يكمن داخل كل إنسان منا إمكانيات وطاقات هائلة للتعلم تحتاج إلى تحفيز وتشجيع، ويرى بعض علماء النفس أنّ أيّ إنسان إذا استنفر نصف طاقاته العقلية, يمكن أن يتعلّم عشرين لغة، وأن يجمع بين عشر جامعات !
وكلُّ إنسان ينطوي على منطقةٍ وافرة الخصوبة, تنتظرُ من يزرعُ فيها فسائل الخير والفكر .

وكما تعجز المِرآة عن رؤية نفسها، والوردةُ عن استنشاق عطرها؛ فإنّ الطفل عاجزٌ عن تلّمس طاقاته، فعلى المُربيّ أن يساعده في العثور على هذه الطاقات لتحديدِ هويّتها بدقّة، ومن ثمّ إطلاقها إلى أعلى مستويات النجاح، وبهذا يلعبُ تشجيعُ الطفل وإثارةُ اهتمامه وتحفيزُه للإنجاز دوراً مهماً في العملية التربوية .

وهذا هو منهجُ النبي صلى الله عليه وسلم في كشف الإمكانات الكامنة لدى الأطفال وتحفيزها، من ذلك أنه لما أبصرَ ملامح الذكاء المتوقّد عند زيد بن ثابت : من خلال حفظِه المتقن لسورٍ من القرآن الكريم، حضّه على تعلُّم اللغة العبرية واللغات الأجنبية. وبذا تميّز زيدٌ في أربعةِ علوم : الترجمة والقراءات و علم الفرائض وكتابة الوحي والرسائل النبوية ..

ومن منهج النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المضمار, ثناؤه على المتفوقين من أصحابه, وتقويمُهُ حتّى للإنجاز اليومي ليثير عبقرية الاهتمام عند الآخرين , ففي أثناء رجوعهم من غزوة الغابة، أثنى على بطليْها قائلاً: (( خيرُ فرساننا اليوم أبو قتادة, وخيرُ رجّالتنا سلمةُ بنُ الأكوع )) كما ضرب على صدر أبيّ بن كعب قائلاً: (( لِيَهنِكَ العلمُ أبا المنذر )) .

وكـان من ثنائه على المتفوقين إطلاق الألقاب عليهم, فأبو عبيدة " أمينُ الأمة ", وابن مسعود "غلامٌ معلَّمٌ", والزبير" حواريُّ الرسول" .. وهذه الألقاب بمنـزلة " شهاداتٍ نبوية " مباركة, لا نّدري كم كان فرح أصحابها بها !. نسأل الله تعالى أن يجمعنا مع أصحابها الكرام .

ومن سيرته صلى الله عليه وسلم في تشجيع الأطفال, الاستحسانُ والابتسام والجائزةُ, ومسحُ الرأس , وحتى قرْصُ الأذُن بتحبّبٍ, فقد فعل هذا مع زيد بن أرقم قائلاً : (( وفَتْ أذنُكَ يا غلام )) . وذلك لما نزل القرآن مصدقاً لما أخبر زيد .

فالثناءُ إذن من أهم عوامل الإثارة والتحفيز، ولا بأس بأن يُسمعَ الأبُ طفلَه هذا الثناء على مقربة منه وكأنّه لا يشعرُ بوجوده, الأمر الذي يدفع الطفل لتقويم أخطائه لكي يكون أهلاً لهذا الثناء ..

وإنّ من كمالِ البرِّ تعجيله؛ فعلى الأب أن يثيبَ ولده إنْ أحسنَ على عجل، كما أنّ عليه إذا أخطأ ولده أن يعاقبه - إن لم يعفُ - على رَويّة..

يقول الدكتور هشام الطالب : (( تذكّروا أيها الآباءُ أنّ الدمَ الصحيّ الذي يحتاج إليه أبناؤكم هو التقديرُ والتشجيع . لا تحرموهم منه فقد يصابون بفقر الدم )) !..

إنّ كلّ طفلٍ كُتب على جبينه هذه الكلمة : (( أفهموني )) , ولكنْ ماذا نصنع وكثيرٌ من الآباء أُميّون في قراءةِ الأطفال ؟! ..

إخوتي الأكارم: ما أحوجنا إلى ذلك داخل أسرنا، ومما لا شك فيه أننا نرى تصرفات إيجابية، وأعمالًا جليلة من أبنائنا وبناتنا، ولو كانت قليلة، فإنها أرض خصبة عندما نسقيها بألفاظ التشجيع والتحفيز.
وثمة سؤال يطرح نفسه، ماذا لو كان للابن أو البنت في كل يوم كلمة تحفيز لأي إنتاج إيجابي حتى لو كان تصرفًا عابرًا؛ فإن ذلك يبني في نفس الأولاد أن يكونوا إيجابيين؛ لأن مشاعرهم مرهفة، وتحب ذلك السلوك، وقد يتنوع هذا التشجيع فقد يكون كلمة، وقد يكون ابتسامة، وقد يكون هدية، وقد يكون رحلة ونحو ذلك، فكم هو جميل أن يكون ذلك سلوكًا طبيعيًا لهذه الأسرة .

