ممدوح الولي
ببساطة، عندما يصل متوسط السعر العالمي لكيلو السكر 57 سنتا خلال شهر نوفمبر الماضي، كمتوسط بين سعر الكيلو في الولايات المتحدة البالغ 99 سنتا، وسعره في الاتحاد الأوروبي البالغ 35 سنتا، فإنه بعد إضافة تكاليف الشحن والتأمين وأتعاب الوسطاء، من الطبيعي أن يصل سعر الكيلو في مصر لأكثر من خمسين جنيها، في ظل سعر صرف غير رسمي تعدى الخمسين جنيها.
ورغم أن مصر تستورد حوالي ربع استهلاكها من السكر، لكن تكاليف الإنتاج المحلي زادت هي الأخرى، سواء لقطع الغيار أو العمالة أو النقل أو التعبئة والوقود، مما يعني ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي مع الموسم الجديد الذي يبدأ مع العام الجديد، وفي ضوء تدني نسب الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع الغذائية الأساسية مثل زيت الطعام والفول والعدس والقمح، فإن انتقال الأسعار العالمية إلى الأسواق المحلية مع سعر صرف مرتفع محليا، سيترتب عليه ارتفاع أسعار السلع الغذائية كافة، وهو ما سيحدث أيضا مع السلع غير الغذائية من مواد خام مستلزمات إنتاج ووقود، مما يعني ارتفاع تكلفة السلع المنتجة محليا.
وهكذا، لم يعد الحديث عن السعر الذي سيحدده البنك المركزي للصرف، بعد اتساع الفجوة بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازي ما بين 31 جنيها للدولار و53-54 جنيها، فالبنوك نفسها لا تتعامل مع المستوردين بالسعر الرسمي، بل تضيف ما يسمى علاوة تدبير عملة حتى يقترب السعر من سعر السوق الموازي، كما سمحت بقبول الدولار من المستوردين، والذين اشتروه من السوق الموازي بالسعر المرتفع.
وحتى السعر الرسمي الذي يحاسب به البنك المركزي هيئة السلع التموينية الحكومية، فإنه لا يكون لكامل قيمة الصفقة، مما يعني شراء جانب من المطلوب الدولاري من السوق الموازي. وهكذا، فإذا كانت وزارة التموين قد سحبت جزءا من الاحتياطي الاستراتيجي لديها للسكر، لبيع كيلو جرامين منه لكل بطاقة تموينية بسعر 27 جنيها للكيلو، مواكبة لموسم الانتخابات الرئاسية، فإنها لن تستطيع الاستمرار بنفس السعر خلال الفترة المقبلة؛ نظرا لاختلاف سعر الصرف عند استيراد الكميات الجديدة، ولهذا نتوقع رفعا لغالبية أسعار سلع البطاقات التموينية خلال الشهور المقبلة خاصة الزيت والسكر، بعد استبعاد الأرز منها قبل شهور.
ارتفاع الإتاوات بالمصالح الحكومية
وإذا كانت وزارتا التموين والتنمية المحلية قد ركزتا جهدهما مع المحافظين بعرض السلع الأساسية في شوادر بالميادين خلال فترة الانتخابات الرئاسية، بأسعار أقل من أسعار السوق بحوالي 15 في المائة، فإن تكلفة الاستيراد التي ارتفعت لن تتيح إمكانية الاستمرار بتلك الأسعار المُخفضة، إلى جانب انتهاء المولد الانتخابي الذي تم حشد كل جهود المحافظات والأحزاب والوزارات من أجله، وكما يقول المثل الشعبي المصري: "بعد المولد مفيش حمص".
ولا يتكلم أحد عن أنه حتى تلك الأسعار المُخفضة تزيد عن إمكانيات ملايين الأسر الفقيرة، ما دفع الأحزاب الموالية للنظام للقيام بتوزيع حقائب السلع الغذائية على المواطنين الفقراء، لتشجيعهم للذهاب إلى اللجان الانتخابية، للحصول على مشهد وجود عدد من الناخبين أمام اللجان، ولا يوجد دافع لدى تلك الأحزاب لتكرار توزيع تلك السلع الغذائية، التي تكفي الاحتياجات الأسرية لأيام قليلة.
