لا شك أن فتح القسطنطينية، الذي تم على يد السلطان محمد الفاتح في 29 مايو 1453الموافق20 جمادى الأولى سنة 857 للهجرة حدثٌ غير وجه التاريخ.
لأن فتح القسطنطينية كان حلماً لدى المسلمين لبشارة النبى صلى الله عليه وسلم بفتحها، والثناء على فاتحها وجيشه.
وقد استفاد الفاتح من المحاولات السابقة لفتح القسطنطينية، وحقق الله له ما أراد، وهو فتح المدينة المحصنة، وبعد دخول الجيش إلى قلب المدينة، توجه السلطان محمد الفاتح إلى كنيسة "آيا صوفيا"، وقد اجتمع فيها عدد من القساوسة والرهبان، فخرج أحد الرهبان وفتح الأبواب، فطلب السلطان محمد الفاتح منه أن يطمئن الناس ويأمرهم بالعودة إلى منازلهم، وهو ما دفع العديد من الرهبان إلى إعلان إسلامهم، بعد ما رأوا من هذا الأمان.
وقد أمر الفاتح بتحويل الكنيسة إلى مسجد، وتحضيره لإقامة صلاة الجمعة، وسمح للنصارى الموجودين في المدينة بإقامة شعائرهم الدينية وممارسة طقوسهم في العبادة، وحرية اختيار رؤسائهم الدينيين الذين لهم حق الحكم في القضايا المدنية، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم. وأمر بترك نصف عدد الكنائس للنصارى، وتحويل النصف الآخر إلى مساجد يذكر فيها اسم اللَّه، وأطلق سراح السجناء من جنود وسياسيين.
فمحمد الفاتح هو صاحب بشارة رسول اللهﷺ"، كما جاء في الحديث الشريف "لتفتحن القسطنطينية... فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش".
ولم يكن فتح القسطنطينية - فقط - من الأعمال الخالدة للسلطان محمد الفاتح، بل الكثير من الأعمال والفتوحات، التي أعز الله بها الإسلام والمسلمين.
فقد قام بفتح بلاد "الأفلاق" - رومانيا اليوم-، وبلاد "البوشناق" -البوسنة والهرسك اليوم-، وبلاد "البعدان" -مولدوفا اليوم-، وبلاد "القرم"- شبه جزيرة القرم بأوكرانيا، وفتح بلغاريا وألبانيا والمجر ومقدونيا وصربيا والجبل الأسود وكرواتيا وسلوفنيا، "دولة الاتحاد اليوغسلافى السابقة"، وبلاد الإغريق- اليونان-. كما فتح بلاد الفلاخ الرومانية، وقتل الملك "دراكولا" "مصاص الدماء، الذى يعرفه معظم شباب المسلمين من خلال أفلام الرعب، ولايعرفون أن من قتله وأراح البلاد و العباد من ظلمه وإجرامه، هو السلطان محمد الفاتح- رحمه الله-.
وكان السلطان الفاتح، يتقن اللغة العربية، والعثمانية، والفارسية، والسلافية، واللاتينية، والإغريقية.
ولمن لا يعلم.. من الذين يتباكون اليوم، على إعادة فتح مسجد آيا صوفيا للصلاة، ويكثرون النباح وينصبون اللطميات ،ويطالبون بعودتها كنيسة كما كانت، وهم الذين خرست ألسنتهم، عن المطالبة بعودتها لكنيسة طوال 86 سنة -سنوات العلمانية- وهى متحف يدخلها الناس بتذكرة سياحية، قيمتها 40ليرة، وعندما تغير الأمر، وصار دخولها فقط بالوضوء والطهارة، علا نباحهم وصراخهم وتشنجهم.
وإن كنت أنا شخصياً، أتفهم صراخ وعويل النصارى، الذين حولوا مساجد الأندلس إلى كنائس ومتاحف، لأنهم لا مشكلة عندهم في ازدواجية المعايير، لكن ما لم أتفهمه، هو نباح أولئك الذين ينتسبون للإسلام، الذين أظهروا حزنهم وأسفهم على إعادة افتتاح مسجد آيا صوفيا للصلاة.
