بقلم: ناصح أمين

إن المِحَن عمرها قصير، وإن الشدائد إِذا تَتابَعت انفرجت، وإِذا تَوالَتْ تَوَلَّت.

إذا الحادثاتُ بلغن النهى  ***  وكادت تذوب لهن المُهَج

وحلَّ البلاءُ وقلَّ العزاء  ***  فعند التناهي يكون الفرج

وفي موطأ مالك: أن عُمَر بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلى أبي عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلْ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: من الآية 200)

فكم من شدةٍ ذهبتْ وفقرِ

وكم يُسْرٍ أتى من بعد عسرٍ

ففرَّج كُرْبةَ القلبِ الشَّجِيِّ

وكم هَمٍّ تعاظَمَ ثم راحا

وكم أمرٍ تُساءُ به صباحًا

وتأتيك المَسَرَّةُ بالعَشِيّ

وهذا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول فيما أخرجه أحمد وغيره: "وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".

وقد قيل:

عسى فرجٌ يأتي به اللهُ إنه   له كلّ يوم في خليقتِه أمر

وقيل:

عسى الكربُ الذي أمسيتَ فيه   يكون وراءَه فرجٌ قريبُ

قال علي رضي الله عنه: "عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء".

إذا اشتملت على اليأسِ القلوبُ  وضاق لما بهِ الصدرُ الرحيبُ

ولم تَرَ لانكشافِ الضرِ وجهًا  ولا أغنى بحيلتِه الأريبُ

أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ    يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ

وكل الحادثاتِ وإن تناهت    فموصولٌ بها الفرجُ القريبُ

وقيل لعمر رضي الله عنه: اشتد القحطُ وقَنَطَ الناس، فقال: الآن يُمْطَرون. وأخذ ذلك من هذه الآية: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)﴾ (الشورى).

اشْتَدِّي أزْمَةَ تَنْفَرِجِي ** قَدْ آذَنَ لَيْلُكِ بِالْبَلَجِ

وَظَلاَمُ اللَّيْلِ لَهُ سُرُجٌ ** حَتَّى يَغْشَاهُ أَبُو السُّرُجِ

وَسَحَابُ الخَيْرِ لَهَا مَطَرٌ ** فَإِذَا جَاءَ الِإبّانُ تَجِى

وَفَوَائِدُ مَوْلاَنَا جُمَلٌ ** لِسُرُوحِ الأَنْفُسِ وَالمُهَجِ

فَإِذَا بِكَ ضَاقَ الذَّرْعُ فَقُلْ ** اشْتَدِّي أزْمَةَ تَنْفَرِجِي

ولقد اشتد أمل يعقوب في العثور على يوسف عليه السلام بعد أن بلغت الشدة أوجها بفقد الولد الثاني فقال ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾  (يوسف: من الآية 83)، وبث في بنيه اليقين والأمل في روح الله، وقال ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)﴾ (يوسف)، وحقق الله رجاءه وجمعه بأبنائه بعد أن كان البعض يعدُّ الحديث عن يوسف لونًا من الخرف والضلال.

توقَّعْ صُنْعَ ربك سوف يأتي   ***   بما تهواه من فرجٍ قريبِ

ولا تيْأَسْ إذا ما ناب خَطْبٌ  ***  فكم في الغيبِ من عَجَبٍ عجيبِ

وأبلغ من كل هذا قول الله تعالى ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾ (الشرح)، وقول الله تعالى ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 56).

فيا أحبابنا ويا إخواننا تفاءلوا، فإذا احلولك الليل انبلج الصبح، وإذا اشتدت ظلمةُ الغيث لمع البَرْقُ، وإذا شُدَّ الحبلُ انقطع، وإن الأعمى يقول لابنه: يا بني كيف نحن من الليل؟ فإذا قال له: قد اسودَّ الليل، قال: قد قَرُب الفجر.

ويا إخواننا من الإخوان المسلمين وسائر القوى السياسية والاجتماعية الحرة في مصرنا العزيزة هيا إلى التواصل والتآزر والتكاتف في حمل هموم هذا الشعب المظلوم، والسعي لاستنقاذ هذا الوطن من أيدي خاطفيه العابثين بحاضره ومستقبله، والتجمع على هدف إنقاذ سفينة الوطن من الغرق، والشعب الآن بعد كل هذه المحن مهيأ لدعم هذا التجمع ونصر المخلصين، وآملوا خيرًا في توفيق الله للصادقين الحريصين على هذا الوطن العزيز ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ (إبراهيم: من الآية 42).