في البداية أحب أن أعترف أني كنتُ أعتقد أن مؤلف المسلسل ومخرجه سوف يكونا أكثر ذكاءً مما شاهدتُ في هذه الحلقة الأولى، والتي مثَّلت سقطةً مدويةً بكل المقاييس لكل مَن شارك في هذا العمل.

 

كنتُ أعلم جيدًا أن التليفزيون المصري الذي يعادي جماعة الإخوان المسلمين أكثر مما يعادي الكيان الصهيوني لن يعرض على شاشته إلا مسلسلاً بكل هذا السوء والإرهاب الفكري للآخر.

 

لكني بصدق لم أتخيل أن يكون الموضوع مفضوحًا ومكشوفًا إلى هذه الدرجة، كنتُ أتوقع أن يكون هناك درجة من (العسل) يتم دس (السم) فيه، لكني وجدته سمًّا خالصًا لا شائبةَ فيه؛ ما يجعلني أتوجه بإخلاص بموفور الشكر لكاتب السيناريو ومخرجه، اللذين وفرا على الجماعة كثيرًا من العناء؛ لأني على ثقةٍ أن من هم خارج الجماعة سوف يكون ردهم أبلغ على المسخرة الفكرية  والسياسية التي ظهر بها المسلسل في أولى حلقاته.

 

المسلسل امتلأ بالكثير من الأخطاء الفنية والسياسية والفكرية التي لا تُخطئها عين، منها على سبيل المثال لا الحصر:

الأخطاء الفنية

1- "المط الزائد عن الحد" في مشهد مكتب وكيل النيابة أثناء التحقيق في وقعة رشوة عادية، والذي يكاد يكون احتل ربع وقت المسلسل.

 

2- مشهد المقابلات السرية لقيادات الإخوان في السوبرمركت أو مطعم الكباب، كان فكاهيًّا أكثر من اللازم، فوسائل الاتصال الحديثة أعتقد أنها قضت على أمثال هذه الأجواء البوليسية التي تتناسب أكثر مع عصر ما قبل الهواتف النقالة وثورة الإنترنت، ولكن يبدو أن المخرج أراد توصيل فكرة الغموض والجو البوليسي على حركة الجماعة، ولكن بأسلوبٍ ساذجٍ للغاية.

 

3- القيادة الأمنية التي تحدثت عن رغبتها الشديدة في معرفة مكان اجتماع مكتب الإرشاد دليل آخر عن مدى سطحية كاتب السيناريو، فمكتب الإرشاد واجتماعاته كما هو معروف بالضرورة لأي متابع تجري على الهواء مباشرةً، وجميع حركاته مرصودةً لحظةً بلحظة، وبالتالي فكرة المفاجأة والغموض في مكان الاجتماع دليل سذاجة آخر في تناول الموضوع، خصوصًا أنه كان اجتماعًا لكامل أعضاء المكتب كما ظهرت المشاهد!!

 

4- تسجيل الحوار الذي تم في المطعم، من المشاهد التي تُثير الضحك بشكلٍ كبيرٍ، فالقياديان الإخوانيان كان يفصلهما نحو ثلاث موائد عن فريق المتابعة الذي يُسجِّل الحوار، في مطعمٍ عام؛ ما يتطلب أن يكون الحوار السري للغاية بينهما يتم بصوتٍ عالٍ جدًّا أقرب للصياح حتى يتسنى تسجيله!!، وهذه سقطة (بايخة) أخرى من مخرجٍ يُقال عنه أن محترف إخراجيًّا.

 

فكريًّا وسياسيًّا

1- براجماتية الإخوان: كانت هدفًا رئيسًا في هذه الحلقة، فهم أصحاب استثمارات كبيرة وكيانات ضخمة  تُوفِّر لهم التمويل المالي، وهم نفعيون فبعد أن رفعت المنتجات الدنماركية كردٍّ على الإساءة للرسول من "سوبر ماركت" السواح القيادي الإخواني أُعيدت مرةً أخرى حتى لا تنتهي صلاحيتها وتضيع أموالها، وبالتالي يُعبِئ المسلسل الشعبَ ضد الإخوان ويقوم بدور المحلل لجرائم النظام ضد الشركات والاستثمارات المملوكة لأفراد من الإخوان- خيرت الشاطر وحسن مالك نموذجًا- والتي لم يُدن أحدٌ من الإخوان حتى الآن نهائيًّا قضائيًّا بتهمة تمويل أو غسيل أموال لصالح الإخوان.

