ثاني كلمة "الزواج تضحية"

 من أراد أن يتزوج فليعلم أنه مستعدٌ للتضحية، من أرادت أن تتزوج فلتهيئ نفسها للتضحية، وكم ضحت أمهاتنا لأجلنا، وكم ضحى آباؤنا لأجلنا.

 ما من طبيبٍ، ولا مهندسٍ، ولا حرفي، ولا طالبٍ ناجح، ما من فتاةٍ قويمة، ما من فتاةٍ مستقيمة، ناجحة، إلا لها أم هي التي صنعتها، وضحت لأجلها وأجل إخوانها وأخواتها، إلا لها أب ضحى من أجلها وأجل أخواتها.

اسمعوا لهذه القصة، من سيد وَلِد آدم على هذه الأرض، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، زوجةُ سيدنا محمد ماذا تُسمى، تسمى أماً للمؤمنين، وتسمى بالعرف المعاصر السيدة الأولى، رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب امرأة اسمها أم هانيء بنت أبي طالب، وهي أخت سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله علنه، وهي ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت متزوجة، ومات زوجها، وخلّف لها أيتاماً، الآن خطبها سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لنفسه، بالله عليكن أيتها الفتيات هل تأبى امرأة أن تكون سيدةً أولى في العالم، أم هانيء لما جاءها رسولُِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالت: "أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملءُ العين والسمع، ولستُ عنه بمستغنية، ولكنّي امرأةٌ موتِمة "عندي أيتام"، أخافُ إن اعتنيتُ بحقه أقصر في حقهم، وإن اعتنيتُ بحقهم أقصر في  حقه، أنا أعتذرُ يا رسول الله عن الزواج، بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خيرُ نساءٍ ركبن الإبل صالحُ نساءِ قريش، أرعاه على زوجٍ في ذاتِ يدٍ، وأحناه على ولدٍ في صغره، لقد ضحت أم هانيء بمنصبٍ أن تكون السيدة الأولى في الدنيا والآخرة لقاء أن ترعى هؤلاء الأيتام.

لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا وامرأةٌ سفعاءُ الخدين، "لقد أجهدتها الحياةُ، لقد أجهدتها المشقةُ حتى رسم ذلك على خديها"، كهاتين في الجنة امرأةٌ آمت من زوجها "مات عنها زوجها"، وخلف لها أيتاماً فحبست نفسها عليهم حتى ماتوا أو بانوا.

وهذا هو سيدنا جابر رضي الله عنه وعن أبيه، يموتُ أبوه وها قد ماتت أمه في السابق، وخلف له أبوه تسع بنات، وجابرُ شاب، والشابُ يحب أن يتزوج فتاة بكراً، جميلة، صبية، فتية، فلما أراد أن يتزوج، تزوج امرأة ثيبا.

**عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نكحت؟ قلت: نعم، قال: أبكرا أم ثيبا؟ قلت: ثيب، قال: فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك، قلت: يا رسول الله قتل أبي يوم أحد، وترك تسع بنات فكرهت أن أجمع إليهن خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن قال: "أصبت".. زاد الشيخان في رواية: وتضاحكها وتضاحكك وفي آخره قال: "فبارك الله لك" أو قال:" خيرا " وفي رواية لهما فأين أنت عن العذارى ولعابها.**

لقد ضحى بشيء يخصه لأجل أن يرعى أخواته البنات.

 

**ثالث كلمة  "الزواج قَبولٌ للاختلاف" ** 

إذا تزوجت فاعلم أنك قبلت أن تكونَ مختلفاً مع زوجتك، مُستحيل أن يتطابق زوجان مع بعضهما انطباق الكف على الكف، لا تصدقوا أن زوجاً وزوجه متفقان بدون أي اختلاف أبداً، وأهم شيء أن ترضى بهذا الاختلاف.

فالاختلاف بين الناس من سنن الله الكونية؛ قال تعالى: **﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ **[هود: 118]، فالإسلام لا يريد من الأشخاص أن يكونوا متطابقين إلى درجةِ زوال الفروقِ الفردية بينهم، ولا يريد منهم أن يكونوا نُسَخًا مكررة عن بعضهم، وكذلك لا يريد منهم أن يكونوا متنافرين بحيث يصبحون أعداء متشاحنين، لكن المطلوب أن يتقارب المسلم مع أخيه فلا يغلو ولا يقصِّر.

