- الحسيني: ملف فساد سليمان كبير وما يحدث فجور سياسي

- عمار علي حسن: الحكومة تقلِّب في دفاترها القديمة خوفًا من الجدد

- سعد عبود: النظام يتبع أسلوب إخراس معارضيه وإبراز رجاله الفاسدين

 

تحقيق- إسلام توفيق:

"حبس الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح و5 من قيادات الإخوان 15 يومًا".. "محمد إبراهيم سليمان رئيسًا لشركة الخدمات البترولية والبحرية".. عنوانان بارزان لخبرين تصدَّرا الصفحات الأولى للصحف المصرية أمس، يُظهران مدى التناقض الذي يتعامل به النظام المصري مع رجال الدولة الشرفاء منهم واللصوص.

 

فهل نسي النظام عند اتخاذ قراره مَن هو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح صاحب التاريخ المشرف منذ نعومةِ أظافره وحتى الآن، واختلطت أوراقه مع أوراق محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان المطرود من الوزارة، والتي تضخَّمت ثروته من طرقٍ غير مشروعة؛ حيث اشترى- خلال فترة ولايته وعمله في الحكومة- 4 قطع أراضٍ بإجمالي مساحة 10 آلاف متر مربع في أرقى مناطق التجمع الخامس، وتُقدَّر بحوالي 4 ملايين و500 ألف جنيه، كما اشترى 3 فيلات في مارينا باسم زوجته وأبنائه القُصَّر، وتُقدَّر بحوالي 4 ملايين، فضلاً عن 9 سيارات من أحدث الموديلات، بالإضافة إلى 3 قصور بمصر الجديدة؛ من بينها قصر النقراشي باشا.

 

الوزير المطرود كشفه تقريرٌ خطيرٌ للجهاز المركزي للمحاسبات عن فوضى الإسناد بالأمر المباشر بوزارة الإسكان؛ حيث أكد قيام الوزير بإسناد عمليتي نفقي الثورة والعروبة بالأمر المباشر، كما أشار إلى أن الوزارة وجهاز تعمير القاهرة الكبرى لم يحدِّد الأسعار النهائية لأعمال النفقين، رغم تسليم المشروعين تسليمًا نهائيًّا؛ فقد لاحظ الجهاز عند فحصه لمستندات المشروعين أن إسنادهما صدر بالأمر المباشر رقم 42 بتاريخ أول فبراير 2003م لشركة المقاولين العرب لتنفيذ أعمال النفقين بقيمة تقديرية 95 مليون جنيه، وفجَّر الجهاز قضيةً أخرى عندما أكد أن تكلفةَ الأعمال المُنفذة ارتفعت حتى فبراير 2004م إلى 228 مليونًا و497 ألفًا و176 جنيهًا، وهو ما يعني أن التكلفة ارتفعت إلى أكثر من 300% بحجة ارتفاع أسعار مواد البناء، رغم قِصر مدة التنفيذ التي لم تستغرق أكثر من ستة أشهر.

 

كما كشف التقرير عن فضيحةٍ أخرى أكدت تورط مكتب شقيق زوجة الوزير (انفايروسيفيك) في إهدار خمسة ملايين جنيه و578 ألف جنيه في عملية إنشاء محطة مياه الشرب بمنشأة ناصر، دون الاستفادة من المشروع؛ نتيجة عدم الدقة في إعداد الدراسات الأولية للمشروع.

 

تناسى النظام أن جهات أمنية رفيعة قامت ليلة الأربعاء 18 أغسطس 2004م بتفتيش مكتب الوزير، وطلبت منه تجميد نشاطه لحين إشعار آخر, وتمَّ عزله من منصبه في أول تعديل وزاري بعد ثبوت تورطه في اتهامات باستغلال النفوذ، وإسناد عقود مقاولات حكومية لمكاتب استشارية يمتلكها أقاربه.. لكن يبدو أن النظامَ اكتشف أنه لا يستطيع أن يستغني عن مؤهلات الوزير المطرود في دعم الفساد؛ فحاول أن يسترضيه ويعيده كي يستفيد من خبراته!!.

