(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم . إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (المائدة).
-----------------

من تراث الشهيد/ سيد قطب

إن تهديد من يرتد عن دينه من الذين آمنوا - على هذه الصورة . وفي هذا المقام - ينصرف - ابتداءً - إلى الربط بين موالاة اليهود والنصارى وبين الارتداد عن الإسلام . وبخاصة بعد ما سبق من اعتبار من يتولاهم واحدًا منهم, منسلخا من الجماعة المسلمة منضمًّا إليهم: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم).. وعلى هذا الاعتبار يكون هذا النداء الثاني في السياق توكيدًا وتقريرًا للنداء الأول.. يدل على هذا كذلك النداء الثالث الذي يلي هذا النداء والسياق , وهو منصب على النهي عن موالاة أهل الكتاب والكفار , يجمع بينهم على هذا النحو , الذي يفيد أن موالاتهم كموالاة الكفار سواء , وأن تفرقة الإسلام في المعاملة بين أهل الكتاب والكفار , لا تتعلق بقضية الولاء , وإنما هي في شئون أخرى لا يدخل فيها الولاء..

(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه , فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه , أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين , يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم). .

إن اختيار الله للعصبة المؤمنة , لتكون أداة القدر الإلهي في إقرار دين الله في الأرض , وتمكين سلطانه في حياة البشر , وتحكيم منهجه في أوضاعهم وأنظمتهم , وتنفيذ شريعته في أقضيتهم وأحوالهم , وتحقيق الصلاح والخير والطهارة والنماء في الأرض بذلك المنهج وبهذه الشريعة .. إن هذا الاختيار للنهوض بهذا الأمر هو مجرد فضل الله ومنته . فمن شاء أن يرفض هذا الفضل وأن يحرم نفسه هذه المنة .. فهو وذاك , والله غني عنه - وعن العالمين. والله يختار من عباده من يعلم أنه أهل لذلك الفضل العظيم.

والصورة التي يرسمها للعصبة المختارة هنا صورة واضحة السمات قوية الملامح, وضيئة جذابة حبيبة للقلوب: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه)..

فالحب والرضى المتبادل هو الصلة بينهم وبين ربهم .. الحب .. هذا الروح الساري اللطيف الرفاف المشرق الرائق البشوش.. هو الذي يربط القوم بربهم الودود.

وحب الله لعبد من عبيده أمر لا يقدر على إدراك قيمته إلا من يعرف الله - سبحانه - بصفاته كما وصف نفسه, وإلا من وجد إيقاع هذه الصفات في حسه ونفسه وشعوره وكينونته كلها .. أجل لا يقدر حقيقة هذا العطاء إلا الذي يعرف حقيقة المعطي .. الذي يعرف من هو الله .. من هو صانع هذا الكون الهائل , وصانع الإنسان الذي يلخص الكون وهو جرم صغير ! من هو في عظمته . ومن هو في قدرته . ومن هو في تفرده . ومن هو في ملكوته .. من هو ومن هذا العبد الذي يتفضل الله عليه منه بالحب .. والعبد من صنع يديه - سبحانه - وهو الجليل العظيم, الحي الدائم , الأزلي الأبدي , الأول والآخر والظاهر والباطن.

وحب العبد لربه نعمة لهذا العبد لا يدركها كذلك إلا من ذاقها .. وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمرا هائلا عظيما , وفضلا غامرا جزيلا , فإن إنعام الله على العبد بهدايته لحبه وتعريفه هذا المذاق الجميل الفريد , الذي لا نظير له في مذاقات الحب كلها ولا شبيه .. هو إنعام هائل عظيم .. وفضل غامر جزيل.

وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمرًا فوق التعبير أن يصفه, فإن حب العبد لربه أمر قلما استطاعت العبارة أن تصوره إلا في فلتات قليلة من كلام المحبين .. وهذا هو الباب الذي تفوق فيه الواصلون من رجال التصوف الصادقين - وهم قليل من بين ذلك الحشد الذي يلبس مسوح التصوف ويعرف في سجلهم الطويل - ولا زالت أبيات رابعة العدوية تنقل إلى حسي مذاقها الصادق لهذا الحب الفريد , وهي تقول:

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

وهذا الحب من الجليل للعبد من العبيد, والحب من العبد للمنعم المتفضل, يشيع في هذا الوجود ويسري في هذا الكون العريض, وينطبع في كل حي وفي كل شيء, فإذا هو جو وظل يغمران هذا الوجود, ويغمران الوجود الإنساني كله ممثلا في ذلك العبد المحب المحبوب..

