لحوم العلماء مسمومة وسنة الله في منتقصيهم معلومة.. دار حوار بيني وبين أحد المثقفين عن حال السينما المصرية في الفترة الأخيرة، فقلت له: إني لم أر سوى سعار جنسي بدون مبرِّر، ثم إفراط فادح في تناول العلاقات الشاذة، ولعل ذلك أهم ملمح لإثبات التأثر بالغرب.. أما تناول مشاكلنا الاجتماعية بطريقة علمية- أو بحسب التعبير الإعلامي- تناول الظواهر الاجتماعية من منظور نفسي واجتماعي وقيمي، فهذا لم أعثر عليه في أي عمل، وإن كان لديك عمل سينمائي واحد يكسر القاعدة، فدلني عليه، وأكون لك من الشاكرين.. ثم أردفت.. إن المسرح قد اختفى وانتهى، ولم يبق إلا مجموعة قليلة من أعمال المسرح التجاري، التي تكّرس للبلاهة في مجتمعنا (قال: إحنا ناقصين) وإذا بمحدثي يقفز بالحوار قفزة غير رياضية ويبتدرني بالقول: "طيب إيه رأيك فيما تزمع الجهات المختصة عرضه الأيام المقبلة عن جماعة الإخوان، ممثلة في عرض سيرة الأستاذ الإمام حسن البنا".. فلم أعطه فرصة، وقلت له: لقد حسم الكتاب سواء الروائيين أو السينارست، أنهم حين يعرضون لعمل يصوِّر حياة شخصية عامة أو حدثًا تاريخيًّا، يقولون: إن المعالجة الدرامية والرغبة في الاستحواذ على المشاهد تجعلنا نتصرف في التاريخ والواقع، وفقًا للرؤية الفنية للمخرج، وبالتالي فإن ما سيُعرض لا يمت للأستاذ البنا من قريب أو بعيد.. ومن ناحية أخرى.. فإن الظرف التاريخي الذي سيذاع ويُعرض فيه المسلسل هو من باب الغمز واللمز, وتشويه صورة الإخوان في أعين البسطاء، وطبعًا كل هذا من أجل إهالة التراب على الخصم قبيل الانتخابات، وقد نسي هؤلاء أنهم يثيرون الغبار على جزء عزيز من تاريخ مصر.

 

الأستاذ البنا كما يقول الأستاذ المستشار البشري ليس ملكًا للإخوان، بل ملكًا للمصريين جميعًا؛ لأنه جزء من تاريخ مصر، وكذلك الحال مع النحاس، وسعد وعبد الناصر، وغيرهم الكثير.

 

إن العقلية الأمنية التي تدير مصر لا تفكر إلا في التشويه والإفساد؛ لأنها عاجزة عن الإقناع والتوضيح والشرح، عقلية ترى الخصومة في كل صوت أو نداء، ولو أصاخت السمع لعلمت أنه صوت محب للصالح العام، وما البرادعي (آخر دفعته) عنا ببعيد، ألا تذكر ما الذي كان يُذاع في التليفزيون ليل صباح، عشية الانتخابات في الفترة التي كان فيها الوفد (رد الله عليه عافيته) يتنافس في الانتخابات، نفس المنهج يُصور العهد الملكي في صورة الباشا الفظ والإقطاع المستبد.. الرسالة الإعلامية الأمنية واضحة للعيان أهدافها.. وهي أهداف ساذجة تستهدف البسطاء.. نحن بحاجة إلى حركة نقد أدبي مخلصة لوطنها وتاريخه، تتصدى لمثل هذه الأعمال المدمرة لتاريخ مصر.. أما ما يخص الأستاذ البنا تحديدًا فأنا أقول..: لحوم العلماء مسمومة.. وسنة الله في منتقصيهم معلومة، وإليكم مودتي؟

-----------

* المحامي بالنقض