 

(إخوان أون لاين) رصد مع الخبراء والسياسيين أسباب هذه الازدواجية في المعايير، وحقيقية اختيار سليمان لهذا المنصب.. فكان هذا التحقيق:

 الصورة غير متاحة

 م. سعد الحسيني

 

بدايةً.. يقول النائب المهندس سعد الحسيني عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين: إن سياقَ النظام الراعي للفساد لا يجعلك تتعجب من أي شيءٍ يقوم به، خاصةً إنْ كان في حمايةٍ لأحد رجاله أو معاقبه أحد معارضيه.

 

وأشار إلى أن الفشلَ المتكررَ للنظام المصري وراعيته الرسمية للفساد والتخلف والاستبداد جعل من الطبيعي حماية الفاسدين ذوات التاريخ الأسود ومعاقبة واعتقال الشرفاء، مشيرًا إلى أن هذا يثبت ما ينادون به.

 

وأضاف أن التاريخ الأسود لسليمان الذي به مخالفات كثيرة مثل إعطائه لآلاف الأفدنة لأشخاصٍ لا يستحقونها بدون مناقصاتٍ ولا عروض، لا يؤهله إلا للمحاكمة وليس للتكريم، وإعطائه مثل هذا المنصب الرفيع في إدارة الخدمات البترولية والبحرية.

 

وقال إنه تقدَّم بسؤالٍ عاجل لرئيس الوزراء ووزير الإسكان السابق؛ حيث تساءل عن الكيفية التي حصل بها هشام طلعت مصطفى على 53 مليون متر مربع لمشاريع مدينتي والرحاب 1 و2؟ وكيف حصل على أراضي مدينة الرحاب الأولى التي تتعدى مليون متر مربع؟، وكيف حصل على أراضي مدينة الرحاب الثانية التي تتعدى المليون متر مربع؟، ثم حصل على أراضي مدينتي التي تتعدى 33 مليون متر مربع، وتزيد قيمتها على 55 مليار جنيه؟، ومَن الذي سهَّل له الحصول على هذه الأراضي في وقتٍ لا يستطيع فيه ملايين المصريين الحصول على عدة أمتار يبنون بها مقبرة مع الارتفاع الفاحش في أسعار مواد البناء؟.

 

وقال: إن هناك شراكاتٍ خفية بين هشام طلعت وسليمان المتسبب في هذه الكارثة، وإنه هو مَن أصدر قرارًا بتخصيص هذه الأراضي له.

 

وأشار إلى أن الوزارةَ في عهد سليمان شهدت عمليات تلاعب شديدة في تخصيص الأراضي وبيعها، مما أدَّى إلى تكوين ثروات طائلة لبعض المستثمرين دون وجه حق، وفتح الباب واسعًا أمام عمليات فسادٍ لا حصرَ لها؛ مما أثَّر سلبًا على روح الانتماء لدى المواطنين.

 

واختتم كلامه قائلاً: "من الطبيعي أن يحمي النظام الفاسدين بإدخالهم مجلس الشعب وإعطائهم كافة الصلاحيات والإمكانيات لمزيدٍ من النهب والسرقة والفساد"، مشيرًا إلى أن الأمر كله توزيع أدوار ومناصب.

 

ازدواجية

 الصورة غير متاحة

د. عمار علي حسن

وهو الأمر الذي اتفق معه الدكتور عمار علي حسن مدير مركز دراسات الشرق الأوسط؛ حيث قال: إن الإستراتيجيات العامة للنظام المصري الحاكم يقوم على تقويد أركان البدائل أو القوى التي يمكن أن تشكِّل خطرًا أو تهديدًا على النظام، والاستعانة بأشخاص ولائهم الأول والأخير للنظام، بشرط أن يكون لهم ذلة عند الحكومة؛ حتى لا يخرجوا عن طوعهم.

 

وأشار إلى أن سيلمان من المشهود لهم بعدم الكفاءة، فضلاً عن القضايا المقامة ضده، وأن المعلومات والوقائع الطريقة التي خرج منها من الوزارة تؤكد أن إعادته للحياة السياسية والعامة مفاجأة، بها شيء مريب، خاصةً أن النظام يسعى ظاهريًّا إلى أن يتطهر من الفساد، بعد أن استشرى في رجاله مثل ممدوح إسماعيل، وهشام طلعت مصطفى، والتي بدأت إساءتهم تنعكس على الحزب والدولة.

 

وأضاف: "ولكن التحالف الموقع بين المسئولين من قيادات لجنة السياسات غير القانونية وغير الشرعية وبعض رجال الأعمال وأصحاب المصالح في البلاد أصبح زواجًا كاثوليكيًّا، لا طلاقَ فيه؛ مما يشكِّل خطرًا كبيرًا على مصر"، مشيرًا إلى أن تعيينهم في هذه الأماكن ومحاولة إقحامهم في أماكن محصنة هو الحل الوحيد للحفاظ عليهم.

 

وشدَّد على أن النظام يعتبر أي وجه جديد يهدِّد مصالحه الشخصية؛ مما يجعله (يقلِّب) في دفاتره القديمة الذين لهم باع كبير في الفساد؛ ليساعدوه على بقائه، وكأنهم يقولون لبعضهم: (أنا وأخويا على ابن عمي)، وهو الأمر الذي يؤكده اعتقال الشرفاء أمثال د. عبد المنعم أبو الفتوح ود. جمال عبد السلام وغيرهم.

 

وعن إمكانيات سليمان التي لا تؤهله للمنصب الجديد قال حسن: إن د. نظيف نفسه غير مؤهل لرئاسة الوزراء، فلا يمكن أن تسأله عن اختيار شخص غير مؤهل لمنصب معين، مشيرًا إلى أنه فوجئ بأنه تولى هذه المهمة الثقيلة، على الرغم من أنه لم يكن يعلم كيف تُدار مصر، بل إنه لم يشارك مرة في مظاهرة، ولم يوقع على مذكرة احتجاج، فلم يكن أهلاً للخبرة ولا أهلاً للثقة.

 

واختتم كلامه قائلاً: "اختيار سليمان ليس حكوميًّا بل نظاميًّا، فلم يتم اختياره إلا بعد موافقة الرئيس ونجله ولجنة السياسات، وهو ما يؤكد ازدواجية المعايير في مصر ورعاية مصر للفساد".

 

رشوة

 الصورة غير متاحة

سعد عبود

ويشنُّ سعد عبود عضو مجلس الشعب عن حزب الكرامة هجومه على النظام قائلاً: "لو معملتش كده.. متبقاش الحكومة المصرية"، مشيرًا إلى أن الفساد المستشري في النظام والرشوة والمحسوبية يؤكد أنه لا يرى أمامه سوى مصلحته ومصلحة رجاله فحسب.

 

وقال: إنه من الطبيعي جدًّا أن يكافأ سليمان برئاسة شركة الخدمات البترولية والبحرية بعد إهدائه الدكتور نظيف 3 قطع أراضٍ بمدينة السادس من أكتوبر كهدية لبناء فيلا له ولأبنائه، متعجبًا فبدلاً من معاقبته على عدم حضوره جلسات مجلس الشعب، ومحاسبته على كمِّ الاختلاسات والرشاوى، واستخدام النفوذ يتمُّ تكريمه بمثل هذا المنصب الكبير.

 

وأضاف: "هذه ليست المرة الأولى التي يتمُّ فيها التغطية على مصائب سليمان"، مشيرًا إلى أنها وقفت في مجلس الشعب بنواب الأغلبية لمنع رفع الحصانة عنه، بعد الغياب الذي استمرَّ لسنوات، فضلاً عن رفض طلب تقدَّم به 47 نائبًا لإحالته لجهاز الكسب غير المشروع.

 

ووصف عبود التعامل الحكومي مع سليمان بمنطق (شيلني وأشيلك)، حيث إنهم يتغاضون عن المصائب التي يرتكبها في مقابل منافع شخصية يسهلها لهم، بمعنى أن كلاًّ يحمي الآخر حتى وإن خرج من اللعبة.

 

وقال: إن النظام المصري يتبع أسلوب إخراس معارضيه، وإبراز رجاله الفاسدين، لتوجيه الرأي العام لطريق لا يعلمه إلا هم، وهو ما سيؤدي بهذه البلاد إلى طريق مسدود ويحمِّلها ما لا تطيقه.

