شعبان عبد الرحمن

منذ ظهور اسم "الحركة الإسلامية في فلسطين 48" بقيادة منصور عباس، شريكا في الائتلاف الحكومي الصهيوني الجديد، لم يتوقف الإعلام المناوئ للحركة الإسلامية عموما - خاصة الإعلام التابع لعدد من أنظمة التطبيع العربية - عن الترويج لما جرى على أنه تحالف بين جماعة الإخوان المسلمين والكيان الصهيوني، والتركيز على ربط هذه الحركة بالإخوان مع التأكيد على مسامع وعقول الجماهير بالاكتشاف الجديد: "جماعة الإخوان تتحالف مع إسرائيل"!

وقد تفرع عن ذلك التوسع في تحليلات تصب كلها في وصم الإخوان بخداع الجماهير المسلمة التي أوهموها بعداء الصهاينة بينما هم أصدقاء و"حبايب" حينما يكون الموضوع كرسي الحكم! وبالطبع فإن ذلك يأتي في إطار الحملة المتواصلة لشيطنة الإخوان.

والحقيقة أن الذي جرى - وما زال - هو تناول خبيث للموضوع، يتم خلاله إخفاء جوانب مهمة وإبراز الصورة مبتورة للتخديم على الأهداف الرامية لتشويه الحركة الإسلامية عموما وجماعة الإخون خصوصا. وذلك يحتم تسليط الضوء على الجوانب المخفية من تاريخ "الحركة الإسلامية في فلسطين 48"، والذي اكتنفته أحداث متضاربة تتعلق بالعنوان والتوجه والمواقف.

في عام 1971م ظهرت "الحركة الإسلامية في فلسطين 48" - وفق القوانين التي تحكم الكيان الصهيوني - على يد الشيخ عبد الله نمر درويش في منطقة المثلث بفلسطين المحتلة 48، وتنشط منذ ظهورها بين المسلمين من عرب الـ48 (يحملون الجنسية الإسرائيلية).

وقد اقتصر نشاطها السياسي على المشاركة في الانتخابات المحلية (البلدية) سعيا لتوفير الخدمات اليومية للجماهير، ولذلك شاركت عام 1989م في انتخابات المجالس المحلية في بعض التجمعات العربية في مناطق 48، وفازت برئاسة ستة مجالس بلدية من بينها بلدية أم الفحم، كما فاز عدد من المرشحين بمقاعد بعض المجالس المحلية الأخرى، وكل ذلك بدعم من الأصوات العربية.

وكان توقيع السلطة الفلسطينية اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني عام 1996م (اتفاقية أوسلو) وإعلان الاعتراف المتبادل بينهما، نقطة مفصلية في مسيرة الحركة أدت لانقسامها إلى تيارين:

الأول: يسمى التيار الجنوبي (الحركة الإسلامية في فلسطين 48- جنوب) بقيادة عبد الله نمر درويش، ونائب رئيس الحركة الحالي منصور عباس.. ويؤيد هذا التيار اتفاقية أوسلو واتفاقيات الصلح مع الاحتلال الصهيوني، ويميل إلى الاندماج في الكيان الصيهوني، ويمتلك علاقات قوية مع السلطة الوطنية الفلسطينية. وقد تحالف مع الحزب الديمقراطي العربي في وقت لاحق، وخاض معه الانتخابات البرلمانية (الكنيست) عام 1996م ضمن قائمة واحدة (القائمة العربية الموحدة) التي يقودها منصور عباس، وحصلت في الانتخابات الاخيرة على أربعة مقاعد في الكنيست.

التيار الثاني: يسمى الجناح الشمالي ويقوده الشيخ رائد صلاح ونائبه الشيخ كمال الخطيب، المعتقلان في سجون الاحتلال، ويعيش هذا التيار وفق قوانين الاحتلال وتحت قبضته، وقد اضطر للمشاركة في الانتخابات البلدية والتعامل مع سلطات الاحتلال، بعد أن أصبح يدير العديد من البلديات، حتى يحصل على موارد لتمويل المشاريع المحلية والخدمات التي تيسر حياة الجماهير، ولكنه يدعو إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية (الكنيست) لأن ذلك يعني إضفاء الشرعية على الاحتلال. يقيم علاقات قوية بالحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهو تيار مقبول من الحركات الإسلامية على مستوى العالم.

ولهذا التيار جهود كبيرة بقيادة الشيخ رائد صلاح في الحفاظ على المسجد الأقصي وتعمير مرافقه والدفاع عنه، وتنظيم قوافل المرابطين داخله لرد هجمات الصهاينة، كما قام بجهود كبيرة في ترميم وتعمير مصلياته والحفاظ عليها من الانهيار أو الاختطاف من قبل الصهاينة.

وقد قامت سلطات الاحتلال الصهيوني بفرض سلسلة من الإجراءات التي تحاصر هذا التيار، وذلك بعد حوادث تفجير وقع في 5 سبتمبر 1999م في مدينتي طبريا وحيفا.

وبشكل عام، أصبح الفرع الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح يواجه مشاكل ومعوقات كبيرة وكثيرة مع الاحتلال الصهيوني؛ في أنشطة مؤسساته التي يزيد عددها عن 22 مؤسسة خدمية في جميع المجالات. كما أن رئيسها الشيخ رائد صلاح يقضي معظم أيام العام إما بالمثول أمام التحقيقات في قضايا ملفقة أو محبوسا خلف القضبان، مثل حاله الآن وحال نائبه الشيخ كمال الخطيب، أو ممنوعا من الاقتراب من المسجد الأقصى أو دخول مدينة القدس، وسط حملات تشويه مكثفة.

وهكذا نحن إذا أمام حركتين تحملان نفس الاسم (الحركة الاسلامية في فلسطين 48)، وذلك يخلط الأوراق ويضع الناس أمام ضبابية وارتباك.

وقد أحسنت جماعة الإخوان المسلمين عندما أصدرت بيانا رسميا، الأحد (6 يونيو الجاري)، تتبرأ فيه من حركة منصور عباس. وبات واجبا على كل متابع لشأن فلسطين أن يبذل جهدا لرد هذه الحملات على حركة الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال الخطيب، ومحاولات الإلقاء بها في عالم النسيان لصالح تلميع حركة منصور عباس، كما بات واجبا على حركة الشيخ رائد صلاح أن تتدبر حلا لإشكالية الاسم، فكا للاشتباك مع حركة منصور عباس ومنعا للخلط والضبابية، وتمييزا لتيارهم عن ذلك التيار المتصهين.