 

كما حرص المسلسل على إظهار الإخوان بشكلٍ انتهازي في موضوع الديمقراطية التي لا يؤمنون بها كما يقول المسلسل، ولكنهم يرفعون شعارها تضليلاً للشعب، ولم يقل لنا كاتب السيناريو كيف دلل على صحة هذا الطرح المعدوم المصداقية، رغم فوزهم المتكرر في كافة الانتخابات الطلابية والنقابية ونوادي أعضاء هيئة التدريس ومجلس الشعب، هل كل هؤلاء الناخبين على اختلاف مستوياتهم الفكرية والثقافية من البلاهة والغباء حتى ينتخبوا فصيلاً يخدعهم ويضللهم في كل مرة، رغم التضييق والتزوير الهائل؟!!، ثم هل انقلب الإخوان يومًا ما على نتائج انتخابات ديمقراطية وخسروا فيها؟!!، أين الدليل الذي قدَّمه المسلسل على ذلك؟!.

 

2- عنف الإخوان: من أسوء ما قدمته الحلقة الأولى كذلك، رد فعل الإخوان على شطب مرشحيهم من الاتحادات الطلابية وعدم تسكينهم في المدن الجامعية هو العنف الشديد ضد زملائهم الطلاب وبموافقة كل أعضاء مكتب الإرشاد يعني تبني نهج العنف بإجماع قيادات الإخوان.

 

ورغم أنه لم يُدن أحدٌ من الإخوان بجريمةِ عنف واحدة منذ أيام عبد الناصر وحتى الآن، إلا أن كافة مشاهد الحلقة الأولى حرصت على تثبيت فكرة الدموية في جماعة الإخوان المسلمين فهم أول مَن بدءوا بقذف الحجارة على زملائهم، وهم مَن استخدموا السيوف والأسلحة البيضاء في ضربِ زملائهم بلا رحمة في مشهدٍ دموي مثير، بينما قوات الأمن لا حولَ لها ولا قوة تقف مكتوفة الأيدي خارج أسوار الجامعة؛ لأن القانون يمنعها من الدخول إلى حرم الجامعة.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يلجأ الإخوان إلى العنف في انتخابات طلابية ولا يلجئون إليها في تزوير انتخابات مجلس الشعب أو اعتقال عشرات الألوف من أفراد الجماعة أو مصادرة كافة ممتلكات قيادات الجماعة؟!، ومتى حدثت هذه الوقعة الدموية التي عرضها المسلسل؟! ولماذا يلجئون أصلاً إلى العنف إذا كانت فكرة الاتحاد الموازي نجحت بالفعل كما جاء على لسان الطلاب؟!!

 

أنا على يقينٍ أن كافة علامات الاستفهام هذه ستظل بلا إجابة؛ لأنها بلا إجابة بالفعل، فقط تحريض للطلاب وبث للرعب في قلوبهم تجاه الإخوان وتحريض للأمن على التواجد داخل حرم الجامعة لحماية الطلاب المسالمين من بطش طلاب الإخوان الذين ينفذون الأوامر بلا تفكير!!.

 

هناك الكثير من الأخطاء منها فكرة (الحجاب) فالمرأة المحجبة التى ظهرت- منة شلبي- هي التي تتشح بالسواد والفقيرة التي تعول أخواتها وتدفع رشوة، وهي كذلك الخادمة في فييلا سعاد هانم، بينما غير المحجبة هي المرأة الراقية الأرستقراطية المحترمة- سعاد هانم- التي تتنازل عن شقتها طواعيةً في مشهد حضاري متميز لجارها القديم، لاحظ هذه المشاهد، وستعرف أي شيطان يكمن في تفاصيل كل مشهد.

 

هذه بعض ما شهدته في أولى حلقات مسلسة الجماعة الذي يتناول قصة حياة مؤسسها حسن البنا ويعرض دون إذنٍ مسبقٍ من ورثته وقبل الانتخابات البرلمانية المفصلية القادمة.

 

حين تقرأ أحداث المسلسل خلال هذا السياق ستدرك سريعًا أي نوايا سوداوية تكمُن في هذا المسلسل.

-----------

* كاتب وباحث