والتصور الإسلامي يربط بين المؤمن وربه بهذا الرباط العجيب الحبيب .. وليست مرة واحدة ولا فلتة عابرة .. إنما هو أصل وحقيقة وعنصر في هذا التصور أصيل:(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا).. (إن ربي رحيم ودود).. (وهو الغفور الودود).. (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان).. (والذين آمنوا أشد حبا لله).. (قل: إن كنم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).. وغيرها كثير..

وعجبا لقوم يمرون على هذا كله, ليقولوا: إن التصور الإسلامي تصور جاف عنيف, يصور العلاقة بين الله والإنسان علاقة قهر وقسر, وعذاب وعقاب, وجفوة وانقطاع .. لا كالتصور الذي يجعل المسيح ابن الله وأقنوم الإله, فيربط بين الله والناس, في هذا الازدواج!

إن نصاعة التصور الإسلامي في الفصل بين حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية, لا تجفف ذلك الندى الحبيب, بين الله والعبيد, فهي علاقة الرحمة كما أنها علاقة العدل, وهي علاقة الود كما أنها علاقة التجريد, وهي علاقة الحب كما أنها علاقة التنزية .. إنه التصور الكامل الشامل لكل حاجات الكينونة البشرية في علاقتها برب العالمين.

وهنا - في صفة العصبة المؤمنة المختارة لهذا الدين - يرد ذلك النص العجيب: (يحبهم ويحبونه) ويطلق شحنته كلها في هذا الجو, الذي يحتاج إليه القلب المؤمن, وهو يضطلع بهذا العبء الشاق . شاعرا أنه الاختيار والتفضل والقربى من المنعم الجليل..

ثم يمضي السياق يعرض بقية السمات:

(أذلة على المؤمنين)..

وهي صفة مأخوذة من الطواعية واليسر واللين .. فالمؤمن ذلول للمؤمن .. غير عصي عليه ولا صعب. هين لين .. ميسر مستجيب .. سمح ودود .. وهذه هي الذلة للمؤمنين.

وما في الذلة للمؤمنين من مذلة ولا مهانة . إنما هي الأخوة, ترفع الحواجز, وتزيل التكلف وتخلط النفس بالنفس, فلا يبقى فيها ما يستعصي وما يحتجز دون الآخرين.

إن حساسية الفرد بذاته متحوصلة متحيزة هي التي تجعله شموسا عصيا شحيحا على أخيه. فأما حين يخلط نفسه بنفوس العصبة المؤمنة معه, فلن يجد فيها ما يمنعه وما يستعصي به .. وماذا يبقى له في نفسه دونهم, وقد اجتمعوا في الله إخوانا; يحبهم ويحبونه, ويشيع هذا الحب العلوي بينهم ويتقاسمونه?!

(أعزة على الكافرين)..

فيهم على الكافرين شماس وإباء واستعلاء .. ولهذه الخصائص هنا موضع .. إنها ليست العزة للذات, ولا الاستعلاء للنفس . إنما هي العزة للعقيدة, والاستعلاء للراية التي يقفون تحتها في مواجهة الكافرين . إنها الثقة بأن ما معهم هو الخير, وأن دورهم هو أن يطوعوا الآخرين للخير الذي معهم لا أن يطوعوا الآخرين لأنفسهم ولا أن يطوعوا أنفسهم للآخرين وما عند الآخرين! ثم هي الثقة بغلبة دين الله على دين الهوى; وبغلبة قوة الله على تلك القوى; وبغلبة حزب الله على أحزاب الجاهلية.. فهم الأعلون حتى وهم ينهزمون في بعض المعارك, في أثناء الطريق الطويل..

(يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)..

فالجهاد في سبيل الله لإقرار منهج الله في الأرض وإعلان سلطانه على البشر وتحكيم شريعته في الحياة لتحقيق الخير والصلاح والنماء للناس.. هي صفة العصبة المؤمنة التي يختارها الله ليصنع بها في الأرض ما يريد..

وهم يجاهدون في سبيل الله; لا في سبيل أنفسهم ولا في سبيل قومهم ولا في سبيل وطنهم ولا في سبيل جنسهم.. في سبيل الله.. لتحقيق منهج الله, وتقرير سلطانه, وتنفيذ شريعته, وتحقيق الخير للبشر عامة عن هذا الطريق.. وليس لهم في هذا الأمر شيء, وليس لأنفسهم من هذا حظ, إنما هو لله وفي سبيل الله بلا شريك..

وهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.. وفيم الخوف من لوم الناس وهم قد ضمنوا حب رب الناس? وفيم الوقوف عند مألوف الناس وعرف الجيل ومتعارف الجاهلية وهم يتبعون سنة الله ويعرضون منهج الله للحياة? إنما يخشى لوم الناس من يستمد مقاييسه وأحكامه من أهواء الناس، ومن يستمد عونه ومدده من عند الناس. أما من يرجع إلى موازين الله ومقاييسه وقيمه ليجعلها تسيطر على أهواء الناس وشهواتهم وقيمهم، وأما من يستمد قوته وعزته من قوة الله وعزته فما يبالي ما يقول الناس وما يفعلون. كائنا هؤلاء الناس ما كانوا، وكائنا واقع هؤلاء الناس ما كان، وكائنة "حضارة" هؤلاء الناس وعلمهم وثقافتهم ما تكون!

إننا نحسب حسابا لما يقول الناس ولما يفعل الناس ولما يملك الناس ولما يصطلح عليه الناس ولما يتخذه الناس في واقع حياتهم من قيم واعتبارات وموازين؛ لأننا نغفل أو نسهو عن الأصل الذي يجب أن نرجع إليه في الوزن والقياس والتقويم.. إنه منهج الله وشريعته وحكمه.. فهو وحده الحق وكل ما خالفه فهو باطل، ولو كان عرف ملايين الملايين ولو أقرته الأجيال في عشرات القرون!

إنه ليست قيمة أي وضع, أو أي عرف, أو أي تقليد, أو أية قيمة.. إنه موجود وإنه واقع وإن ملايين البشر يعتنقونه, ويعيشون به, ويتخذونه قاعدة حياتهم.. فهذا ميزان لا يعترف به التصور الإسلامي. إنما قيمة أي وضع, وأي عرف, وأي تقليد, وأية قيمة، أن يكون لها أصل في منهج الله, الذي منه - وحده - تستمد القيم والموازين.

ومن هنا تجاهد العصبة المؤمنة في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم.. فهذه سمة المؤمنين المختارين..

ثم إن ذلك الاختيار من الله, وذلك الحب المتبادل بينه وبين المختارين, وتلك السمات التي يجعلها طابعهم وعنوانهم, وهذا الاطمئنان إلى الله في نفوسهم, والسير على هداه في جهادهم.. ذلك كله من فضل الله.

(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله واسع عليم)..

يعطي عن سعة, ويعطي عن علم.. وما أوسع هذا العطاء الذي يختار الله له من يشاء عن علم وعن تقدير.

ويحدد الله للذين آمنوا جهة الولاء الوحيدة التي تتفق مع صفة الإيمان، ويبين لهم من يتولون:

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)..

هكذا على وجه القصر الذي لا يدع مجالاً للتمحل أو التأول; ولا يترك فرصة لتمييع الحركة الإسلامية أو تمييع التصور..

ولم يكن بدٌّ أن يكون الأمر كذلك! لأن المسألة في صميمها - كما قلنا - هي مسألة العقيدة. ومسألة الحركة بهذه العقيدة. وليكون الولاء لله خالصًا, والثقة به مطلقة, وليكون الإسلام هو "الدين"، وليكون الأمر أمر مفاصلة بين الصف المسلم وسائر الصفوف التي لا تتخذ الإسلام دينا, ولا تجعل الإسلام منهجا للحياة. ولتكون للحركة الإسلامية جديتها ونظامها; فلا يكون الولاء فيها لغير قيادة واحدة وراية واحدة. ولا يكون التناصر إلا بين العصبة المؤمنة; لأنه تناصر في المنهج المستمد من العقيدة..

ولكن حتى لا يكون الإسلام مجرد عنوان, أو مجرد راية وشعار, أو مجرد كلمة تقال باللسان, أو مجرد نسب ينتقل بالوراثة, أو مجرد وصف يلحق القاطنين في مكان! فإن السياق يذكر بعض السمات الرئيسية للذين آمنوا:

(الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)..

فمن صفتهم إقامة الصلاة - لا مجرد أداء الصلاة - وإقامة الصلاة تعني أداءها أداءً كاملاً, تنشأ عنه آثارها التي يقررها قوله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.. والذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يقم الصلاة، فلو أقامها لنهته كما يقول الله!

ومن صفتهم إيتاء الزكاة.. أي أداء حق المال طاعة لله وقربى عن رضى نفس ورغبة. فليست الزكاة مجرد ضريبة مالية, إنما هي كذلك عبادة. أو هي عبادة مالية. وهذه هي ميزة المنهج الإسلامي. الذي يحقق أهدافا شتى بالفريضة الواحدة. وليس كذلك الأنظمة الأرضية التي تحقق هدفا وتفرط في أهداف..

