أحمد عبد الواحد

هل تعلم أن فاتورة استيراد الدول العربية من الأغذية تبلغ نحو 100 مليار دولار سنوياً، وفق تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، الصادر منتصف العام 2020م؟

هل تعلم أن أكبر 10 اقتصادات حول العالم في عام 2024م، لا تضم أي دولة عربية، ضمن القائمة التي تشمل الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، ألمانيا، اليابان، الهند، المملكة المتحدة، فرنسا، إيطاليا، البرازيل، كندا، بحسب صندوق النقد الدولي؟

هل تعلم أن 9 دول عربية تحل ضمن قائمة أكبر 40 مستورداً للسلاح في العالم، وفق تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الصادر عام 2023م؟

هل تعلم أن 3 دول خليجية هي (السعودية، الإمارات، الكويت) استوردت سيارات وحافلات وقطع غيار من الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 4.97 مليارات دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2023م، بحسب بيانات وزارة التجارة الأمريكية؟

هل تعلم أن قائمة الدول العشر الأكثر تصديراً للسلع والخدمات في عام 2023م، تتصدرها: الصين: 3.7 تريليونات دولار، الولايات المتحدة: 3.01 تريليونات دولار، ألمانيا: 2.03 تريليون دولار، بريطانيا: 1.01 تريليون دولار، فرنسا: 1.007 تريليون دولار، هولندا: 1.004 تريليون دولار، اليابان: 918 مليار دولار، كوريا الجنوبية: 823 مليار دولار، الهند: 767 مليار دولار، إيطاليا: 748 مليار دولار، بحسب الإحصاءات الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)؟

ما سبق، عينة من أرقام وبيانات رسمية، تكشف عن حجم التفوق الغربي إنتاجاً وتصديراً، وتنامي التبعية الاقتصادية، والانزواء في ذيل القوائم، وتضاعف فاتورة الارتماء في أحضان الغرب؛ سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، حتى باتت بلادنا محتلة بإرادتها!

إرادة عربية

ربما يتعجب البعض من العنوان «احتلال اقتصادي بإرادة عربية!»، متناسياً ما نعانيه من استلاب الإرادة، وفقدان البوصلة، وصولاً إلى حالة الغرام والافتتنان بكل ما هو غربي، والعشق لكل ما هو أمريكي وأوروبي، واعتبار استيراد المنتج الأجنبي واقتناء الماركات العالمية دليل تقدم، وعلامة حداثة، ومواكبة للعصر.

إن نظرة أولى متعمقة إلى حالنا، وحجم فاتورة الاستيراد عربياً، مقارنة بعوائد التصدير، لهي كاشفة عن هوة واسعة، وفجوة بين ما نمتلكه من موارد طبيعية من أنهار وبحار ونفط وغاز ومعادن وآثار، وثروة بشرية هي الأكثر شباباً وحيوية على سطح الكرة الأرضية.

ونظرة ثانية، تصارحنا بما آلت إليه حالنا، في فلسطين ولبنان وسورية والسودان وليبيا، وقد باتت بلادنا بؤراً ساخنة لحروب، أو نزاعات أهلية، أو مذابح جماعية، ومآسٍ إنسانية، بينما نحن نناشد الغرب ومنظماته الدولية التدخل لوقف إراقة الدماء، وإعلان وقف النار.

ونظرة ثالثة تكشف النقاب عن هجرة العقول، وتسرب الكفاءات النادرة إلى القارة العجوز، بحثاً عن جنسية دولة أوروبية، وجواز سفر يحمل شعار الاتحاد الأوروبي، والدمع يسيل من أعيننا، وأخبار قوارب الموت والهجرة غير الشرعية تتوالى على قنوات التلفزة، ليلقى أبناء العرب حتفهم وسط أمواج البحار.

