وائل قنديل
يسابق الاحتلال الصهيوني الزمن للهجوم على مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني في مدينة رفح، فيما تتسابق الدول العربية على أقوى بيان تحذير واستنكار، فهل يكفي ذلك لكي يعيد الصهيوني حساباته ويرتدع؟
في أجواءٍ أسوأ بكثير مما كان الوضع عليه قبل النكبة الأولى عام 1948، تحتفي قناة عربية اسمها العربية باستضافة المتحدّث باسم جيش الاحتلال، ليعلن أنهم ماضون في الخطط العسكرية الإسرائيلية لتفكيك حركة حماس، والإجهاز على المقاومة الفلسطينية في غزّة، فيما بياناتٌ متفرّقةٌ تصدُر من عواصم عربية، من ذلك النوع الذي يَطرب لسماعه بنيامين نتنياهو ومجلس حربه، ويمنحه إحساسًا بأن أحدًا من العرب يمكن أن يقدِم على خطوة عملية واحدة تُربك حساباته وتدفعه إلى التروّي في اجتياح رفح، إذ تدرك إسرائيل أن مثل هذه البيانات تكون موجّهة بالأساس إلى الداخل العربي، بوصفها إبراءً لذمّة الأنظمة من الجريمة الصهيونية المستمرّة.
لا أحد من الحكومات العربية يرى نفسه طرفاً في معادلة الصراع، أقصى ما لديهم أن بعضهم وسطاء تفاوض وبعضهم شركاء للاحتلال في المصالح الاقتصادية والسياسية، والباقون متفرّجون أو مشغولون في صياغة بيانات ما بعد المذبحة، من دون أن يجرُؤ أحد منهم، ولو ذرّاً للرماد في العيون، على الدعوة إلى عقد اجتماع قمّة طارئة، هي الحد الأدنى مما على العرب فعله، في ظل معطيات الواقع الراهن التي يسلك فيها الاحتلال وكأنه سيّد الإقليم والجميع خاضعون لإرادته.
في الموقف المصري من إقدام إسرائيل على اجتياح رفح تجد الشيء ونقيضه، تحذير للمحتل للصهيوني من الهجوم، وتحذير للمقاوم الفلسطيني من عدم الإذعان لصفقة الأسرى، مع تسريبات للصحافة العالمية بالتفكير في تعليق العمل باتفاقية كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب إن مضت الأخيرة في مخطط إجبار الفلسطينيين على النزوح، واحتمالات عبور الفارّين من القصف إلى الجانب المصري، من دون أن يصدُر بيانٌ رسمي أو يخرُج مسؤول واحد بتصريح يمكن أن يُزعج الاحتلال.
تعلم إسرائيل وتعلن صحافتها أن كل ما تسعى إليه مصر هو ضمان عدم تضرّرها من نتائج الهجوم على مدينة رفح، فتقول إذاعة جيش الاحتلال إن المسؤولين المصريين أبلغوا الجانب الإسرائيلي بأنهم لن يعملوا على منع أي عمليةٍ عسكريةٍ في رفح، طالما جرت من دون المسّ بالمدنيين الفلسطينيين هناك، وتضيف أن مصر تخشى، فقط، فرار الغزّيين إلى أراضيها في حال الإقدام على عملية عسكرية في رفح، لتنتهي إلى استنتاجٍ بأن التهديد بتجميد اتفاقية السلام يأتي في إطار الاستهلاك الإعلامي والرسائل الموجّهة إلى الجمهور المصري.
باختصار، كل ما تريده من نتنياهو ألا يلقي بضحاياه في أرضها، لكنها لا تمانع في انفراده بالضحايا وتقتيلهم وإبادتها، في تكرارٍ للموقف ذاته من فكرة تهجير الفلسطينيين من غزّة في وقتٍ مبكّر من بدء العدوان على غزّة: هجّروهم إلى صحراء النقب بدلًا من سيناء.
هي النكبة الجديدة إذن على بعد 76 عامًا من النكبة الأولى، مع فارق وحيد، أن العرب عام 1948 كانوا عرباً بالفعل، أما ونحن في 2024 فقد تصهينت العروبة، فلم تعُد تقوى على عقد اجتماع يفهم منه العدو أنهم ضد انفراده بفلسطين، كما فعلوا قبل النكبة الأولى، واجتمعت الدول السبع المؤسسة لجامعة الدول العربية، وهي مصر والأردن والسعودية واليمن والعراق ولبنان وسورية، في مدينة أنشاص المصرية، 28 مايو / أيار 1946 ليقرروا الآتي: قضية فلسطين قلب القضايا القومية، باعتبارها قُطراً لا ينفصل عن باقي الأقطار العربية. ضرورة الوقوف أمام الصهيونية، باعتبارها خطراً لا يداهم فلسطين وحسب، وإنما جميع البلاد العربية والإسلامية. اعتبار أي سياسة عدوانية موجّهة ضد فلسطين تأخذ بها حكومتا أميركا وبريطانيا هي سياسة عدوانية تجاه كافة دول الجامعة العربية. الدفاع عن كيان فلسطين في حالة الاعتداء عليه. مساعدة عرب فلسطين بالمال، وبكل الوسائل الممكنة.
كانوا عرباً.
المصدر: العربي الجديد