منذ أيام قليلة جرت الانتخابات التشريعية في إندونيسيا؛ أكبر دولة إسلامية، وبمشاركة أكثر من 100 مليون ناخب، وانتهت أيضًا عملية فرز الأصوات، ورغم ذلك فلن تظهر النتيجة قبل عشرة أيام على الأقل من يوم التصويت، ولن تعلن رسميًّا قبل 9 مايو المقبل؛ نظرًا للطبيعة الجغرافية لإندونيسيا، وتباعد المسافات، وكثرة عدد جزر الأرخبيل الإندونيسي، والبدائية في كثير من تلك الأماكن، وضعف الوسائل الحديثة بها، وقد ظهرت نتائج أولية شبه نهائية لهذه الانتخابات لها من الدلالات الكثير، وكانت على النحو التالي:

1- الحزب الديمقراطي الحاكم (حزب رئيس الدولة) 20.7%.

2- الحزب المناضل الديمقراطي (حزب ميجاواتي رئيسة إندونيسيا السابقة) 14.9%.

3- حزب جولكار (حزب الرئيس الأسبق سوهارتو) وهو الحزب الأكبر في الدولة وحليف حالي 14.4%.

4- حزب العدالة والرفاهية (تيار إسلامي) يرأسه تيفاتول سمبيرينج  11.9%.

5- حزب الأمانة القومية.

6- حزب الوحدة والتنمية.

7- حزب نهضة الأمة (الرئيس الأسبق عبد الرحمن وحيد).

8- حزب حركة إندونيسيا العظمى (غريندرا القومي) يرأسه جنرال سابق برابو سوبيانتو.

9- حزب ضمير الشعب، ويرأسه قائد القوات المسلحة السابق ويرانتو.

 

ومن خلال تلك الأرقام والنتائج نحاول في عجالة أن نقف معها في قراءة متأنية، راصدة للمعطيات الجديدة التي نتجت عن هذه الانتخابات، مع رسم التوقعات المحتملة لمستقبل إندونيسيا السياسي.

 

أولاً: لقد أثمرت نتائج الانتخابات عن تغيُّر الساحة السياسية بشكل كامل وغير مسبوق؛ فقد تقهقرت كل الأحزاب عما كانت عليه في الانتخابات السابقة، وبخاصة الأحزاب الرئيسية، فيما عدا حزبين فقط؛ هما الحزب الديمقراطي وحزب العدالة؛ حيث حقق الحزب الديمقراطي زيادةً في الأصوات ونقلةً كبيرةً من 8% إلى 20%، وانتقل من الحزب السادس في الانتخابات السابقة إلى الأول، وحزب العدالة حقَّق زيادةً أيضًا من 7.9% إلى 12.2%، وانتقل من الترتيب السابع إلى الرابع، بخلاف المناضل الديمقراطي وجولكار، اللذين حقَّقا خسارةً بلغت 6% من الأصوات، وانتقلا في الترتيب إلى الثاني والثالث، كما أظهرت النتائج تقهقر حزب نهضة الأمة (حزب الرئيس الأسبق عبد الرحمن وحيد) من المرتبة الثالثة إلى السابعة، وكذلك حزب التنمية.

 

ثانيًا: يرى المحللون السياسيون أن تقدم الحزب الديمقراطي الحاكم في الانتخابات بهذه الدرجة الكبيرة يعود بصورة واضحة إلى أسباب رئيسية؛ تتمثَّل في حجم الدعاية الهائلة التي قام بها الحزب، وتوفر الموارد المالية الكبيرة، إضافةً إلى استخدام الجهاز الحكومي ومقدَّراته في الحملة الانتخابية، وتبقى شخصية الرئيس- وهو جنرال سابق في الجيش- هي المحور الرئيسي في هذا التقدم الكاسح؛ نظرًا لما يتمتع به من شعبية تصل إلى 60%.