وكانت السلطات قررت زيادة أجور العاملين في الحكومة وأصحاب المعاشات، بقيمة 300 جنيه شهريا لكل موظف أو صاحب معاش، وهي القيمة التي أصبحت تقل حاليا عن الستة دولارات، والتي لا تقارن مطلقا بالزيادات التي حدثت بأسعار السلع، فما بالنا بالزيادات المرتقبة خلال الفترة القادمة، واستمرار الحكومة استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، في رفع أسعار الوقود والكهرباء بما يرفع أسعار النقل والتشغيل، وهو ما ينعكس على أسعار السلع والخدمات كافة.
والنتيجة، أن سعر الرشوة والإتاوات في المصالح الحكومية والخدمات سوف ترتفع، حيث يرى المرتشي أن القيم السابقة المتعارف عليها لم تعد تكفي لشراء نفس سلة السلع مسبقا، وحتى تكلفة الإتاوات العينية مثل تقديم علبة سجائر لتسهيل إجراء المعاملات البسيطة، إلى جانب حالات الاختلاس والسرقة والاتجار بالممنوعات والتهريب، كما ستضطر بعض النساء لارتكاب المحرمات لتدبير باقي نفقات الطعام للأسرة، إلى جانب دفع فواتير الخدمات من كهرباء ومياه وغاز طبيعي وتليفونات، خاصة مع تدني قيمة الإعانات الحكومية الرسمية التي لا تكفي بالمرة الاحتياجات الغذائية، بعد زيادة معاشات الضمان الاجتماعي للأسر الفقيرة بنسبة 25 في المائة من أبريل 2023، ثم بنسبة 15 في المائة من سبتمبر من نفس العام،
المساعدات الحكومية أقل من حد الفقر
فقد أصبحت قيمة المعاش الشهري للأسرة المكونة من فرد واحد كالأرملة أو المطلقة 465 جنيها، وللأسرة المكونة من فردين 518 جنيها، وللأسرة المكونة من ثلاثة أفراد 593 جنيها، وللأسرة المكونة من أربعة أشخاص فأكثر 648 جنيها.
وبلغ حد الفقر الرسمي للفرد 857 جنيها، وذلك قبل مارس 2020، الذي لم يعد معبرا عن الواقع بعد تداعيات أزمة كورونا وما تلاها من آثار الأزمة الروسية الأوكرانية، ثم تراجع سعر الصرف أكثر من مرة خلال تلك الفترة، أي إن خط الفقر الرسمي أوائل عام 2020 ما زال أعلى مما تحصل عليه الأسرة المكونة من أربعة أشخاص فأكثر في سبتمبر 2023، وهي الفترة التي زاد معدل الأسعار بعدها، وعندما يصل سعر الكيلو من الجبن الأبيض لأقل مستوى 130 جنيها، حسب بيانات جهاز الإحصاء الحكومي لشهر أكتوبر، التي يتم جمعها من المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين.
يمكن تصور كيف يمكن لتلك المساعدات الحكومية أن تفي بالاحتياجات الأساسية الضرورية للفقراء، حيث أشارت نفس النشرة الشهرية إلى بلوغ سعر كيلو الفول الجاف 40 جنيها، وكيلو العدس 47 جنيها، والأرز الأبيض السائب 25 جنيها، والعسل الأسود السائب 32 جنيها، والحلاوة الطحينية 95 جنيها. أما اللحوم فتتراوح ما بين 300 إلى 320 جنيها للكيلو، كما وصل سعر كيلو اللحم البقري المجمد المستورد إلى 215 جنيها.
ولا مجال هنا للتدليل على حالة الغلاء بالأرقام الرسمية للتضخم، حيث إن تلك البيانات يتم التدخل فيها للتقليل منها، ولهذا لا تجد قبولا من العوام من الناس، أو الذين يتخذون مقاييس أخرى لقياس التضخم الحقيقي مثل سعر كيلو اللحم، أو سعر الساندويتش الشعبي، أو سعر طبق الكشري، أو سعر قرص الطعمية (الفلافل) رغم تقلص حجمه.
twitter.com/mamdouh_alwaly