كتب- سمير سعيد*

من بروكسيل حيث اجتمع الشركاء الأوروبيون لإجبار السودان على قبول خيار القوات الدولية في دارفور، وإلى أعمال العنف المتنامية في الإقليم المشتعل- سقط مائة في يوم واحد في اضطرابات قبلية هناك- يبدو أنَّ الأيام القليلة القادمة سوف تَشْهَد تَجَدُّد التَّوَتُّر بين السودان والدول الغربية حول ملف الأزمة في إقليم دارفور غربي السودان، خاصةً على ضوء ما حدث أخيرًا في صدد الدعوة التي وجَّهها الاتحاد الأوروبي للحكومة السودانية لقبول قوات دولية لتحلَّ محلَّ قوات الاتحاد الإفريقي، والتي يتهمها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالفشل في تحقيق الأمن والاستقرار في إقليم دارفور، وهو الأمر الذي ترفضه بشدة الحكومة السودانية، مما دفع الأمور إلى التصعيد السياسي بين الأخيرة والقوى الغربية.

 

وقال الاتحاد الأوروبي في إعلان رسمي وجَّهه للسودان: إنَّ "الخيارَ الوحيدَ الواقعيَّ والقابلَ للتطبيق في دارفور على المدى البعيد هو عملية للأمم المتحدة"، وذلك رغم الرفض القاطع للحكومة السودانية لهذا الخيار.

 

وإذا ما قارنَّا تَجْرُبَة القوات الدولية في الجنوب السوداني والدعوات الحالية لإرسال قوات دولية أخرى لإقليم دارفور فإنَّ هناك حقائقَ كثيرةً ستتكشف، وستكشف هذه الحقائق المُخَطَّطَات والمؤامرات التي تستهدف النَّيْلَ من وحدة وسلامة الكيان السوداني وترابه الوطني، ليس هذا فحسب، بل وتُهَدِّد الأمن القومي العربي والأفريقي ككل في تلك المنطقة المشتعلة.

 

وأولاً وقبل كل شيء يجب تَوْضِيح حَقِيقة غائبة عن الكثيرين على خلفية الدعوات لإرسال قوات دولية لدارفور كما هو الوضع في الجنوب ورفض الحكومة السودانية لاستقبال قوات كهذه, هذه الحقيقة هي أنَّ رفض الحكومة السودانية قائمٌ على عدة أسس منطقية وقانونية.

 الصورة غير متاحة

 تصاعد الرفض الشعبي لدخول أي قوات أممية إقليم دارفور

 

فمن الناحيةِ القانونيةِ ليس السودان مُجبرًا على استقبال هذه القوات كما حدث في الجنوب؛ لأنَّ اتفاقيات السلام الموقَّعة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في نيروبي كانت تنصُّ على إرسال قواتٍ دوليةٍ إلى الجنوب السوداني, وذلك استجابةً لمطلبِ وفد التفاوض الجنوبي, كأحد الضمانات، ولفرض الأمن وتطبيق الاتفاقيات المُوَقَّعَة، وهو ما لم يَنُص عليه اتفاق أبوجا الأخير الموقَّع بين الحكومة السودانية وفصيل الزغاوة في حركة تحرير السودان في دارفور بزعامة ميني أركوي ميناوي، بل نَصَّ اتفاق أبوجا على ترك هذه المهمة لقوات الاتحاد الأفريقي، وبناءً عليه فإن هذه القوات متواجدةٌ الآن وفق ما تمَّ الاتفاق عليه في أبوجا، ومن هنا لا حاجةَ لقواتٍ دوليةٍ أو غيرها.

 

على جانب آخر، ماذا كانت نتيجة إرسال القوات الدولية إلى الجنوب السوداني والتعهدات الدولية بدعم وإعمار الجنوب؟

 

من خلال التقارير المتوافرة والمعلومات الموجودة في هذا المُقام، كانت نتيجة ذلك إهمال اللاجئين والنازحين من سكان الجنوب، والذين يَبْلغ عددُهم نحو خمسة ملايين، ولم تُقَدِّم لهم الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الدول التي تُطالب بإرسال قوات دولية لدارفور الآن- كما فعلت في السابق مع الجنوب- الدَّعمَ الَّلازم لإغاثة هؤلاء ومساعدتهم في العودة إلى قراهم ومدنهم وبيوتهم، وهذا ما أكَّدَتْه التقارير الدولية الصادرة عن هذه المؤسسات نفسها!

 

فقد جاء في تقرير المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أنَّ عَدَد اللاجئين الَّذين عادوا للجنوب بمساعدة المفوضية بلغ 10 آلاف شخص من بين 500 ألف شخص، وفي الوقت الذي تحتاج فيه كُلفة الإعادة إلى 376 مليون دو