إنه لا يغني في إصلاح حال المجتمع أن يأخذ المجتمع المال ضريبة [مدنية!] أو أن يأخذ المال من الأغنياء للفقراء باسم الدولة, أو باسم الشعب, أو باسم جهة أرضية ما.. فهي في صورتها هذه قد تحقق هدفا واحدا، وهو إيصال المال للمحتاجين..

فأما الزكاة.. فتعني اسمها ومدلولها.. إنها قبل كل شيء طهارة ونماء.. إنها زكاة للضمير بكونها عبادة لله، وبالشعور الطيب المصاحب لها تجاه الإخوان الفقراء, بما أنها عبادة لله يرجو عليها فاعلها حسن الجزاء في الآخرة, كما يرجو منها نماء المال في الحياة الدنيا بالبركة وبالنظام الاقتصادي المبارك. ثم بالشعور الطيب في نفوس الفقراء الآخذين أنفسهم; إذ يشعرون أنها فضل الله عليهم إذ قررها لهم في أموال الأغنياء، ولا يشعرون معها بالحقد والتشفي من إخوانهم الأغنياء [مع تذكر أن الأغنياء في النظام الإسلامي لا يكسبون إلا من حلال ولا يجورون على حق أحد وهم يجمعون نصيبهم من المال].. وفي النهاية تحقق هدف الضريبة المالية في هذا الجو الراضي الخير الطيب.. جو الزكاة والطهارة والنماء..

وأداء الزكاة سمة من سمات الذين آمنوا تقرر أنهم يتبعون شريعة الله في شئون الحياة; فهي إقرار منهم بسلطان الله في أمرهم كله.. وهذا هو الإسلام..

(وهم راكعون)..

ذلك شأنهم, كأنه الحالة الأصلية لهم.. ومن ثم لم يقف عند قوله: (يقيمون الصلاة).. فهذه السمة الجديدة أعم وأشمل. إذ إنها ترسمهم للخاطر كأن هذا هو شأنهم الدائم. فأبرز سمة لهم هي هذه السمة وبها يعرفون..

وما أعمق إيحاءات التعبيرات القرآنية في مثل هذه المناسبات!

والله يعد الذين آمنوا - في مقابل الثقة به والالتجاء إليه والولاء له وحده - ولرسوله وللمؤمنين بالتبعية.. ومقابل المفاصلة الكاملة بينهم وبين جميع الصفوف إلا الصف الذي يتمحض لله.. يعدهم النصر والغلبة:

(ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)..

وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها.. وأنها هي الولاء لله ورسوله وللمؤمنين، وبعد التحذير من الولاء لليهود والنصارى واعتباره خروجا من الصف المسلم إلى صف اليهود والنصارى, وارتدادًا عن الدين..

وهنا لفتة قرآنية مطردة.. فالله - سبحانه - يريد من المسلم أن يسلم لمجرد أن الإسلام خير! لا لأنه سيغلب, أو سيمكن له في الأرض; فهذه ثمرات تأتي في حينها; وتأتي لتحقيق قدر الله في التمكين لهذا الدين; لا لتكون هي بذاتها الإغراء على الدخول في هذا الدين.. والغلب للمسلمين لا شيء منه لهم. لا شيء لذواتهم وأشخاصهم. وإنما هو قدر الله يجريه على أيديهم, ويرزقهم إياه لحساب عقيدتهم لا لحسابهم! فيكون لهم ثواب الجهد فيه; وثواب النتائج التي تترتب عليه من التمكين لدين الله في الأرض, وصلاح الأرض بهذا التمكين.. كذلك قد يعد الله المسلمين الغلب لتثبيت قلوبهم; وإطلاقها من عوائق الواقع الحاضر أمامهم - وهي عوائق ساحقة في أحيان كثيرة - فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبهم على اجتياز المحنة، وتخطي العقبة, والطمع في أن يتحقق على أيديهم وعد الله للأمة المسلمة, فيكون لهم ثواب الجهاد, وثواب التمكين لدين الله, وثواب النتائج المترتبة على هذا التمكين.

كذلك يشي ورود هذا النص في هذا المجال بحالة الجماعة المسلمة يومذاك, وحاجتها إلى هذه البشريات. بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب الله.. مما يرجح ما ذهبنا إليه من تاريخ نزول هذا القطاع من السورة.

ثم تخلص لنا هذه القاعدة; التي لا تتعلق بزمان ولا مكان.. فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن الله التي لا تتخلف. وإن خسرت العصبة المؤمنة بعض المعارك والمواقف. فالسنة التي لا تنقض هي أن حزب الله هم الغالبون.. ووعد الله القاطع أصدق من ظواهر الأمور في بعض مراحل الطريق! وأن الولاء لله ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدي لتحقق وعد الله في نهاية الطريق!.