بقلم: مصطفى عطية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
ما يحدث في هذه الأيام لأبناء الدعوة من محن وابتلاءات وحبس واعتقالات ومصادرة للأموال والشركات وحملات تشويه إعلامية؛ لا يعدو أن يكون محاولاتٍ يائسةً لإقصاء الدعاة إلى الله، والشرفاء المخلصين من أبناء هذا الوطن عن ساحة الإصلاح؛ كي تبقى مرتعًا للفساد والمفسدين، وإننا وإنْ كنا رافضين لهذا الظلم؛ فإننا نعلم أن التدافع بين الحق والباطل سنةً من سنن الله في كونه؛ ليميز الله الخبيث من الطيب.
ولكن على الرغم من كل ما يحدث؛ فإننا على يقين بنصر الله لهذه الدعوة المباركة.. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة)، ويقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿الم (1)أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2)﴾ (العنكبوت).
ولنا في قصة الصحابي الجليل خباب بن الأرت دروس وعبر، فلقد جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- يشتكي؛ حينما اشتدَّ الإيذاء والتعذيب على المسلمين، جاء وهو يتوسد بردة له في ظل الكعبة، فقال: يا رسول الله (ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟)، فقال صلى الله عليه وسلم: "قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمَّنَّ هذا الأمر؛ حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" (رواه البخاري).
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغرس في نفوس أصحابه طبيعة الطريق وتكاليف النصر وعظم الأمانة التي عجزت عن حملها السماوات والأرض والجبال.
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين لأصحابه أن من أراد أن يحمل همَّ هذه الدعوة من أهل الحق؛ فلا بد أن يصبر على ما أصابه من ابتلاءٍ في سبيل الله سبحانه وتعالى.
سأل رجلٌ الإمام الشافعي، فقال: يا أبا عبد الله أيهما أفضل للرجل أن يمكَّن أو أن يُبتلى؟!، فقال الإمام الشافعي: لا يمكَّن حتى يُبتلى؛ فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنهم.
أيها الإخوان!! إن النصر قادم، رغم المحن والابتلاءات، فلقد تعرضت دعوة الإخوان منذ 1948م وعلى مرِّ السنين إلى المحن، والاعتقالات، والمطاردة، والتنكيل، والمحاكمات العسكرية، ورغم ذلك خرجت من كلِّ محنة أكثر صلابةً وقوةً وصمودًا وثباتًا، وازدادت الدعوة انتشارًا في ربوع الأرض، وما زالت الجماعة شامخةً بثبات وعزم وإرادة قوية، تمضي في طريقها الذي رسمته لنفسها، مستمدةً معالمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
واسمع إلى قول الإمام الشهيد حسن البنا للإخوان في مؤتمرهم الخامس: "أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم، اسمعوها مني كلمةً عاليةًَ داويةً من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع؛ إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده، ولست مخالفًا هذه الحدود التي اقتنعتُ كل الاقتناع بأنها أسلم طريقٍ للوصول، أجل؛ قد تكون طريقًا طويلة ولكن ليس هناك غيرها. إنما الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها؛ فلستُ معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف؛ فأجره في ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين؛ إما النصر أو السيادة وإما الشهادة والسعادة).
إن هذه الدعوة المباركة التي غرسها الإمام الشهيد حسن البنا، وتعهدها وأعطاها كل ما يملك من وقتٍ وجهدٍ ومال؛ قد ارتوت بدمه وبدم كوكبة من الشهداء قبله، وبعده في فلسطين والقناة، وفي السجون والمعتقلات، وتحت سياط الجلادين، وعلى أعواد المشانق، ورغم كل ذلك؛ فإنها نمت وترعرعت، وامتدت جذورها في أعماق أرض الوطن الإسلامي، رغم كل تلك المحاولات للقضاء عليها، ونحن على يقين أن النصر قادم لهذه الدعوة المباركة، ليس لأنها دعوة الإخوان، بل لأنها دعوة الله دعوة الإسلام الصحيح.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ (32)﴾ (التوبة).
أيها الإخوان!! إن التضحيات والآلام ضريبةٌ لا بد أن يدفعها الدعاة إلى الله في كل عصر من عصور الدعوة، وفي كل مصر من أمصار الأرض، وإنَّ الأنبياء جميعًا قد تعرَّضوا للمحن والابتلاءات، وهم أكرم الخلق على الله.
إن دعوة الإخوان التي هي دعوة الإسلام شجرةٌ طيبةٌ، استعصى على الأعداء اقتلاعها من جذورها على مرِّ السنين؛ لأنها متجذرة في المجتمع تنمو وتنتشر في كل مكان في العالم.
ومهما حاول المستبدون المتغطرسون القضاء عليها، باءت محاولاتهم بالفشل، وباء أصحابها بالإثم في حين يسعد العاملون المخلصون بعظيم الأجر، وبقي لهذه الدعوة المباركة الخلود والتمكين والنصر.. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾ (الروم).