كان حلم كثير من الناس في السابق أن يصبح مسئولاً أو محافظًا أو وزيرًا، فهذه المناصب كانت قمة المجد، وعندها يصبح هذا الشخص ملء السمع والبصر، وسيسلم عندها من أي محاسبة ما دام مرضيًا عنه من رأس النظام، وغالبًا لم يكن أحد من المسئولين يخسر رضا رأس النظام، حتى لو خسر الشعب كله، حتى لو خسر دينه وآخرته، المهم ألا يخسر رضا رأس النظام.

 

أما الآن فالأمر قد تغيَّر فالمسئول سيحاسب من الشعب عن كل ما يصدر منه، ولن ينفعه رضا رأس النظام عنه، لأن رأس النظام هو الآخر بقاؤه مرهون برضا الشعب، ومن ثم أصبحت المناصب الآن كالمهمات الانتحارية، فالمسئول إن لم يُحسن عمله ويؤدي واجبه فلن يرحمه الشعب، وسيحاسبه على تقصيره.

 

وفي الوقت نفسه مؤسسات البلد تحتاج إلى تطهير كبير، فالفساد ما زالت جذوره ضاربة في أعماق كل مؤسسات البلد، فالمسئول الصالح يعيش بين المطرقة والسندان، مطلوب منه أن يظهر نتيجة طيبة في حدود مسئولياته ومطلوب منه أن يطهر مؤسسته من الفساد، وفي المقابل الفساد يواجهه بشراسة ويعيقه عن أداء مهمته.

 

بعض المؤسسات تحتاج إلى مسئولين أو وزراء عندهم استعداد للتضحية بأشياء كثيرة، أهمها التضحية بمستقبله السياسي، وكأنه في مهمة انتحارية، فمن من المسئولين عنده استعداد لهذا الأمر، أن يضحي بمستقبله؟!.

 

وهذا هو مربط الفرس، أستطيع أن أفسر ضعف أداء الحكومة الحالية بسبب عدم استعداد كثير من أعضائها للمهمات الانتحارية في العمل السياسي.

 

مثلاً وزارة الإعلام لم نلحظ تغييرًا جوهريًّا في الإعلام عن ذي قبل على الرغم من أن وزير الإعلام ينتمي لحزب الحرية والعدالة، ولقد كنا نتوقع منه الكثير، ولكن الرجل على ما يبدو لا يريد أن يحترق سياسيًّا ومن ثَمَّ فهو حريص على إرضاء الكثيرين في مجال الإعلام ولا يريد أن يظهر كأنه إقصائي للآخر حتى لو تتطاول الآخر وقلَّ أدبه وخرج عن المألوف والمعتاد، والإعلام من وجهة نظري- وقد أكون مخطئًا- يحتاج إلى رجل يضرب بيد من حديد على كل أماكن الفساد في المؤسسة الإعلامية حتى لو ضحَّى بنصف العاملين في الإعلام، ونقلهم إلى وظائف أخرى، فقد يضحي الجراح بالجنين لتتحقق حياة الأم.

 

وكذلك القضاء أصبح واضحًا للعيان تغلغل الفساد في كثير من أقسامه وهيئاته، أناس دخلوا السلك القضائي بغير حق، دخلوا بالرشاوى والمحسوبية على الرغم من ضعف كفاءتهم العلمية وفشلهم الدراسي، ولأنهم دفعوا رشاوى، أو كانوا أولادًا أو أقارب لقضاة دخلوا السلك القضائي.

 

لو فتشنا عن الفساد في بلادنا لأذهلتنا قصص الفساد والفاسدين، أبعد كل هذا يستطيع المسئول أو الوزير أن ينجح في مهمته دون المساس ببؤر الفساد هيهات هيهات.

 

ولذلك الوزارة الناجحة تحتاج إلى وزراء انتحاريين يقسمون على ألا يخافوا في الحق لومة لائم، يكون همهم مصلحة الوطن والمواطنين، أما الوزراء الدبلوماسيين الذين لا يريدون أن يخسروا أحدًا، أقول لهم: ليس هذا زمانكم، ولن تدوم لكم مناصبكم مهما فعلتم، فمن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.

 

فليفعل المسئول أو الوزير ما يجب أن يفعله وليرض ضميره وليغضب من شاء، فرجال الحق لا يهمهم إلا إرضاء الحق سبحانه وتعالى، أما إرضاء البشر فتلك غاية بعيدة المنال لا يستطيعها ولا يملكها البشر وليست في طاقة البشر ولا ينبغي أن يحرص عليها أحد.