الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من عَبَد الله حتى الممات، مَن بعثَه الله هدى ورحمة للعالمين.
إخواننا وأحبتنا الشباب...
مَن منَّا لم يحزن لفراق شهر رمضان الكريم، وكلنا إمَّا مقصر ضاعت منه فرصةُ استثمار أيامه ولياليه؛ ليغفر له ويعتق من النار، وإما طائع قدَّم من الأعمال القليلة ما كان يطمعه لو طالت تلك الأيام المباركات ليزداد تقربًا وتعبدًا لله وينال ثوابًا عظيمًا، وخالقنا الجواد الكريم سبحانه، وقد علم حزننا على فراق شهرنا ها هو يسعد القلوب، ويتفضل على العباد بنفحة مباركة طيبة هي فرصة جديدة لمحو الذنوب وغسل الخطايا ورفع الدرجات.
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "افعلوا الخير دهركم، وتعرَّضوا لنفحاتِ رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يُصيب بها مَن يشاء من عباده".
إخوتي، إن هذه النفحة المباركة التي مَنَّ الله بها علينا والتي تعطر الوجود الآن هي هذه الأشهر الحرم التي نحيا في نورها الآن، وعلى الأخص الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة المبارك، تلك الأيام التي قال عنها الرسول المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء" (حديث صحيح).
عليك الصلاة والسلام يا حبيبنا يا رسول الله، ما أكثر ما تأتينا بالمبشرات!! نعم إخوتي إنها فرصةٌ رائعةٌ.. احذروا أن تفوتكم.. احذروا أن تضيعوها من بين أيديكم دون أن تنالوا خيرها، ويغفر لكم فتحزنوا عليها حيث لا ينفع الندم.
إن هذه الأيام المباركة هي أفضل أيام الدنيا أيام، كما أخبرنا رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- وهي الأيام التي أمرنا الخالق- سبحانه- بالإكثار فيها من ذكره قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ (الحج:28)، قال ابن عباس: إنها أيام العشر من ذي الحجة.
فلننفذ أمر الله ونذكره سبحانه فيها، ولنكثر من العبادات والطاعات؛ لنحيي هذه الأيام فنكون من الفائزين، ومن هذه الطاعات التي نتقرب بها لله في هذه الأيام..
أولاً: الذكر:
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد". (صحيح)، فأكثِر أخي الشاب من هذه الأذكار المباركة، كما أمرك رسولك الكريم- صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: الصيام:
وهل أفضل من صيام التطوع في هذه الأيام التي أُمِرنا بالإكثار من العمل الصالح فيها، وقد أخبرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الصيام وفضله: "من صام يومًا في سبيل الله جعل الله بينَه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض" (صحيح).
وأنتم- إخواني الشباب- أولَى الناس بالإكثار من الصيام؛ تنفيذًا لوصية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لكم: "يا معشر الشاب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم" صدق رسول الله– صلى الله عليه وسلم، والكيس من يعمل العمل الصالح ويعد له نيات كثيرة فيَزداد من الحسنَات، فأكثِروا من الصيام، وتعرَّضوا لنفحات الله، ونفِّذوا وصية رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: الإكثار من الصدقات:
حُجاج بيت الله العتيق بذلوا كل غالٍ ورخيصٍ من جُهد ومالٍ؛ ليؤدوا مناسك الله.. فهل تبخلوا أنتم ببذل صدقاتٍ تجعلكم في ظل الله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، وقد قال تعالى: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران:92).
رابعًا: الإكثار من قراءة القرآن:
احرص أخي على كثرةِ القراءة مع التدبر والخشوع وتحريك القلب بالقراءة.. قال تعالى: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾ (الزمر:23).
واعلم أن حرصك على القرآن يجعلك ممن وصفهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إن لله أهلين من الناس.. قالوا: يا رسول الله مَن هم؟ قال هم أهل القرآن.. أهل الله وخاصته". (صحيح).
فكُنْ من أهل الله؛ بحرصك على كثرة القراءة والحفظ والتدبر، واحذر من أن تكون ممن يقيمون حروفه ويضيعون حدوده، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفًا من أحرف القرآن كان له حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن "ألف" حرف و"لام" حرف و"ميم" حرف".
خامسًا: إحياء لياليها بالقيام:
فالقيام إخوتي من العِبادات الجليلة التي أخفى الله ثواب القائمين بها لعظمته ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (السجدة:17)، وقد أخبرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن قيام الليل فقال: "هو دأب الصالحين قبلكم، وقربةٌ إلى الله عز وجل، ومنهاةٌ عن الإثم، وتكفيرٌ للسيئات، ومطردةٌ للداء عن الجسد" (صحيح)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ (المزمل:20).
سادسًا: الإكثار من الدعاء:
فلا تنسَ أخي كثرة الدعاء واللجوء إلى الله؛ ليقضي الله لك حوائج الدنيا والآخرة، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء مخ العبادة"، فتعبَّد لله بسؤاله والتضرع له.
أحبتنا في الله:
وإذا كانت هذه العبادات الجليلة عظيمةَ الثواب في الأيام العشر كلهن، فقد ميَّز الله يوم عرفة فميِّزوه وزيدوا من العبادة والذكر واللجوء والضراعة لله في هذا اليوم العظيم ليعتقكم الله من النار، فتكونوا من الناجين، بإذن الله.. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة..." (صحيح).
أيها الإخوة الأحباب:
إذا عددنا معًا الأيام العشر المباركات، التي وصانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من العمل الصالح فيها، فسوف نجد أن يوم عيد الأضحى هو آخرها، فاحذروا أن تضيِّعوه دون تكبير وتحميد وتهليل، واحذروا من أن تضيعوا ثواب ما قُمتم به من عبادات بمعاصٍ تُرتكب يوم عيدٍ جعله الله جائزةً للمحسنين، واحرصوا على صلاة العيد وإظهار الفرحة والطِّيب، ولبس أجمل ثيابكم، وتقربوا إلى الله بالصدقة وصلة الرحم والذكر والدعاء والقرآن؛ حتى تختموا هذا الأيام العشر بخير.
وفي ختام حديثي أطمئن من كان يرجو لو كان مع الحجيج وأخبره إن فاتك أداء المناسك لعدم استطاعتك، فبإمكانك الحج وأنت في بلدك، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة" (صحيح).
فأبواب الخير كثيرة، فاطرقوها واعزموا أن تؤدوا شعيرة الله، تقبل الله منا ومنكم، وأعاد الله عليكم وعلى الأمة الإسلامية هذه الأيام المباركة باليُمن والفلاح والبركات والفوز بالحسنات.