أيها الأب المبارك، وأيتها الأم المباركة: لعلكما تجريان تجربة، ولمدة شهر واحد فقط برصد إيجابيات أولادكما، ولو صغرت وتقومان بتشجيعها وتحفيزها، ثم تتناقشان في المكاسب العظيمة التي اتصف بها الأولاد مع التغاضي النسبي عن أخطائهما؛ حتى لا يؤثر سلبًا على هذه التجربة، كما أنكما ستجدان أعمالًا جليلة منهم، لأن هذه التجربة أثارت مكامن هذه التصرفات بينما كانت هذه التصرفات قبل ذلك كأنها غائبة عن الحس؛ وذلك لبُعدنا عن التشجيع لهم.
إخوتي الكرام: الواقع مليء بشواهد التشجيع والتحفيز، ومن ذلك الواقع أنه عندما قام المعلم بتصحيح إجابة أحد الطلاب كتب له في كراسته وإنني أرغب أن أراك طبيبًا حاذقًا، فلعل هذه الكلمة أخذت مأخذها في ذهن هذا الطالب تشجيعًا له؛ فعمل على تحقيقها؛ فكان بعد ذلك طبيبًا حاذقًا بتوفيق الله تبارك وتعالى، ومن ذلك أيضًا أن أحدهم سمع قارئًا يقرأ بصوت جميل، فقال له: هل تحفظ القرآن؟ قال: لا، قال: ما أجمل هذا الصوت لو كان معه حفظ القرآن، فما أكمل هذا القارئ سنةً ونصفًا إلا وقد حفظ هذا الشاب القرآن.
‏وإن من التشجيع الذي يستمر مع صاحبه أن يلقّب هذا الإبن مثلًا بلقب إيجابي يُناسب قدراته وينادى به وذلك مثل كلمة يا دكتور، يا مهندس، يا خطيب، ونحو ذلك، وكم سمعنا من الأشخاص الذين بلغوا هذه المنازل عن طريق هذه الألقاب وتشجيعهم بها، ولكن مع إطلاقها عليهم يحفزون بما يتممها ويكملها، وإياكم أيها الإخوة أن تطلقو هذه الألقاب عن طريق الهزل أو السخرية فقد تنقلب إلى ضدها، وإن كنا نقول هذا في التشجيع؛ فإننا نحذر من إطلاق كلمات سلبية تحطم الشخصية وتهدمها؛ ولذلك يقول أحدهم: كنت خارجًا يومًا من الأيام من المدرسة فمرت سيارة كبيرة تحمل متاعًا من الأمتعة واستخدم سائقها المنبه فالتفت إليّ أحد الكبار، وقال يافلان: هذه هي مستقبلك الوظيفي، فيقول هذا المتحدث تركت الدراسة بعد هذا التحطيم حيث إن بعض الناس ذو حساسية مفرطة، فحذار أيها الإخوة من استعمال وإطلاق مثل هذه الألفاظ المشينة ذات السخرية والاستهزاء، ولو كانت عن طريق المزح فإنها تهدم الطموح والسمو.
‏أخي الكريم إن الغريب في موضوع التشجيع أن التصرفات الإيجابية تزيد معه، وتتكاثر؛ فهو بهذا جانب كبير من التربية؛ بل ويختصر علينا الكثير من الجهود، ولو أن الأب حدد شيئًا معينًا من دخله الشهري للتشجيع والتحفيز لكان ذلك أمرًا طيبًا لأنه يبني في أولاده صفات حميدة وخصالا حسنة مجيدة.
‏لو وضعت أخي الأب وأختي الأم مقارنة بين التشجيع وعدم التشجيع لرأيتما أنهما أسلوبان موجودان في الأسر لكن الفرق بينهما في الواقع التربوي أبعد مما بين المشرق والمغرب ، فسنرى الأسرة التي قامت على التشجيع تنتقل من مستوى حسن إلى أحسن بخلاف الأخرى التي تقوم على التحطيم فهي تنتقل من سيء إلى أسوأ.
إن التحفيز يبني في الأسرة الطموح والارتفاع والتطلع إلى الأعلى وكل يريد هذا لأسرته لكننا أحيانًا مع الأسف نريده فقط بأذهاننا فإذا نزلنا إلى الواقع فقد نرى البعض أبدع فيه كواقع عملي، لكن نرى مع الأسف البعض الآخر قد أخفق فالأماني الذهنية لا تنفع ما لم يؤيدها الواقع العملي.
‏وأختم أخوتي الكرام بموقفين في مجال التحفيز بالكلام واللفظ ونحوهما
‏الأول: أن أحد المعلمين رأى من أحد طلابه كسلًا وفتورًا فما كان منه إلا أن كتب له رسالة قصيرة جدًا، وهي خاصة به، كتب فيها بيتًا من الشعر حيث قال:

ومن يتهيب صعود الجبال      يعش أبد الدهر بين الحفر

ثم ناولها إياه فكانت هذه الرسالة بهذه الخصوصية دافعًا ومشجعًا ومحفزًا؛ فكان هذا الطالب من الأوائل بعد تلك الرسالة.
‏الثاني: قام طالب ليتحدث في المدرسة بعد الصلاة فارتج عليه فما زاد على البسملة والحمدله ثم عجز عن الكلام فجلس فضحك زملاؤه، ولكن جاء أحد المربين وأخذه إلى مكتبه، وقال له: إنك نجحت النجاح الأول، وهو القيام أمام الجمهور في حين أنه عجز عنه زملاؤك، ونحن ننتظر منك النجاح الثاني، وهو الكلام والانطلاق فدربه على الكلام؛ حتى أصبح هذا الطالب متحدثًا بارعًا؛ فسياسة التشجيع أيها الإخوة الأكارم سياسة لا تعرف الفشل إذا اهتم بها المربي من الآباء والأمهات والمعلمين الكبار والصغار.