مع وداع رمضان، تتجلى في النفوس معانٍ إيمانية وتربوية عظيمة، من أهمها حسن الظن بالله. فهذا الشهر المبارك مدرسة روحية تعلمنا كيف نقترب من الله، وكيف نتعامل مع أنفسنا بإصلاح القلوب والجوارح. لكن التحدي الحقيقي يكمن فيما بعد رمضان، في الثبات على الطاعة، واستمرار حسن الظن بالله، الذي هو عبادة قلبية لها أثر عميق في بناء شخصية المسلم وسلوكه.

حسن الظن بالله: عبادة إيمانية عميقة

حسن الظن بالله هو اليقين برحمته، والثقة بكرمه، والتأكد من عدله. قال رسول الله ﷺ في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء” (رواه أحمد). وهذا يعني أن نظرتنا إلى الله يجب أن تكون مليئة بالرجاء، فكما أنه وفقنا للطاعة، فهو قادر على قبولها ومجازاتنا عليها بأحسن الجزاء.

ولذلك، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “والذي لا إله غيره، ما أُعطي عبد مؤمن شيئًا خيرًا من حسن الظن بالله تعالى”. فحسن الظن ليس مجرد شعور، بل هو دافع للاستمرار في الطاعة، والتوبة عند الزلل، والتوكل في أمور الحياة.

رمضان والتربية على حسن الظن بالله

ربي الله فينا من خلال شهر رمضان وعباداته التى وفقنا لها  معان عدة منها:

    1.    التوفيق للطاعة علامة قبولها:

يقول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (الليل: 5-7). فمن وجد في نفسه إقبالًا على الخير، فليبشر بأن الله قد يسّره له، وما ذلك إلا من علامات القبول.

    2.    التوبة بعد رمضان بشارة بقبولها:

كم من شخص كان مقيّدًا بالذنوب قبل رمضان، ثم أقبل على الله وتاب في أيامه ولياليه! وهذا دليل على رحمة الله به، فقد قال تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} (التوبة: 118). فالتوبة في ذاتها توفيق من الله، وبشارة بأن العبد قد بدأ طريق القبول.

    3.    الإقبال على القرآن والذكر والدعاء:

يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (القمر: 17). ومن وجد في نفسه سهولة في قراءة القرآن وتدبره في رمضان، فهذا من فضل الله، وعليه أن يستمر في ذلك بعد رمضان.

    4.    الثقة في إجابة الدعاء:

قال الله سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر: 60). وهذا وعد من الله، ومن وفقه الله لرفع يديه بالدعاء، فليثق بالإجابة، كما قال النبي ﷺ: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة” (رواه الترمذي).

 

واعلم أخي أننا جميعا نحتاج لحسن  الظن  والرجاء في فضل الله ورحمته في كل حياتنا  ويتأكد ذلك عند 

    1.    عند الموت:

قال النبي ﷺ: “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله” (رواه مسلم). فالمؤمن يُربّي نفسه على حسن الظن طوال حياته، حتى يكون هذا الشعور معه عند لقائه بربه.

    2.    بعد الطاعة والعمل الصالح:

فمن اجتهد في الصيام والقيام، فليثق أن الله لن يضيع عمله، فقد قال سبحانه: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف: 56).

    3.    عند التوبة من الذنوب:

كثير من الناس يقعون في خطأ اليأس من رحمة الله، لكن الله يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (الزمر: 53). فحسن الظن بالله يدفع العبد للتوبة، لأنه يعلم أن الله يغفر الذنوب جميعًا.

    4.    في أوقات الشدة والكرب:

عندما تمر بالإنسان مصاعب الحياة، فإن حسن ظنه بالله يطمئنه أن الفرج قريب، وأن الله لا يخذل عباده. كما قال النبي ﷺ: “واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا” (رواه أحمد).

حسن الظن بعد رمضان 

لكي يستمر أثر حسن الظن بعد رمضان، ينبغي على المسلم أن:

    1.    يحافظ على الطاعات التي كان عليها في رمضان، ولو بالقليل، فالقليل المستمر خير من الكثير المنقطع.

    2.    يكثر من الاستغفار والدعاء، فالله يحب من يطلبه ويلجأ إليه.

    3.    يراجع قلبه باستمرار، فإذا شعر باليأس أو القنوط، استحضر آيات الرحمة وأحاديث الرجاء.

    4.    يذكر نفسه بأن الله أكرم وأرحم من أن يخذله، فكما أنه وفقه للطاعة، فهو قادر على إكمال إحسانه إليه بالقبول.

وأخيرا

إن حسن الظن بالله هو زاد المؤمن في حياته، وهو السند الذي يجعله يستمر في الطاعة، ويثبت أمام المحن، ويعيش في رضا وطمأنينة. فرمضان يربي قلوبنا على هذا المعنى، وواجبنا أن نحمله معنا طوال العام.

نسأل الله أن يجعلنا من عباده الذين يحسنون الظن به، ويثبتنا بعد رمضان، ويجعلنا من المقبولين الفائزين.