بدموع حارقة وتَحَدٍّ وإصرار على مواصلة درب الصمود والمقاومة ووعد بالثأر، ودَّع الشعب الفلسطيني اليوم الشهيد دكتور نزار ريان القيادي البارز بحركة المقاومة الإسلامية حماس، الذي استهدفته قوات الاحتلال الصهيوني مساء اليوم في غارةٍ جويةٍ خلَّفت 9 شهداء آخرين من عائلته؛ بينهم زوجاته الأربع واثنان من أطفاله.

 

ورغم التحذيرات المتكررة له بضرورة مغادرة منزله؛ لأن القصف الصهيوني بدا عنيفًا اليوم، وخاصةً على مخيم جباليا، لم يُنصت د. ريان لتلك التحذيرات؛ ليضرب لإخوانه المجاهدين وللعالم أجمع أروع نماذج الثبات والصمود في مواجهة الصهاينة الغاصبين، ويقدِّم للأمة الإسلامية درسًا جديدًا في حب الاستشهاد، ويلطخ بدمائه الزكية جبين حكام وزعماء وملوك العرب والمسلمين الذين تآمروا على ضرب المقاومة الفلسطينية وتقاعسوا عن نصرة قضية المسلمين الأولى "القضية الفلسطينية".

 

كان ريان- رحمه الله- أستاذًا في مادة الحديث الشريف، يتمتع بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، واشتهر بالتصاقه الشديد بالحياة اليومية للمواطنين، وبجرأته في تحدي جيش الاحتلال حتى في أشدّ الاجتياحات العسكرية الصهيونية لشمال القطاع، كما أنه تمسّك بمنزله في مخيم جباليا المكتظ، ليعيش حياة متواضعة ومتقشفة، حتى في ملبسه، رغم مكانته العلمية والأكاديمية البارزة.

 الصورة غير متاحة

 

ويتمتع الأكاديمي الجامعي الدكتور نزار ريان بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، واشتهر بمواقفه الجريئة، بتمركزه مع المقاومين الفلسطينيين في الصفوف الأولى للتصدي للاجتياحات الصهيونية لمخيم جباليا في سنوات "انتفاضة الأقصى".

 

فقد كان من المألوف أن يتمركز أستاذ علم الحديث بين المقاومين في ذروة الاجتياحات الصهيونية الضارية، بل لم يتردَّد مرارًا في استبدال ثوبه اليومي بالزي العسكري لـ"كتائب عز الدين القسام"، رافعًا الروح المعنوية، غير عابئ بتهديدات جيش الاحتلال له.

 

كما قاد البروفيسور نزار ريان مبادرة فلسطينية جريئة لتحدِّي سياسة هدم منازل المواطنين الفلسطينيين عبر الإنذارات الهاتفية المسبقة؛ فقد قاد القيادي الشهيد مبادرة تشكيل دروع بشرية شعبية لحماية منازل المواطنين الفلسطينيين المهددة بقصف طائرات الاحتلال خلال السنتين الماضيتين.

 

كان ريان يصعد مع مئات المواطنين إلى أسطح البنايات، مردِّدين التكبيرات؛ لحماية المباني السكنية من القصف؛ لينتهيَ ذلك الأسلوب الذي حاول الجانب الصهيوني فرضه.

 الصورة غير متاحة
 

 

والدكتور نزار هو أحد علماء فلسطين البارزين، ويُنادي كذلك باسمه "نزار ريان العسقلاني"، وهو لاجئ فلسطيني ينحدر من بلدة نعليا القريبة من عسقلان.

 

والشهيد هو أستاذ الحديث النبوي الشريف بقسم الحديث الشريف بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة التي قصفها الطيران الحربي الصهيوني في العدوان الحاليِّ على قطاع غزة.

