تأثير النضج التربوي والإمكانات المادية على الطفل القادم

بقلم: د. رشاد لاشين

تربية طفل سوي قادرٍ على الإبداع والتفوق نافعٍ لغيره مشاركٍ في نهضة أمته، يتطلب قدرًا وافيًا من البذل في ميداني التربية والمال، لذا على مَن يُقبل على الزواج أن يتسلَّح بنضجٍ تربوي إلى جانبِ الإمكاناتِ الماديةِ؛ حتى يكونَ زواجه خطوةً مهمةً في نهضة الأمة.

1- الاستعداد السلوكي (النضج التربوي):

قبل أن يقبل الشاب أو الشابة على الزواج لا بد أن يُدركا معنى الارتباط والمسئولية، ومعنى الأبوة والأمومة؛ لأن الزواج ليس مجرَّد علاقة لإشباع الرغبات الغريزية أو معملاً لتفريخ أطفال لا قيمةَ لهم ولا وزن، كأنهم غثاء السيل لا ينفعون أنفسهم ولا أمتهم.. بل هو علاقة مقدسة ينظمها قانونٌ رباني عظيمٌ، بنوده المودة والرحمة وحسن العشرة.. وثمرته جيلٌ عظيم ينهض بأمته، فهؤلاء الأبناء لا بد أن يعيشوا في كنف أبوةٍ مسئولةٍ وأمومةٍ طيبةٍ، يتعاونان ويتكاملان نحو إنتاج جيلٍ صالحٍ طيبٍ نافعٍ لنفسه ولأمته وللإنسانية جمعاء، ولكي ندرك أهميةَ النضج التربوي هيا نعرض معًا واجباتِ الأمومة والأبوة:

الأمومة:

 هي حضن الأمان، ونبع الحنان، وغذاء الوجدان، ومصدر العطاء المنان الذي يتدفق بلا شح ولا نقصان، هي منهل الحب الصافي وواحة الودِّ الوافر، وأنس القلب الظامئ.. هي لمسة الجمال، وروعة النظام، وبهاء النظافة، وبهجة النفس، هي مهندس الرعاية، وربة الولاية، وجنة الأبناء، ومنبع الغذاء.. هي مصنع الرجال، ومدرسة الشعب، وأستاذ العالم، هي أعلى درجات الإيثار، وأرقى أنواع البذل، وأسخى درجات الجود، وأروع أنواع التضحية، والأم هي:   التي تقدِّم بلا حدودٍ ولا مقابلٍ، ولا كلل ولا ضجر ولا شكاية، بل عن طيبِ خاطرٍ ورضاءِ نفسٍ، وهي التي تتعب وتكد، وتسهر لكي يرتاح ويهنأ ويسعد الأبناء، وهي الشمعة التي تحترق لكي تضيء لأبنائها، وهي التي استحقت ثلاثة أرباع البر، وجُعِلت الجنة تحت قدميها.

 الأبوة:

هي ضمير المسئولية، ومصدر العطاء، وكنف الحماية، هي مصدر الرحمة والحزم، وسلطة الضبط والربط، وقانون المملكة والنظام.

والأب هو راسم طريق المستقبل، ومخطط برنامج التألق، وعالم التقدم والاختراع، وهو مذلل عقبات الطريق، ومقيل عثرة السائر، وحامي درب النجاح، هو مفجِّر التنمية البشرية، وصانع النهضة الاقتصادية، وراعي التربية الأخلاقية، هو مسعد القلوب، ومجفف الدموع، ومخفف الكروب، هو حامل الراية، والموصل للغاية، وواقي الأهل من نارٍ وقودها الناس والحجارة

والأبوة والأمومة لا ينجحان معًا إلا: بالعطاء والصبر والتسامح والمرونة والعلم والخبرة والتفاعل المتبادل والتطوير المستمر الذي يواكب التغيرات والأحداث.

فلينظر كل شاب وكل شابة: أين هو من هذه الصفات، ومن الاستعداد لتحقيقها، أو الاقتراب منها، وعندها يكون فردًا ناضجًا نافعًا لنفسه وأمته، وبالتالي عليه أن يسعى إلى الخطوة التالية، ألا وهي تكوين الأسرة الصالحة التي تكون اللبنة الثانية في البنيان العظيم (الفرد- الأسرة- المجتمع- الدولة..) لا بد أن يَعِيَ كل شاب وشابة واجباته بدقة، وأن تكون حياته محددةَ الأهداف والغايات، وأن تكون مبنيةً على العلم والتجربة، وحريٌّ بمَن يُقبل على هذه الخطوة أن يدرسَ حقوقَ وواجباتِ الزوجين، وكذلك كتب رعاية الأطفال.

2- الاستعداد المادي:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمَن تعول" (رواه الطبراني)

مسئولية الرعاية:

حري بمَن يريد أن يكون راعيًا لبيت وأسرة وأطفال أن يوفِّرَ أعباء الرعية، وأن يكون جديرًا بالمسئولية:

روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بْنَ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قالُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَال- وَالرَّجُلُ رَاعٍ في مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

والمسئولية عن الرعاية في ظروف أمتنا الحالية ليست مسئولية عن الناحية الغذائية أو البدنية فحسب؛ بل مسئولية رعاية شاملة كاملة، وفي مقدمتها المسئولية عن الإبداع والتفوق، فالإبداع والتفوق اللذان تحتاجهما أمتنا يتطلبان قدرًا لا بأسَ به من الإنفاق والإمكانات، والطفل المحروم لا يستطيع الانطلاق في مجالي الإبداع والتفوق، وبالتالي لن يكون له دور في النهوض بأمته.

المشاكل التي يسببها الضعف المادي للطفل:

ضعف الإمكانات المادية يصحبه في الغالب الضعف الغذائي للأم، فينشأ نسلها ضعيفًا هزيلاً، عرضةً للأمراض، فيعيش مشغولاً بنفسه، ولا يستطيع أن يقدِّمَ لأمته شيئًا.

الطفل الذي ينشأ في وسط ضعيف ماديًّا لا يُلبي الحاجات الضرورية فإنه إلى جانب ضعفه الجسدي قد يعاني الضعف النفسي والإحساس بالدونية في وسط أقرانه، فيحس بالضياع، ولا يستطيع أن يكون له دور ريادي وسط أقرانه، وتضييع الذرية إثم كبير: روى أبو داود والبيهقي والإمام أحمد في مسنده والحميدي عَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ".