قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، إن السلطات التونسية انتقلت في هجومها المكثف على المعارضين، بعد استيلاء الرئيس قيس سعيد على السلطة، إلى تحييد حركة النهضة أكبر حزب سياسي في البلاد.

وقالت المنظمة، إنه منذ نهاية العام الماضي، اعتقلت الحكومة التونسية ما لا يقل عن 17 عضوا حاليا وسابقا في الحزب، بما في ذلك زعيمه، وأغلقت مقراته في كل أنحاء البلاد، ويتعين على السلطات الإفراج فورا عن جميع الموقوفين تعسفا، ورفع القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات والتجمع.

استمرت الاعتقالات في أعقاب موجة استهدفت شخصيات من انتماءات سياسية مختلفة في فبراير، ما رفع عدد الشخصيات العامة التي تعتبر منتقدة لسعيد وتم إيقافها إلى ما لا يقل عن 30، أغلبها متهمة بـ"المؤامرة ضد أمن الدولة". من بين الموقوفين المرتبطين بالنهضة أربعة وزراء سابقين والعديد من أعضاء البرلمان سابقا. من بينهم أيضا رئيس الحزب ورئيس البرلمان الأسبق راشد الغنوشي، ونائباه في الحزب علي العريض ونورالدين البحيري. لم توجه إلى أي منهم تهم رسمية.

قالت سلسبيل شلالي، مديرة تونس في هيومن رايتس ووتش: "بعد شيطنة حزب النهضة وتوجيه اتهامات خطيرة له دون دليل، انتقلت سلطات الرئيس سعيد إلى تفكيكه فعليا. التكتيكات الأخيرة التي اتبعتها السلطات التونسية؛ بغية إسكات الأصوات المنتقدة، ارتكزت على توجيه تهمة التآمر يمينا وشمالا، وضد كل من يتحدى نزعة الاستبداد المتزايدة لدى الرئيس".

واتهمت السلطات أغلب الموقوفين بـ"المؤامرة ضد أمن الدولة"، دون تحديد الأعمال الجنائية التي تشكل المؤامرة المزعومة.

وهناك سبع قضايا تتعلق بالنهضة تمكنت هيومن رايتس ووتش من الحصول على معلومات إضافية بشأنها تؤكد الطبيعة السياسية للاعتقالات، والاعتماد على أدلة واهية، وتجاهل للحقوق المتعلقة بسلامة الإجراءات. أربع من هذه القضايا على الأقل ترقى إلى حظر التعبير السلمي.

وفي 20  أبريل، أصدر قاضي تحقيق بطاقة إيداع ضد الغنوشي؛ بتهمة محاولة "تبديل هيئة الدولة"، و"المؤامرة ضد أمن الدولة الداخلي"، وهي جرائم قد تصل عقوبتها إلى الإعدام. استندت الاتهامات إلى تحذير وجهه الغنوشي يوم 15 أبريل في أثناء تجمع، قال فيه إن إلغاء الحركات السياسية، بما في ذلك النهضة و"اليسار"، هو "مشروع حرب أهلية".

قال محاميه مختار الجماعي في مقابلة إذاعية، إن الغنوشي (81 عاما) خضع خلال الأشهر الـ 18 الماضية إلى الاستجواب في 19 تحقيقا مختلفا.

أغلقت الشرطة المقر الرئيسي للنهضة في تونس العاصمة، دون إبراز قرار من المحكمة أو وثائق رسمية، بحسب محام آخر. قال أيضا إن قوات الأمن منعت أعضاء من الدخول إلى مكاتب الحزب في كل أنحاء البلاد.

كما أغلقت السلطات المقر الرئيسي لحزب يعرف بـ"حراك تونس الإرادة" في تونس العاصمة، كان يستضيف أنشطة "جبهة الخلاص الوطني"، وهو تحالف معارض شاركت في تأسيسه النهضة.

وراجت على الإنترنت مذكرة صادرة عن وزارة الداخلية، لم يتسن التأكد من صحتها، فيها إشارة إلى حالة الطوارئ -التي تم تجديدها بشكل مستمر منذ 2015- تأمر بغلق مكاتب النهضة، وحظر اجتماعاته في كل أنحاء البلاد، وكذلك تجمعات جبهة الخلاص في تونس.

نائبا رئيس حركة النهضة العريض والبحيري موقوفان في سجن المرناقية. ويواجه العريض (67 عاما)، وزير الداخلية ورئيس الحكومة سابقا، المحاكمة بسبب قرارات اتخذها عندما كان في المنصبين بين 2011 و2014، ويزعم أنها لم تحارب الأصولية والعنف الإسلامي المتطرف "بالكيفية اللازمة". العريض موقوف منذ 19 ديسمبر، دون أن يعرض على قاض.

اعتقل وزير العدل الأسبق البحيري يوم 13 فبراير؛ بتهمة محاولة "تبديل هيئة الدولة"، على خلفية منشور على "فيسبوك"، دعا فيه التونسيين إلى التظاهر ضد سعيد يوم 14 يناير، ذكرى سقوط بن علي، بحسب ما قاله محاميه أمين بوكر لـ هيومن رايتس ووتش. قال محامو البحيري إنه لم يكتب المنشور ولم ينشره.