وهو يوم فرح وسرور للأمة الإسلامية جميعها، وليس للأتراك فقط، أن يذكر اسم الله في قلعة من قلاع الصليبية، وسنفرح قريبا بعودة المسجد الأقصى إلى حظيرة الإسلام والمسلمين، بعد أن يتحرر من دنس الصهاينة الغاصبين، وعملائهم من الليكود العربي.
فالسلطان محمد الفاتح، بعد أن أتم فتح القسطنطينية، عرض على القساوسة أن يشتري كنيسة آيا صوفيا، من ماله الخاص،وليس من مالية الدولة، وقد قبل القساوسة بذلك، وباعوا كنيسة آيا صوفيا للسلطان الفاتح، وتمت الصفقة بينه وبين القساوسة. وصك البيع موجود وموثق، كسند ملكية ضمن آلاف المستندات في الأرشيف العثمانى.
فعلامَ النباح والصراخ من الذين ظهر حقدهم من خلال فلتات ألسنتهم، أو جرأتهم على الكذب؟!.
ولكن أعجب ما هزنى مما سمعت، تصريح لأحد معممى الأزهر، (الشريف)، وهو المدعو عباس شومان الذى قال في تصريح له :" " لا يجوز تحويل الكنيسة لمسجد هذا التصرف مستفز وتصرف غير متفق مع تعاليم الإسلام".
وحسب منطق هذا المعمم المأفون، هل يجوز تحويل مساجد الأندلس لكنائس؟ أم أن هذا التصرف غير مستفز، ويتفق مع تعاليم الإسلام من وجهة نظر هذا المعمم، الذى كان يسعه السكوت وينجو بنفسه ويحقق لنفسه مصلحة بارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين، لكن الله يأبى إلا أن يظهر هؤلاء على حقيقتهم حتى لا ينخدع بهم الناس؟!
وهذا ليس بجديد على شومان، الذى اعتلى منبر الأزهر الجمعة الماضية وقال : "إن تاريخ الأتراك مع الإسلام والمسلمين سيئ، وأنهم هم من أسقطوا الخلافة على أرضهم بعد أن تحاكم إليها المسلمون أكثر من ألف سنة.
وأن هذه الخلافة التي يتباكى عليها أردوغان ويزعم أنه ساع لاستردادها، عليه قبل أن يفعل أن يعتذر عن خطأ أجداده وما فعلوه بالمسلمين.
وكيف نصدق هذا وتركيا أول دولة إسلامية اعترفت بالكيان الصهيوني وأقامت معه علاقات كاملة عام 1940؟!
ووجه كلامه لليبيين قائلاً: “لا تصدقوا هؤلاء الكاذبين، ولا تجعلوا بلدكم مرتعا للطامعين والعابثين، واعتبروا بأقوال وزير الدفاع التركي قبل أيام على أرضكم حين قال : جئنا هنا لنبقى إلى الأبد”.
ونسى هذا الأحمق أن من أسقط الخلافة هي العلمانية الكمالية، وليس الأتراك الذين حافظوا على شرف الأمة ستمائة عام، وأما عن الاعتراف بإسرائيل،فمن اعترف بها، هم العلمانيون الكماليون. وأما حديثه عن ليبيا، فقد كان دور شومان فيه: أن يقرأ المنشور، المرسل إليه، من الشؤون المعنوية والجهات الأمنية.
ورحم الله الشاعر حافظ إبراهيم، الذي عبَّر عن تأثره بتحويل آيا صوفيا من مسجد إلى شيء آخر، بعد إسقاط الخلافة العثمانية، عندما قال:
- آياصوفيا حان التفـرق فاذكـري عهود كرام.. فيك صلَّـوا وسلمـوا.
- إذا عُدتِ يومـا للصليـب وأهلـه وحلّى نواحيـك المسيـح ومريـم.
- ودُقّـت نواقيـسً وقـام مـزمّـر من الـروم فـي محرابـه يترنّـم.
- فلا تنكـري عهـد المـآذن إنـه على الله من عهد النواقيس أكـرم.
فاللهم لك الحمد، أن عادت " آيا صوفيا" كما كانت - من قبل - مسجدا. ولا عزاء للحاقدين و الشانئين والشامتين، ولا لأولئك الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم.