فإنه لا يستسلم لها ، ولا ينهزم أمامها، ولكنه يواجهها بقوة وعزيمة كما تقول أبياته:

لكِنَّ لي في كُلِّ عامٍ رِحْلَةً وتَشَرُّداً

وكأنَّني جَوَّابُ أوْدِيَةٍ وآفَاقِ

ولي في كُلِّ عامٍ غُرْبَةٌ، مُتأبِّطاً سَيْفي

ودَمِي عَلى كَفِّي!!

ومن كتبه وأبحاثه العلمية والنقدية: المتنبي في دراسات المستشرقين الفرنسيين- سيمياء الأدب الإسلامي- بديع الزمان سعيد النورسي، أديب الإنسانية- نحو ثقافية بانية-المتنبي وفيكتور هيجو- المنهج الحضاري في تحليل النص الأدبي- النص وحدود التأويل، ما الأدب ؟- رسالة الأدب والشهود الحضاري- النص ومحيطه… إن رجاء كبيرا وآملا عظيما في وجود حسن الأمراني على رأس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، بنهضة أدبية ممتدة، وأدب إسلامي قوي، يجعل لأمتنا أدبا حرا مستقلا ، يؤثر في الأدب العالمي بتميزه وتفرّده وخصوصيته الإنسانية.

.المصدر: إسلام أون لاين