يقولون إن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، أو تصورك للشيء جزء من الحكم عليه.. ومن بين ما يكاد يتفق عليه الكثير ممن يتابعون حركة التاريخ والاجتماع وصراع الحضارات وغير ذلك من العلوم الإنسانية أن أيَّ بلدٍ لا يمكن أن يصل به الغباء إلى أن يمدح عدوَّه؛ لأن في مدح العدو شهادة له بصحة ما يقوم به، كما أن هذا المدح يزيد من شعبية ذلك العدو، وهو ما لا يمكن أن يكون في مصلحة ذلك البلد.

 

وفي الآونة الأخيرة صدرت عدَّة شهادات من خبراء صهاينة ليس من مصلحتهم أن يمتدحوا منهج الإخوان المسلمين، خصوصًا للعداء التاريخي المستحكم بين الإخوان واليهود منذ حرب فلسطين، والبطولات التي ما زال المنصفون في العالم يشهدون بها، وخصوصًا أيضًا إذا صدر هذا المدح من مركز أبحاث صهيوني برعاية أمريكية حول الحركات الإسلامية في الأرض المحتلة.

 

والخبر ورد في مقال الصحيفة (جيروزاليم بوست) في عددها الصادر بتاريخ 3/6/ 2010م ففي قلب فلسطين المحتلة أو ما يُعرف بعرب 48 ظهرت حركات منها ما هو علني ومنها ما هو سري، يكمن الهدف الذي يجمعها هو التخلص من الاحتلال الصهيوني أو على الأقل تحقيق كيان مستقل يضمن الاستقرار لأبناء الأرض الأصليين من عرب فلسطين مسلمين ومسيحيين، وأبرز هذه الحركات الحركة الإسلامية بمدينة أم الفحم الصامدة، والتي تأسست عام 1971م على يدِّ الشيخ عبد الله نمر درويش والتي يرأسها الآن المجاهد الشيخ رائد صلاح الذي يشهد العالم باعتداله ووطنيته.

 

لكن لليهود بالطبع رأي آخر، فكثيرًا ما اعتقل الشيخ رائد صلاح بتُهَم كثيرة على رأسها تمويل حركة حماس، وهي تهمة دائمًا ما ينفيها الشيخ لا لأنها سبة أو جريمة، ففي الواقع هي شرف لكل عربي بغضِّ النظر عن دينه أن يمول حكومة اختارها الشعب الفلسطيني؛ لتقوده إلى تحرير أرضه، لكن التهمة كغيرها من التهم غير صحيحة، إذ إن مراقبة جهاز المخابرات الصهيوني على مدار الساعة للعرب عامة ولأصحاب الصوت الوطني للتحرير خاصة يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل حدوث ذلك، وآخر التهم وليس آخرها أن جهاز المخابرات الصهيوني الشين بيت اتهم الحركة الإسلامية التي يرأسها الشيخ رائد صلاح بأنها تستقي فكرها وطريقة تربية أفرادها من منهج الإخوان المسلمين، إلى هنا والأمر عادي فما ينتظر المرء من الصهاينة إلا هذا.

 

لكن عندما تنقل صحيفة صهيونية واسعة الانتشار مثل (جيروزاليم بوست) عن مدير مركز أبحاث صهيوني برعاية أمريكية تصور الباحثين الصهاينة عن منهج الإخوان المسلمين، فهو أمر يحتاج من يتحامل عليه إلى وقفة؛ حيث إن هذه شهادة الأعداء بل الأعداء الألداء، فتنتقل الصحيفة في عددها الصادر بتاريخ 30-6-2010م عن رأوفين راز مدير مشروع أبحاث حول الحركات الإسلامية بمركز جلوريا التابع لمركز ID للأبحاث بالولايات المتحدة قوله: إن الحركة الإسلامية – يقصد داخل فلسطين – هي نظام يقوم على الدعوة ومبادئها مطابقة تمامًا لمنهج حماس التابعة للإخوان المسلمين، ويوضح بأن الإستراتيجية التي تقوم عليها الحركة الإسلامية فيقول: إن الحركة لا تعد جيلاً من المقاتلين لكنها- والكلام لا يزال لبارز تغرس- توجهات داخل عرب إسرائيل تؤدي إلى معارضة وجود إسرائيل كدولة يهودية.

 

والسؤال: إذا كان النظام لا يصدق أصدقاء الإخوان لأنهم متحيزون؛ بسبب عدائه للإسلام عامة وللحركات الإسلامية على وجه الخصوص، وفي القلب منها الإخوان المسلمون، ولا يصدق الأصوات العاقلة من داخله والتي كثيرًا ما تحثُّه على فتح قنوات حوار مع الإخوان المسلمين، فماذا يريد النظام إذن؟

 

بحثت فوجدت إجابات كثيرة، لكن ما لا يختلف عليه أحد أن النظام يشعر بالغيرة عندما يجد جماعة أفرادها لا يمتلكون ما تملكه مؤسسات النظام ومع ذلك نجح هؤلاء في كسب ثقة الناس؛ لقيامهم بالخدمة العامة دون انتظار الأجر إلا من الله، بينما أفراد النظام لا يمتلكون مؤهلات شخصية وليس لديهم استعداد لأن يعترفوا بذلك، فضلاً عن أن يتعاونوا مع غيرهم من خلق الله الذين يسعون لإصلاح ما أفسده الكبار في سدة الحكم، سواء كانوا من أهل السياسة أو من المنتفعين من رجال الأعمال.

 

بالطبع لا يسعى الإخوان المسلمون إلى الحصول على مدحٍ من هنا أو من هناك، فمنهم من أثبت فاعليته، والعبرة بالتجربة، لكنها كما قال عنوان المقال: "إن الفضل ما شهدت به الأعداء".