 

والحياة الزوجية تجمع بين الرجل والمرأة في بيت هو اللَّبِنةُ الأولى للمجتمع المسلم، فنرى أن الشاب يبحث عن شريكة حياته، ويحاول جاهدًا أن تكون قريبة منه في تفكيره وطباعه وتربيته، وهذا مطلوب شرعًا كما قال صلى الله عليه وسلم: **((انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤْدَمَ بينكما)).**

 

لكن الخطأ الأكبر أن يبحث عن فتاة مطابقة له تماماً، وهذا لن يحدث أبدًا، وكذلك الفتاة تبحث عن شخص مطابقٍ لها في تفكيرها وتقديرها وطباعها تمامًا، وهذا من الصعب إيجادُه.

 

وهنا ينسى الشابُّ والفتاة سنةَ الله في الاختلاف بين الناس، مما يجعل ما يرمي إليه صعب المنال، فيدخله في حالة صعبة من الانتقاء والاختيار، ووضع الشروط الكثيرة والصعبة على والديه، وهذا ما يفسِّر لنا بعض أسباب عدم إقدام الشباب والفتيات على الزواج.

 

تقول فتاة: أذكر في بداية زواجنا أني كنت أنزعج كثيرًا من تأني زوجي الزائد عند الخروج من المنزل، فكان يأخذ وقتًا طويلًا في ارتداء ملابسه واهتمامه بمظهره، أما أنا فكنت سريعة في قضاء أموري وأمور المنزل، ولكن لأنني أحبه حاولت التأقلم مع هذا الطبع، والمفارقة أنه مع مرور الأيام وقدوم الأولاد انعكست الآية، فصرت أستغرق زمنًا أطول لتجهيز الأولاد عند الخروج.

 

تقول: يجب على كل طرف احترامُ اختلاف الطرف الآخر والتأقلم معه، وذلك بتقديم التنازلات من قِبَلِ الطرفين، وبهذه المسألة يمكن تجنُّبُ المشاكل والجدال.

 

ويقول شاب: لأنني أحب قضاء وقت فراغي في البيت والجلوس أمام التلفاز، كان هذا الطبع يزعج زوجتي جدًّا؛ لأنها تفضِّل الخروج والتسوق.

 

يقول: مع مرور الأيام وجدنا حلًّا لهذا الخلاف، وهو أننا اتفقنا على أيام معينة للخروج، وأخرى للجلوس في المنزل، وهكذا أرضى كلٌّ منا الآخر.

 **

ولكي نقلل من المشاكل التي يحدثها اختلافُ الطباع بين الزوجين علينا التالي:**

لا بد أن يقبل كلُّ طرف الطرفَ الآخر بما هو عليه من سلوكيات أو علل تزعجه.

 

معرفة أن كل واحد من الزوجين جاء من بيئة مختلفة، وأنه بعد فترة وجيزة من التقبل والتنازلات يبدأ الطرفان في تكوين مجموعة من الطباع والعادات التي تناسبهما، وذلك بغرض التفاهم وتسيير الحياة الزوجية.

 

إيجاد قوانين وصيغ توافقية بين الزوجين للتعامل مع الخلاف، خاصة إذا توافر الحب بينهما، وأن أي مشكلة يمكن حلُّها بالتفاهم والحوار.

 

اختلاف الطباع بين الزوجين يمكن أن  يكون مصدرًا لبلوغ السعادة بما يحدثه من تنوُّع في الحياة الزوجية، وأن كل طرف يكمل الطرفَ الآخر.

 

على كل طرف ألا يسعى إلى تغيير الآخر؛ وإنما بالاتفاق وإيجاد أرضية مشتركة وحلول يتفق عليها الجميع.

 

على كل طرف أن يسعى إلى إرضاء الآخر؛ وذلك بالتنازل عن الشيء الذي يحبه من أجل الطرف الآخر، دون المساس بكرامة أي أحد منهما، وعلى الطرف الآخر أن يبادل شريكه التغافر والتنازل والعفو.

 

إن وجود الرغبة عند كل منهما في العيش بسلام مع شريك حياته، ووجود الحب والتضحية والتنازل، ومراعاة شعور الطرف الآخر واحترام رغباته - من أهم الأسباب لتجاوز اختلاف الطباع بين الزوجين.

 

**"رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"**