اعتقل السيد الفرجاني، قيادي آخر في النهضة وعضو في البرلمان الذي حله سعيد في مارس 2022، في تونس العاصمة يوم 27 فبراير، في إطار تحقيق بشأن شركة "إنستالينغو" لصناعة المحتوى الرقمي، بحسب أحد محامييه. وجهت النيابة العمومية للشركة، التي من بين زبائنها مؤسسات إعلامية ناطقة بالعربية ومنتقدة لسعيد، تهمة التحريض على العنف والتشهير بسعيد.

يواجه الفرجاني تهمة "غسيل الأموال"، ومحاولة "تبديل هيئة الدولة"، و"الاعتداء على أمن الدولة الخارجي"، والتحريض على العنف، من بين تهم أخرى -بما في ذلك بموجب "قانون مكافحة الإرهاب" لسنة 2015- وبعضها تصل عقوبتها إلى الإعدام. استجوب أحد قضاة التحقيق الفرجاني يوم 1 مارس حول علاقاته وأمواله. قالت عائلته ومحاميه لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا صلة له بالشركة. يقبع الفرجاني في سجن سوسة، ولم يستجوب من قبل قاض بعدها.

هناك عضوان آخران من النهضة على الأقل موقوفان في قضية إنستالينغو: وزير الاستثمار الأسبق رياض بالطيب، حسبما قال محاميه لـ هيومن رايتس ووتش، والغنوشي الذي صدرت بحقه مذكرة إيقاف في هذه القضية في 9 مايو.

اعتقل محمد المزوغي، مدير العلاقات العامة لحزب النهضة في مدينة باجة، كما اعتقل محمد صالح بوعلاقي، الكاتب العام الجهوي للنهضة في نفس المدينة. قال محاموهما إنهما موقوفان بتهمة "المؤامرة ضد أمن الدولة"، بما في ذلك من خلال "الربط مع أعوان دولة أجنبية"، و"الإساءة للرئيس"، وتهم تتعلق بالإرهاب؛ بسبب دورهما المزعوم في إدارة صفحات ناقدة لحكم سعيد على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتشير الوثائق التي قدمتها النيابة العمومية إلى أن بوعلاقي والمزوغي يخضعان للتحقيق بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015، في جرائم تصل عقوبتها إلى السجن 20 عاما، ومنها "الانتماء إلى منظمة إرهابية"، و"استخدام التراب التونسي لارتكاب جرائم إرهابية"، و"توفير أسلحة" وغسيل الأموال. كما يخضعان للتحقيق بموجب فصول من "المجلة الجزائية" والفصل 86 من "مجلة الاتصالات".

اعتقل أيضا محمد بن سالم، قيادي سابق في النهضة ووزير الفلاحة الأسبق، يوم 3 مارس، دون أمر قضائي في بلدة البير لحمر جنوب شرق البلاد. يخضع بن سالم للتحقيق؛ بتهمة "تنظيم وفاق لهدف إعداد وتحضير ارتكاب جريمة مغادرة التراب التونسي خلسة"، بموجب الفصل 42 من "القانون عدد 40 لسنة 1975 المتعلق بجوازات السفر ووثائق السفر"، و"حيازة مبالغ مالية بعملة أجنبية"، بموجب فصول من "مجلة الصرف".

لم يستجوب بن سالم من قبل قاض منذ إيقافه. لكن شرطة الجرائم المالية استجوبته في تحقيق منفصل يتعلق بفساد مزعوم يوم 12 أبريل.

قال محاميه لـ هيومن رايتس ووتش، إن أربعة أشخاص آخرين موقوفون على صلة بالقضايا المرفوعة ضد بن سالم، ومنهم عضو البرلمان عن النهضة أحمد العماري.

بن سالم، الموقوف في سجن صفاقس، فقد قدرته على المشي، وتعرض لجلطتين منذ اعتقاله، بحسب ما قاله محاميه عبد الوهاب معطر لـ هيومن رايتس ووتش. قالت عائلته أيضا إنه يعاني من مشاكل في القلب وأمراض مزمنة منذ سنوات.

سعيد، الذي يحكم بالمراسيم، قوض استقلالية القضاء بشكل منهجي، ما يثير مخاوف بشأن هؤلاء وغيرهم من الناس الذين يواجهون اتهامات بعدما انتقدوه. في فبراير 2022، حل سعيد "المجلس الأعلى للقضاء"، المكلف بضمان استقلالية القضاء، وعين مكانه مجلسا مؤقتا له سلطة كبيرة عليه. في يونيو 2022، منح لنفسه سلطة فصل القضاة بشكل أحادي، وفصل 57 منهم. رفضت السلطات الامتثال لحكم المحكمة الإدارية بإعادة 49 منهم إلى مناصبهم.

بموجب القانون الدولي، لا يجوز إيقاف شخص تحفظيا إلا في حالات استثنائية، عندما تقدم المحكمة أسبابا مقنعة وفردية وخاضعة للمراجعة الدورية والاستئناف. يفرض الإيقاف التحفظي فقط "كاستثناء" بموجب الفصل 84 من "مجلة الإجراءات الجزائية" التونسية.

يكفل "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" (العهد)، وتونس طرف فيه، الحق في حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. تونس ملزمة أيضا بموجب العهد و"الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" باحترام الحق في المحاكمة العادلة.

قالت شلالي: "على السلطات التونسية الكف عن الانتقام من النهضة والمعارضين الآخرين، وإطلاق سراح جميع المسجونين في غياب أدلة موثوقة عن ارتكابهم جرائم".