يذكرني منصب رئيس الوزراء في عهد انقلاب السيسي بدور الفنان القدير عادل أدهم في فيلم "حكمتك يا رب"، وشخصيته الشهيرة "زكي قدرة" الذي كان أحد صبيان "المعلمة" أم نعيمة تاجرة المخدرات.. ومقولته المشهورة في السينما المصرية عند القبض عليه: "أنا ماليش دعوة يا سعادة البيه.. هي المعلمة وإحنا كلنا صبيانها.. ادبح يا زكي قدرة.. يدبح زكي قدرة، اسلخ يا زكي قدرة.. يسلخ زكي قدرة.. طلع يا زكي قدرة، يطلع زكي قدرة" ثم يحاول الهروب من المسئولية.

 

ورغم أن الببلاوي ليس له دور أو قيمة تذكر سوى أنه الخادم المطيع لقائد الانقلاب، إلا أن دماء المصريين ستظل تلاحقه هو وحكومته التي كانت مشرفة على أكبر مجازر إنسانية في التاريخ المعاصر. وتغيير الحكومة الآن ما هو إلا محاولة من السيسي للتخلص من صبيانه، لكنه هو والببلاوي وحكومته ومن يعينه بعد الببلاوي، سيسقطون ويحاكمون كمجرمين أمام الشعب.

 

ويأتي في طليعة سجل العار لهذه الحكومة أنها لم تشرف على إنجاز واحد للشعب المصري سوى قتل الآلاف واعتقال عشرات الآلاف وإصابة عشرات الآلاف وتدمير السلم المجتمعي بزراعة الكراهية والبغضاء بين أبناء الشعب، وقتل الحريات السياسية والعملية الديمقراطية وما ترتب عليه من تدمير الاقتصاد المصري الذي سجلت مؤشراته انهيارًا لم يسبق له مثيل (من أبرز تلك المؤشرات تخطي الدين العام نسبًا خطيرةً تؤكد هذا الانهيار، فضلاً عن التراجع غير المسبوق لإجمالي الناتج المحلي)، والفقر المدقع في مصادر الطاقة التي هي عصب الصناعة والتجارة بعد توقف العديد من المشروعات الاستثمارية لتنمية الإنتاج والاحتياطيات البترولية بسبب الانقلاب العسكري والفوضى السياسية وبسبب عجز الحكومة عن تدبير حصة الشريك الأجنبي المالية، بالإضافة إلى العجز عن مواجهة أزمة سد النهضة، والفشل في إدارة تحديات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال والكوادر المهنية في العديد من القطاعات، وإيقاف الدراسة أكثر من مرة في المدارس والجامعات إثر الفشل الذريع لسياسة الاقتحام الأمني لها وقتل الطلاب بالرصاص الحي في سبيل القضاء على الحركة الثورية الطلابية التي لن تموت.

 

تراجع دور مصر السياسي. حيث أضحت مصر، "الشقيقة الكبرى" للأمة العربية وصاحبة الثقل السياسي اﻷبرز في المنطقة، للأسف دولة عالة على حكومتين خليجيتين. وعلى الصعيد اﻹفريقي الذي لطالما أهملته وتعالت عليه حكومات المخلوع مبارك المتعاقبة، فمازالت منظمة الاتحاد اﻹفريقي لا تعترف بشرعية الانقلاب العسكري وتعلق عضوية مصر فيها بسبب الانقلاب على الشرعية الدستورية. أما على الصعيد الدولي، فانكفأت مصر على نفسها ولم نر دولة تعترف رسميًّا بقائد الانقلاب العسكري وتستقبله رسميًّا سوى روسيا ملاذ المستبدين أمثال بشار اﻷسد وفيكتور يانكوفيتيش.

 

الحقيقة الوحيدة وسط هذا العبث هي أن السيسي وصبيانه مصيرهم إلى المحاكمات مقابل جرائمهم ضد الشعب المصري وضد الإنسانية. ولن يفلح أي ممن يأتي في أن يقدم الجديد في ظل المناخ العام الذي خلفه الانقلاب، ولن تضع مصر أقدامها على طريق التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلا حينما تسترد ثورتها وتعود إليها ديمقراطيتها وحريتها.. قريبًا إن شاء الله.

 

بعبارة أخرى، لن يجدي الانشغال بمعرفة من سيلعب دور "زكي قدرة" الجديد!