إن القرآن الكريم هو نور الله الذي أضاء به طريق البشرية، وهو المنهج الذي ارتضاه لعباده ليكون لهم دستور حياة وهداية في الدنيا والآخرة. وقد جاءت آياته مرارًا وتكرارًا تحثّ على التمسك به، والتحاكم إليه، وجعله المعيار الذي تُقاس به الأعمال والأحوال. ومن هذه التوجيهات العظيمة قوله تعالى:
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (الأعراف: 170).
مدلول التمسك بكتاب الله
كما يعبر الأستاذ سيد قطب في الظلال
فى اللفظ القرآني “يمسكون بالكتاب” يعبر عن صورة حسية تعكس القوة والعزم في الأخذ بتعاليم الله، وليس مجرد تلاوته أو الاطلاع عليه دون تطبيق. فالتمسك بالكتاب لا يعني الإيمان النظري فقط، بل يتجسد في العمل به وتحكيمه في الحياة، فقد جعله الله شرطا للإيمان كما قال تعالى:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
[ النساء: 65]
فالقرآن منهج شامل للحياة، وهو مصدر التشريع والهدى، ومن أعرض عنه أو لم يتحاكم إليه فهو معرض لغضب الله، كما قال تعالى في تحذيره لمن تولوا عن أحكامه:
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ} (المائدة: 45).
إن الأمم التي أهملت كتاب ربها وانحرفت عن تعاليمه ذاقت مرارة الفساد والضياع، كما حدث مع بني إسرائيل الذين أعطاهم الله الكتاب فتخلوا عنه، فكان جزاؤهم الذل والتشريد، كما في قوله تعالى:
{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُواْ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ} (البقرة: 61).
الصلاة وتحقيق الإصلاح في القلوب والمجتمع
إلى جانب التمسك بالكتاب، جعل الله إقامة الصلاة ركنًا من أركان الإصلاح في الأرض. فالصلاة ليست مجرد طقوس، بل هي وسيلة لتزكية القلوب، وإقامة العدل، وردع النفس عن الهوى، كما قال تعالى:
{إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ} (العنكبوت: 45).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام أشد الناس تمسكًا بالصلاة، بل كانت الصلاة بالنسبة لهم حياة وروحًا، حتى في أصعب الظروف. فكانت الصلاة لازمة وفريضة عيل المؤمنين في كل أحوالهم من شغل أو فراغ أو صحة أو مرض أو سلم أو حرب ، لأنها حبل متين يتصل به العبد بربه وعلى قدر الحرص والبذل والخشوع والإخلاص تكون متانة هذا الحبل فيشتد فيستغني به الإنسان على الحياة ومايقابله فيها وعلي البذل لدين الله وما يلاقيه فى سبيل ذلك أسوة بنبينا صلي الله. عليه وسلم
التمسك بالكتاب وإقامة الصلاة: مفتاح الإصلاح في الأمة
لقد أكد القرآن الكريم أن من يمسك بكتابه ويقيم الصلاة فهو مصلح في الأرض، والله لا يضيع أجر المصلحين، فالإصلاح لا يكون إلا عبر التزام تعاليم الله، وتطبيقها في الحياة، وبدون ذلك، تتخبط الأمم في الضياع والفساد.
وقد رأينا في واقعنا كيف أن الأمم التي طبّقت شرع الله ونهجه سادت، وكيف أن المجتمعات التي أهملته وأهملت الصلاة انهارت وفسدت أخلاقها ومعاملاتها.
فلنحرص على أن نكون من الذين يمسكون بكتاب الله بجد وعزيمة، ويقيمون الصلاة على وجهها، حتى نكون من المصلحين الذين وعدهم الله بالنجاة والفلاح، ولنرفع شعار:
{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} (طه: 84).