اعتاد السوريون الادخار بعملة الدولار للحفاظ على قيمة مدخراتهم، وذلك في ظل الانهيار المتواصل في الليرة السورية زمنَ النظام السابق.

ولكن اليوم، ونتيجةً لتأخر صرف أجور ورواتب فئات كثيرة من السوريين، وارتفاع أسعار الخبز والمواصلات، وازدياد معدلات البطالة، لجأ المواطنون إلى بيع قسم من مدخراتهم بما يكفيهم لتأمين احتياجاتهم اليومية، ولكن كانت الكارثة بالنسبة لهم هي انخفاض سعر الدولار إلى أكثر من النصف مقابل تحسن ملحوظ في قيمة العملة المحلية منذ سقوط نظام الأسد.

البعض وصف ظاهرة تراجع قيمة الدولاربأنها "سرقة" لما جنوه طيلة سنوات الحرب الأهلية، على اعتبار أن الأسعار لم تنخفض بحجم ما خسروه. لكن في المقابل فإن تحسن قيمة الليرة شكل تطورا ايجابيا لأسواق الصرف، حيث أعاد بعض متابعي الشأن الاقتصادي هذا التحسن إلى انفتاح سورية على الدول الأخرى والزيارات المتبادلة.، وتحسن مصادر النقد الأجنبي.

عوامل عديدة لقفزة الليرة السورية

 

الأكاديمي الاقتصادي علي محمد، بيّن في تصريح لـ"العربي الجديد" أن مسيرة تحسن الليرة السورية عمرها شهران، أي منذ يوم سقوط النظام في 8 ديسمبر، لافتاً إلى وجود عوامل كثيرة تؤدي إلى تحسن الليرة السورية بشكل رقمي، منها السماح بتداول العملات الأجنبية من بينها الدولار، وإلغاء كافة المراسيم التي تجرّم التعامل بغير الليرة السورية، واتباع اقتصاد السوق الحرة وغير ذلك، إضافة إلى السياسة المتبعة اليوم والمتعلقة بتجفيف السيولة وحبس النقد، سواء نتيجة إيقاف الكثير من الرواتب والأجور، أو الإجراءات المتعلقة بالتحويلات المصرفية والسحوبات من المصارف.

يضاف إلى الأسباب السابقة المؤدية إلى انخفاض سعر صرف الدولار أمام الليرة، أن الإنتاج السوري اليوم في حدوده الدنيا، برأي محمد، حتى وإن كان ضعيفاً في فترة حكم النظام السابق، وذلك نتيجة عدم ثبات القرارات الاقتصادية، التي تؤدي إلى خلق حالة من الارتباك عند المنتِج المحلي، فهو لا يعرف اليوم الأسعار التي سيعتمدها أو سيشتري بها، وحجم الأجور التي سيدفعها لموظفيه، فمَن كان يُعطي راتباً قدره مئة دولار، أصبح عليه أن يزيد هذا الأجر في ظل الظروف الحالية. وأشار الاقتصادي السوري إلى أن الاستيراد أيضاً في حدوده الدنيا، وبالتالي فإن كلّ العوامل التي تؤدي إلى تدهور سعر الصرف غير موجودة حالياً.

 

وعلى اعتبار أن المواطن السوري لا يثق بالمصارف قبل سقوط الأسد، فإن عقلية الاكتناز كانت تسيطر على المجتمع السوري، وكان ادخاره بالدولار أو الذهب، أما اليوم ومع عدم وجود كتلة نقدية كبيرة من الليرة السورية، فقد لجأ الكثير من المواطنين لتصريف ما لديهم من مدخرات بالعملات الأجنبية، الأمر الذي يزيد العرض من الدولار، حسب الاقتصادي السوري. ولم يستبعد محمد وجود الكثير من المضاربين الذي يشترون الدولار بأسعار بخسة، وهذا قد يؤدي إلى مشاكل اقتصادية لاحقة.

 

ورأى الأكاديمي الاقتصادي أن الأسباب السابقة كافة تلعب دوراً كبيراً في انخفاض العرض من الليرة السورية، مقابل القطع الأجنبي، وبالتالي ضعف الإقبال على شراء الدولار، معيداً ذلك إلى عدة أسباب، أولها: أن الليرة السورية بحدودها الدنيا، وثانيها: حالة الارتياح العام الشعبي والاستثماري على المستوى الداخلي، والتي مردها إلى أن الأمور أصبحت في المسار السليم، وأن هناك حالة من الاستقرار السياسي التي تعيشها البلاد، على اعتبار أن القيادة السورية الجديدة لها قبول كبير محلياً ودولياً وإقليمياً وعالمياً، فدعوة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى منتدى دافوس الاقتصادي ليست عبارة عن مجرد حضور، وإنما لها دلالات مباشرة وغير مباشرة.

 

وفي السياق، اعتبر محمد أنه من الممكن استمرار تحسن صرف الليرة السورية في حال شهدت الفترة القادمة تعاوناً دولياً من الدول الحليفة للقيادة السورية سواء تركيا أو قطر أو دول الخليج، من خلال المساهمة في الضخ النقدي بمصرف سورية المركزي، أو البدء بالاستثمارات في السوق السورية بأقرب وقت ممكن، مشيراً إلى ضرورة أن تثبّت إدارة مصرف سورية المركزي سعر صرف معيّن، لتكون الأنشطة الاقتصادية كلها قائمة عليه، فاستدامة استقرار سعر الصرف تعتبر عاملاً مهماً لقطاع الأعمال من وجهة نظره.

وكان الدولار قد تراجع إلى أقل من ثمانية آلاف ليرة في السوق السوداء، الأسبوع الماضي، بعد أن وصل إلى أكثر من 16 ألف ليرة قبل تحرير دمشق، ثم عاود الارتفاع الأسبوع الجاري.