 

ثالثًا: أظهرت النتائج أيضًا زوال الكثير من الأحزاب، سواء كانت قوميةً وعلمانيةً أو إسلاميةً، فقد انهارت كافة الأحزاب ولم ينجح منها في الحصول على نسبة 2.5% المقررة لدخول البرلمان إلا تسعة أحزاب فقط؛ مما يعني زوال 29 حزبًا من الساحة السياسية معظمها أحزاب صغيرة، وبالتالي فقد أعرض الناخبون عن الأحزاب السياسية والدينية على السواء، وليس كما يشاع في تحليلات بعض الصحف غير الدقيقة من إحجام الناخبين عن الأحزاب الإسلامية والتمسك بعلمانية الدولة، فالصورة الواضحة هي انهيار تامّ لكافة الأحزاب الصغيرة، علمانيةً كانت أو إسلاميةً.

 

رابعًا: من المعطيات التي أظهرتها النتائج بروز حزب العدالة في المحافظات الرئيسية، مثل (جاكرتا- جاوا الغربية- بانتن- سولاوسي الوسطي- كاليمانتان الجنوبية- سومطره الغربية)؛ مما يعني حضوره وسط النخب المثقفة بشكل كبير، كما أظهرت النتائج الانتشار الأفقي لحزب العدالة في العديد من المدن والمحافظات؛ مما يعني أن الحزب مرشَّح لنيل عدد أكبر من المقاعد البرلمانية لتصل إلى 70 مقعدًا بعد أن كانت 45 في الانتخابات السابقة.

 

خامسًا: أظهرت نتائج الانتخابات في الجاليات الإندونيسية في الخارج عن فوز حزب العدالة بالمركز الأول في كل من (مصر- ألمانيا- باكستان- اليابان- المغرب- السودان- الكويت) وبفوزه بالمركز الثاني في (ماليزيا- إيطاليا- هولندا- النمسا- بلجيكا- أستراليا)؛ مما يعني أن وجود الحزب وسط العمل الطلابي لا ينافسه فيها حزب آخر، وأن الأجيال الجديدة الناشئة تبشِّر بمستقبل واعد لحزب العدالة.

 

سادسًا: يعدُّ حزب جولكار هو محور الارتكاز في مستقبل الحياة السياسية الإندونيسية؛ لأنه سيكون المحدد لشكل الحكومة القادمة، فهو المتحكم من خلال تحالفه السياسي في شكل العملية السياسية، مع من سيكون؟ هل يتحالف مع الرئيس الحالي سوسيلو بامبانج يودويونو (الديمقراطي) وهما حليفان في الحكومة الحالية؟ أم يتحالف مع الرئيسة السابقة ميجاواتي سوكارنو (المناضلة الديمقراطية)، وكانا قد اتفقا على تعزيز مواقفهما في الانتخابات العامة، رغم الجدال والخلاف التاريخي الكبير الواقع بينهما؟ أم يترك الساحة بلا تحالف ويبقى في المعارضة؟ أم ينافس منفردًا على رئاسة الدولة كما هو متوقَّع، خاصةً بعدما أُشيع أن نائب الرئيس الحالي- وهو من الحزب- سيرشِّح نفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة؟!!

 

وفي المقابل يسعى الرئيس سوسيلو وحزبه الديمقراطي للبحث عن حليف يمكِّنه من الفوز بانتخابات الرئاسة وتشكيل الحكومة، وقد صرَّح بذلك الرئيس سوسيلو قائلاً: "إن التعاون بين الأحزاب في هذا البلد مهمٌّ, ولا يستطيع أي حزب من الأحزاب أن يحقق أمنيته بنفسه دون وجود التعاون بين الأحزاب".

 

وهنا يبرز حزب العدالة- الحليف في الحكومة الحالية- كأفضل حليف في المرحلة القادمة، وقد تمت لقاءات بين الرئيس ورجال حزب العدالة تصبُّ في هذا الإطار، وهذا هو السيناريو الأقرب إن لم يتحالف جولكار مع الديمقراطي.

 

هذه قراءة سريعة في نتائج انتخابات إندونيسيا، ولعل الأيام القليلة القادمة تكون حاسمةً بشكل نهائي في رسم خريطة الأحزاب والحياة السياسية، ولعلها تكون أيضًا أيام التحالفات السياسية بين الأحزاب الكبيرة؛ حيث تشهد محادثات عاصفة من أجل بناء تحالفات قوية بسرعة قبل موعد انتخابات الرئاسة في يوليو المقبل، ولعلها تكون كذلك أيام الانتحار السياسي لكثير من الأحزاب الخاسرة.