ونظرة رابعة تصارح أولي الأمر، بتصدر الدول العربية قائمة الأكثر استيراداً للسلاح حول العالم، ليتكدس السلاح والطائرات والصواريخ في مخازننا، وفي المقابل، تتكدس خزائن الغرب بمليارات الدولارات، وتحظى شركاته وصناعاته العسكرية بصفقات مليارية، توفر له الآلاف من فرص العمل لعقود.

ونظرة خامسة، عندما تجد من بلادنا من يدفع 100 مليون يورو لاستضافة مباراتين أو ثلاث في كرة القدم، بل يدفع المليارات لاستقدام لاعبين أجانب، من أجل قطعة من البلاستيك يراد لها على مدار 90 دقيقة أن تدخل إلى الشباك!

ونظرة سادسة عندما تبني دولة ملاعب ضخمة وهي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وعندما تتقدم أخرى لاستضافة كأس العالم، وشعبها يعاني من الفقر والبطالة، وعندما تنظم دولة المهرجان تلو الآخر، وإخواننا يبادون في غزة، فنحن أمام حالة غير مسبوقة من الفوضى، والعشوائية، والفساد، وغياب الأولويات!

طوفان إنتاج

إن واقعنا في حاجة ماسة وملحة إلى نظرات فاحصة، ومصارحات حقيقية، ودراسات متعمقة، على كافة الصعد، لنتبين الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والطيب من الخبيث، والنافع من الضار، بعدما اختلط الحابل بالنابل، وصار يُعيّر من يقول كلمة الحق، ويُتهم بالتشدد تارة، والتطرف تارة، والإرهاب تارة.

أين السوق العربية المشتركة؟ وأين العملة العربية الموحدة؟ وأين جامعة الدول العربية؟ وأين هي وحدتنا السياسية، وتكتلنا الاقتصادي، وتفوقنا العسكري، وتقدمنا التكنولوجي، ونهوضنا العلمي، وتأثيرنا الثقافي، وتميزنا الفكري؟!

متى تتصدر بلادنا قائمة مجموعة العشرين لأقوى اقتصادات العالم؟ ومتى يكون لأمتنا مقعد دائم في مجلس الأمن؟ ومتى نسجل معدلات عالمية على مؤشر الأكثر إنتاجاً وتصديراً؟ ومتى نصدر نحن الماركات التجارية الأشهر «والبراندات» لمشارق الأرض ومغاربها؟

إن ما أثارته «المجتمع» عبر موقعها الإلكتروني، وعلى مدار حلقات عدة، حول تنامي النزعة الاستهلاكية، وتفشي الشره الاستيرادي، والهوس بالعلامات التجارية بين الشباب والمراهقين، وتحول «المول» و«الهايبر» إلى ثقافة مجتمعية، وانغماس الأسر في شراء الترف والكماليات، وتغول الرأسمالية المتوحشة على مجتمعاتنا، لهو أمر يحتاج إلى وقفة جادة من جميع مؤسسات المجتمع التشريعية والدينية والتعليمية والتربوية والثقافية والفنية.

نحن في حاجة لتشريعات وقوانين توقف سفه الاستيراد، وتشجع المنتح المحلي، وترفع من عوائد التصدير، وذلك بموازاة حملات توعية، ومقررات دراسية، وأنشطة هادفة، وأعمال فنية، ضمن إستراتيجية متكاملة تحرر الإرادة العربية من الاحتلال الاقتصادي، وتقف حصناً منيعاً أمام طوفان الاستيراد، وغزو «البراندات» و«الماركات» بما تحمله من ثقافة إذعان واستسلام ورضوخ لكل ما هو غربي.

إن الدرس المستفاد، في هذا السياق، من صمود وبطولات غزة الأبية، أن نطلق طوفان الإنتاج، وأن يكون المنتج المحلي، والعربي، على رأس قوائم المستهلكين العرب، وأن نحقق الاكتفاء الذاتي، كما يقولون من الإبرة إلى الصاروخ.