وجّهت 33 منظمة حقوقية، اليوم الأربعاء، خطاباً مشتركاً إلى وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس، بشأن المطالبة بالتدخل العاجل لإنهاء الاحتجاز التعسفي للشاعر والمدافع عن حقوق الإنسان عبد الرحمن يوسف القرضاوي، الذي رُحّل قسراً من لبنان إلى دولة الإمارات في 8 يناير الماضي، ومنذ ذلك الحين وهو رهن الإخفاء القسري.
وأعربت المنظمات عن بالغ قلقها بعد مرور 90 يوماً على إخفاء القرضاوي قسراً، وهو ما دفع خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى إصدار بيان في 5 مارس الماضي، يطالبون فيه السلطات الإماراتية بالكشف الفوري عن مكان وجوده، وإجلاء مصيره، وسط مخاوف حول تعرّضه لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وأضافت المنظمات أن قضية القرضاوي "تجسّد نمطاً متكرراً من القمع العابر للحدود، حيث تتعاون الدول لإسكات الأصوات المعارضة حتى خارج أراضيها"، مؤكدة أنّ "ما جرى له ليس حادثاً فردياً، بل واحدة من ممارسات ممنهجة تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والكتاب والمعارضين في المنطقة".
وفي 28 ديسمبر 2024، ألقت السلطات اللبنانية القبض على الشاعر عبد الرحمن القرضاوي استجابة لطلب تسليم من الإمارات، بتهم تتعلق بنشر معلومات كاذبة، والتحريض على الفوضى، بسبب فيديو نشره أثناء وجوده في سورية، انتقد فيه السياسات المصرية والإماراتية والسعودية. وعلى الرغم من طعن محاميه علي طلب التسليم، لم يُمنح القرضاوي فرصة للبت في الطلب، ورُحّل إلى الإمارات على متن طائرة خاصة، من دون إجراءات قانونية عادلة.
وذكرت المنظمات أن مكان احتجاز القرضاوي لا يزال مجهولاً حتى هذه اللحظة، فضلاً عن حرمانه من التواصل المنتظم مع أسرته أو محاميه، مشيرة إلى السماح له بإجراء مكالمة هاتفية وحيدة استغرقت دقيقة واحدة مع عائلته، في 20 فبراير الماضي. وعينت السلطات الإماراتية محامياً حكومياً لتمثيل القرضاوي من دون موافقته، بينما لم يتمكن محاموه الدوليون من التواصل معه.
وقالت المنظمات إن تسليم واحتجاز القرضاوي "يمثل انتهاكاً صارخاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل حرية التعبير والحماية من الاعتقال التعسفي، واتفاقية مناهضة التعذيب التي تحظر التسليم إلى دول يُحتمل أن يتعرض فيها الشخص للتعذيب". وأظهرت ممارسات السلطات الإماراتية تجاهلاً واضحاً لتعهداتها الدولية، مع رغبتها البدء في محاكمة القرضاوي بتهم متعلقة بجرائم إلكترونية، من دون أي اتهامات رسمية معلنة أو ضمانات للإجراءات القانونية السليمة أو المحاكمة العادلة.
واستطردت المنظمات أن العلاقات التجارية والدبلوماسية المتنامية بين الإمارات والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، سواء من خلال شراكة الاستثمار السيادي بين المملكة والإمارات أو اتفاقية التعاون مع الاتحاد الأوروبي، تفرض مسؤولية في احترام القيم الأساسية لحقوق الإنسان، إذ إن هذه الشراكات ليست اقتصادية فحسب، بل تعكس التزاماً مشتركاً بالعدالة والشفافية وحقوق الإنسان.
وأضافت أن الصمت إزاء الانتهاكات التي يتعرض لها القرضاوي يهدد بإيصال رسالة مفادها أن هذه المبادئ "ثانوية" أمام المصالح الاستراتيجية، بما يشكل تشجيعاً على المزيد من القمع العابر للحدود. وختمت المنظمات بالقول إن السماح بإخفاء الأفراد قسراً، واحتجازهم تعسفياً، وحرمانهم من ضمانات المحاكمة العادلة بلا محاسبة، يقوض مصداقية منظومة حقوق الإنسان الدولية، مشددة على أهمية التحرك الدبلوماسي لضمان احترام حقوق القرضاوي الأساسية، وضمان عودته الآمنة إلى أسرته.
والمنظمات الموقعة على الخطاب هي "إيجيبت وايد لحقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والديوان الديمقراطي، والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، والمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، والمركز العربي لدراسات القانون والمجتمع، والمفكرة القانونية، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمنبر المصري لحقوق الإنسان، والمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ورابطة الحقوقيين الفلسطينيين".
وضمت قائمة المنظمات الموقعة "ريد ورد لحقوق الإنسان وحرية التعبير، ومعهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط، ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف، ومركز الأرز للدراسات القانونية، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، ومركز الشرق الأوسط للديمقراطية، ومركز سيناء لحقوق الإنسان، ومركز وصول لحقوق الإنسان، ومركز مناصرة معتقلي الإمارات". كما ضمت "مجموعة منّا لحقوق الإنسان، ومنصة اللاجئين في مصر، ومؤسسة دعم القانون والديمقراطية، وفير سكوير، ومنظمة بيبول إن نيد، ومنظمة الاتحاد من أجل الديمقراطية، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة القلم الدولية، وهيومن رايتس ووتش، وهيومنا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية، ونجدة لحقوق الإنسان".
وعبد الرحمن القرضاوي هو نجل العلامة الراحل يوسف القرضاوي، ولم يرتكب جرماً سوى التعبير عن آرائه السياسية في الأنظمة العربية الاستبدادية من خلال كلماته وأشعاره. لكن مواقفه المعارضة جعلته هدفاً لأنظمة تسعى إلى إسكات أصوات منتقديها.
وفي إطار التضامن معه، شهدت مدن لندن وباريس ولاهاي ونيويورك وقفات احتجاجية أمام سفارات الإمارات، نظمها أصدقاء القرضاوي بمناسبة مرور شهر على ترحيله إلى أبوظبي. كما نظمت حملة "أصدقاء عبد الرحمن" وقفة تضامنية أمام قصر العدل في بيروت، وشاركت في فعالية مماثلة في برلين بحضور أصدقاء الشاعر من المصريين والعرب، إلى جانب متضامنين أجانب من الدول التي شهدت الوقفات.