أكدت أربع منظمات، اليوم الثلاثاء، أن على السلطات التونسية الالتزام بتعهداتها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، في مجال الحقوق المدنية والسياسية وبقية الحقوق الاجتماعية والثقافية والبيئية.

وأشارت المنظمات، في مؤتمر صحافي اليوم، إلى أن تونس قدمت في 24 مارس الماضي موقفها من التوصيات الـ283 التي سبق مناقشتها في 8 نوفمبر 2022 من قبل 112 دولة، وقبلت بصفة نهائية بـ192توصية، وأحيطت علماً بـ91 توصية معظمها عامة.

وقالت المنظمات إن تونس تلقت خلال الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان 30 توصية تتعلق باستقلالية القضاء، قبلت منها 17، وأرجأت موقفها من 12 توصية. وتتعلق التوصيات المقبولة بتوصيات عامة حول دعم استقلال القضاء وإرساء المحكمة الدستورية وإقرار حماية القضاة ودعم الإعانة الدولية.

وفيما يتعلق بحرية التظاهر، فقد أحيطت السلطات التونسية علماً بـ8 توصيات تتعلق بعضها بالتضييقات التي يواجهها الناشطون والناشطات السياسيون خلال مشاركتهم في المظاهرات السلمية والإيقافات التعسفية، وتناولت كذلك التضييقات التي تتعرض لها الجمعيات عند التكوين وعند ممارسة بعض أنشطتها.

والمنظمات الأربع هي "الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية" وجمعية "موجودين" و"الأورومتوسطية للحقوق" ومنظمة "فريدريش أيبرت".

قضاء مكبل

وقال عضو الشبكة الأورومتوسطية، أحمد جابر واجة، إن "القضاء مكبل، ولا يوجد استقلالية للقضاء، خاصة بعد حل المجلس الأعلى للقضاء وعدم تفعيل الحركة القضائية"، مؤكدا أن "رئيس الجمهورية قيس سعيد كان قد توجه بتهديد مباشر للقضاة إن لم يتم تطبيق توصياته".

وأشار واجة إلى أن "هناك غياباً واضحاً للمحكمة الدستورية وعدم رغبة في تركيزها". وأفاد أنه "في دستور 2022 تم إلغاء نقاط أساسية تضمن استقلالية القضاء وبقيت السلطة التنفيذية هي اليد التي يطبق بها النظام على بقية الأصوات الناقدة أو المعارضة".

وأوضح واجة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تونس قبلت 17 توصية من مجلس حقوق الإنسان وأرجأت 13 توصية تتعلق بالقضاء".

وأضاف أنه "تم تأجيل عدد من التوصيات تتعلق باستقلال القضاء، وأن قبولها هي عملية تسويف واضحة من السلطة، وهو ما يظهر من خلال عدم تركيز محكمة دستورية، وغياب استقلالية المجلس الأعلى للقضاء، وعدم إجراء الحركة القضائية، وهي سابقة خطيرة لم تحصل في تونس سابقا".

وتابع المتحدث أن "تونس لم تجب عن عزل 57 قاضياً عن العمل بمرسوم رئاسي وبملفات فارغة، ورفضها تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية القاضية بإبطال الإعفاء في حق 49 قاضياً مع ملاحقة 13 قاضياً جزائياً"، مؤكداً أن السلطات التونسية "حاولت المحافظة على ترسانة من القوانين لتركيع القضاء".

سياسية قبول العموميات

من جانبه، قال عضو الائتلاف المدني للحريات الفردية وحيد الفرشيشي إن "من إجمالي 283 توصية قبلت تونس 192، وتحفظت على 91، وما يمكن ملاحظته هو أن سياسة تونس لم تتغير كثيراً عن 2017، بل تراجعت قليلاً".

وأوضح الفرشيشي قائلاً: "إن هناك العديد من المغالطات، حيث لم تقبل تونس سوى التوصيات العامة التي تخلو من المحتوى ورفضت التوصيات الدقيقة، ومثال ذلك أنها رفضت التوصيات المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام والتوصيات المتعلقة بإلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية، والفصل المتعلق بإمضاء اتفاقية إسطنبول، وهو ما يبين أن السياسة التي تتوخاها تونس تتجه نحو قبول العموميات".

وتابع المتحدث أن "تونس صرحت أنها ستنظر لاحقاً في البقية، خاصة فيما يتعلق بالمجلة الجزائية، وحتى بنصوص كبرى كإلغاء حالة الطوارئ"، مؤكداً أنها "عادة تقضي سنوات ولا تنظر فيها كما حصل في 2017".

وأضاف أن ما لاحظوه هو "غياب الانسجام في قبول مسائل أو رفضها، فأحياناً تقبل تونس الشيء ونقيضه، ومثال ذلك في العدالة الانتقالية، فقد قبلت تنفيذ توصيات هيئة العدالة الانتقالية، وفي المقابل لم تقبل التوصية المتعلقة بمواصلة مسار العدالة الانتقالية، ما يؤكد أننا في وضعية يسودها الارتجال".

بدورها، أكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نائلة الزغلامي، أنه "لابد من احترام المعاهدات الدولية، وللأسف تونس لا تريد المضي قدما في عديد الحقوق السياسية والمدنية كإلغاء عقوبة الإعدام والمساواة بين الجنسين، ولا الموافقة على اتفاقية إسطنبول".

وبينت الزغلامي أن "ما يخيفنا أن بلادنا لا تريد الذهاب في تمكين المرأة التونسية من أن تكون مواطنة كاملة الحرية وتكريس منوال العدالة الاجتماعية"، مشيرة إلى أنها "لا تريد المضي في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وتمكين النساء، ومن ضمان الكرامة".

وقالت الزغلامي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "نضالهم كمجتمع مدني نضال سلمي من أجل المواطنة والمدنية، وأن تونس في مجال التمييز ضد النساء، قبلت 28 توصية من إجمالي 34 وأرجأت النظر في واحدة وأحيطت علما بـ 5".

 وأوضحت أن "التحفظ كان في المساواة التامة بين الجنسين، خاصة في المساواة في الميراث وعدة أشياء تمكن المرأة التونسية من أن تكون مواطنة كاملة الحقوق والحرية"، مؤكدة أن القانون الانتخابي "كارثي وأفرز مجلسا ذكوريا تمثل النساء فيه 16 بالمائة فقط من النواب".

أما نقيب الصحفيين مهدي الجلاصي فقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تونس رفضت أي مبدأ لتعديل المرسوم عدد 54 الذي يتعارض مع حرية الرأي والتعبير ويكبلها"، مبينا أنه "تم رفض توصية واضحة بإلغاء إحالة الصحفيين على القضاء العسكري، وهو ما يوحي بأن السلطة لها نية واضحة لاستعمال القضاء العسكري لتتبع الصحفيين، وهو ما يكشف إرادة السلطة في مواصلة استخدام الفصول القمعية لضرب كل رأي حر".