 

وتلقَّى الدكتور نزار ريان تعليمه الأكاديمي في السعودية والأردن والسودان؛ فقد حصل ريان على شهادة البكالوريوس في أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام 1982م، وتلقَّى العلم الشرعي على علماء الحجاز ونجد، ثم حصل الشهيد على شهادة الماجستير من كلية الشريعة بالجامعة الأردنية بعمّان عام 1990م بتقدير ممتاز، ومن بعد نال درجة الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم بالسودان عام 1994م.

 

والدكتور ريان متزوج من أربع سيدات، وله ستة أبناء ذكور، وست بنات، وحفيدان، وابنه إبراهيم أحد مقاتلي كتائب القسام قد استشهد في وقتٍ سابقٍ، وكان نزار رحمه الله ينذر أبناءه وأحفاده للدفاع عن فلسطين والقدس الشريف، واستكمال مسيرة التحرير.

 

وقد سبق أن عمل الشيخ نزار ريان إمامًا وخطيبًا متطوعًا لمسجد الخلفاء بمعسكر جباليا خلال الأعوام من 1985م وحتى 1996م، وهو من القياديين البارزين في حركة حماس، وقد اعتقلته سلطات الاحتلال مرارًا ليمكث في سجونها نحو 4 سنوات، كما اعتقلته أجهزة الأمن السابقة التابعة للسلطة الفلسطينية وأخضع فيها للتنكيل والتعذيب.

 

وعلاوةً على بحوثه العلمية المنشورة؛ فقد كانت للقيادي مساهمات اجتماعية بارزة، بخاصة في تمكين عشرات الأكاديميين الفلسطينيين من الحصول على منح لدراسات الماجستير والدكتوراه في الجامعات العربية والإسلامية في شتى التخصصات، كما يُعَدّ أحد رجالات الإصلاح الاجتماعي في قطاع غزة، من خلال ترؤسه "لجنة إصلاح ذات البين ولم الشمل".

 الصورة غير متاحة
 

 

وفي حديث صحفي سابق للعالم الشهيد نزار ريان عن سر ارتدائه الزي العسكري، رغم أنه قائد سياسي، فقال: "إنه حين تغتصب الأرض وتُقتَحم البلد، هناك حكم شرعي ينطبق على السياسي والعسكري، بل على الرجل والمرأة، وهو وجوب دفع العدو عن الأرض بالنفس؛ ولذلك لا يمكن إلا أن أخرج على الهيئة التي تذكرون؛ لأدفع بنفسي عن بلدنا وأهلنا، ولأرفع معنويات المجاهدين والسكان، "ولقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْجَعَ النَّاسِ؛ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: "لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا"، ومن هنا تكون الأسوة الحسنة".

 

واستكمل قائلاً: "نعم.. إن حركة المقاومة الإسلامية حماس تفصل بين الجهازين: العسكري والسياسي، لكن الجيش الصهيوني لا يفرِّق بين السياسي والعسكري، وهو قادم للقتل، قادم للحرب، فهل أقف مكتوف الأيدي أقول لعدوي: أنا سياسي، لا علاقة لي بالعسكر.. هذه بلدنا، وقادة الدول ووزراؤها عند تعرض دولهم لمحنة الاجتياح وغيره تلبس البذلة العسكرية، وتظهر في الميادين العامة، ولسنا بدعًا من الأمم".

 

كما سئل ذات مرة عن الجهاد والعبادة وعن الروح الإيمانية التي يتمتع بها المجاهدون وعن عبادتهم أثناء تصديهم للاحتلال، فقال: "إن العودة إلى الله في فترات الخوف واضحة، وعبادة المجاهدين التي نوجِّههم إليها الذكر والدعاء، أما صلاة النوافل والقيام فلا أنصحهم بها؛ خشية أن يستغل العدو الحركة فيبادر بالقنص، لكن الإيمانيات قوية، والدعاء وسماع القرآن يملأ الأجواء، ويمكِّن المجاهدين من مواصلة جهاد بروح عالية".