 

كروش

 الصورة غير متاحة

د. مجدي قرقر

وهو الأمر الذي أكده الدكتور مجدي قرقر الأمين العام المساعد لحزب العمل الذي قال: إن كل الحقائق تقول إن سليمان مؤسسة فساد اقتصادي وسياسي ضخمة لا يمكن إصلاحها، يترأس مجلس إدارة هذه المؤسسة فاسدون مخربون، يعينونه على هذا الفساد ويساعدونه عليه.

 

وقال إن الحزب الوطني يتعامل مع رجاله الرأسماليين الفاسدين بطريقة انتهازية ومتناقضة، فيقبل منهم الفساد (لتمشية مصالحها)، دون النظر إلى غضب وكراهية هذا الشعب الذي وصل إلى منتهاه، خاصةً بعد ما وجد منه من وجوه قبيحة تتصارع على امتصاص دماء الشعب وسرقته.

 

وأشار إلى أن النظام عندما يريد التجديد يستبدل (كرش) بـ(كرش) آخر، تحت مسمى إصلاح أو تغيير دون التطرق إلى ما في هذا (الكرش) من سرقاتٍ ونهبٍ واختلاساتٍ ورشاوى، فالجميع يتصارع على النهب.

 

وحمَّل قرقر الحزب الوطني مسئولية الحال الذي وصلت إليه البلاد، خاصةً بعد تستره على كثير من الفاسدين، وعدم محاسبتهم، بل ترقيتهم و(الطبطبة) عليهم، وجعلهم أسيادًا على الشعب المسكين المنهوب؛ لأنها يصعب عليها أن تكشف عن فسادهم؛ لأنها ترى أن إظهار ومحاربة فسادهم إظهار لفسادها هي ومحاربة لها.

 

وأرجع تفشي ظاهرة الفساد والرشاوى في المؤسسات الحكومية المصرية التي تسبب في أحد مظاهرها سليمان إلى غياب ثقافة الثواب للشرفاء والمخلصين والعقاب للمرتشين واللصوص في هذه المؤسسات، بالإضافة إلى تقليد مسئولية فيها بنظام المحسوبيات، ومدى الولاء للحزب الوطني وكبار رجال الحكم.

 

عصابة

 الصورة غير متاحة

جورج إسحاق

وقال جورج إسحاق القيادي بحركة كفاية إنه عندما سمع القرار انتابته حالة من الضحك الشديد، ممزوجة بالدموع على حال مصر الذي تفشي فيه الفساد بكل أنواعه في مصر؛ حتى أصبح ظاهرةً متنوعةً، وضرب به أركان النظام المجتمع بأسره.

 

وأشار إلى أن مثل هذه القرارات تعتبر تحديًا لمشاعر المصريين، وتغلغلاً للحكومة والنظام، واستنقاعها في مستنقع ذي رائحة "نتنة"، وأصبح قانونًا اجتماعيًّا نافذًا.

 

وقال: إن النظام يحاول غيظ واستفزاز مشاعر المصريين لإخراجهم من مشاعرهم، وهو الأمر الذي يدفعه لتبديد الطاقات وخراب المؤسسات، وهجرة العقول والكفاءات، وخراب قائم لا يمكن لوطن أن ينهض دون وضع حد له.

 

ووصف النظام المصري بـ(العصابة)، وأن من يستشري فساده، ويطغى جبروته، ويكثر طغيانه يجب أن يتم مكافأته والعكس صحيح؛ الصالح الذي لا فساد من ورائه "يأخذ فوق دماغه"؛ وهو الأسلوب المتبع، فبعد أن استشرى فساد سليمان؛ نال المناصب المرموقة، وبعد أن زاد صلاح د. أبو الفتوح؛ أعتقل وسيُحاكم!!.

 

وأشار إلى أن الفساد في مصر بنية مؤسسية؛ لأن النظم المالية التي تُدار بها الدولة تدفع الناس لممارسة الفساد, مشيرًا إلى أنه لا وجود لأي إجراء يساعد في تحقيق المصلحة للبلاد، بل إن العكس هو القائم، فيوجد سياسات ممنهجة لإفساد أفراد الهيئات السياسية في المجتمع, ويوجد قواعد عرفية بين جماعات الفساد والمنخرطين فيها؛ تلزم أعضاءها بعدم الخروج عنها, فضلاً عن استمرار سياسات الإفقار للطبقات المحدودة الدخل؛ مما يدفع الجميع إلى تعاطي الرشاوى.