من تراث المرشد الراحل الأستاذ مصطفى مشهور

ديننا الإسلامي يحث على العلم والتعلم ويقدر مكانة العقل ومعجزته - القرآن الكريم - تخاطب العقل والوجدان على مر الأزمان ولكل الأجناس

وآياته الأولى أسطع دليل على ذلك

{ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم }

كما يدعو إلى التفكر والنظر في هذا الكون واكتشاف ما أودعه الله فيه من أسرار لتسخيره لخدمة الإنسان

* ولقد استجاب المسلمون الأولون  لهذا التوجيه وكان لهم الفضل في وضع أسس العلوم الحديثة رغم ضعف الإمكانيات في عصرهم

* وإذا كان واجب كل مسلم أن يهتم بالعلم والثقافة فرجال العقيدة الذين يتصدون لتحقيق أعظم إنجاز في هذا العصر وهو التمكين لدين الله بإقامة دولته يصير لزاما عليهم أن يكونوا على مستوى من ثقافة الفكر متناسبا مع المهمة خاصة وأننا في عصر العلم.

*ثقافات أساسية

وأول ما نعنيه من ثقافة الفكر لرجل العقيدة أن يعلم الأسس والأصول التي يقوم عليها الإسلام وما تصح به عقيدته وسلوكه وأن يفهم هذا الدين على أنه منهاج متكامل ينطن كل شئون الدنيا والآخرة وأنه ليس مجرد عبادات وطقوس فقط

وعليه أن يعلم معنى انتمائه لهذا الدين ومتطلباته منه وخاصة في هذه المرحلة من عمر الدعوة بعد إسقاط الدولة والخلافة .

وعليه أن يديم التعرف على أحوال الأمة الإسلامية في الأقطار المختلفة وما تتعرض له وما تحتاجه من عون وطبيعة الصراع القائم بين الإسلام وأعداء الإسلام خاصة والأحداث متلاحقة ومتداخلة

ولما كنا في عصر تتزاحم وتتصارع فيه المبادئ والأفكار فعلى رجل العقيدة أن يجتهد في الإلمام ما استطاع بالتيارات الفكرية خاصة التي تدخل في مواجهات مع الإسلام وعقيدة الإسلام للتعرف على الأسلوب الأمثل لمواجهتها وتفنيدها .

كفاءات في كل مجال :

ولما كان الإسلام منهاجا كاملا للحياة والمطلوب أن نبني أوطاننا على مبادئ الإسلام لزم أن يتوفر بين العاملين لتحقيق هذا الهدف الكفاءات المتخصصة في كل مرافق الدولة بحيث يتحقق الاكتفاء الذاتي في كل المجالات مع الحرص على الارتقاء بمستوى هذه الكفاءات والاستفادة من كل حديث ( فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها ).

* الاهتمام بالمؤسسات التعليمية :

لهذا يجب الاهتمام بمؤسساتنا التعليمية على كل المستويات لتخريج هذه الكفاءات النافعة والإسلام يدعو إلى ربط العلم والثقافة بالخالق سبحانه وتعالى { اقرأ باسم ربك }

فالعلوم الحديثة تكشف لنا كل يوم عن عظمة الله وإبداعه في خلقه بما يولد في النفس الشعور بالإجلال والتعظيم لله

وهكذا لا نريدها ثقافة مجردة ولكنها تنعكس سلوكا وعملا بناء في خير البشرية ومستجيبة لتوجيه الله لعباده ، والقرآن يذكرنا بهذه المعاني في قوله تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء }

{ ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقينا عذاب النار }

فعلى طلابنا أن يكونوا قدوة لغيرهم في التفوق في دراستهم وعلى كل متخصص في مهنة أو حرفة أن يتقن تخصصه ويرقى بفنه أو حرفته فممارسته لمهنته مع إخوانه المسلمين عبادة وقربة إلى الله .

* الفهم الصحيح :

وثمة مقوم هام من مقومات رجل العقيدة وهو أن يفهم الإسلام الفهم الصحيح الشامل النقي كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن أي اجتزاء أو انحراف أو خطأ حتى إذا دعونا غيرنا لهذا الدين يجب أن ندعوهم إلي هذا الفهم الصحيح ثم إن الهدف المنشود هو التمكين لهذا الدين في الأرض وتبليغه للناس كافة فمن البديهي أن يمكن له بالفهم الصحيح الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكما أراده الله دون اجتزاء أو انحراف أو خطأ .

 ولقد حاول أعداء الإسلام أن يحصروا الإسلام في أمور العقيدة والعبادة والأخلاق فقط مع ما أدخلوه على هذه الجوانب من نقص وانحراف وأبعدوا  عن حياة المسلمين الفهم الشامل للإسلام

ولما قام الإمام الشهيد حسن البنا يدعو إلى هذا الفهم الصحيح الشامل كان مستغربا عند الكثيرين ولكنه رضى الله عنه كان حريصا كل الحرص على تأصيل هذا الفهم الشامل وتخليص الإسلام من الشوائب والبدع والخرافات التي ألحقت به

ولذلك جعل الفهم الركن الأول من أركان البيعة ووضع له أصولا عشرين كإطار يحمى هذا الفهم من أي اجتزاء أو انحراف أو خطأ .

آثار الفهم غير الصحيح :

ولو نظرنا لوجدنا أن السبب في ظهور فرق وشيع مختلفة بين المسلمين هو اختلافهم في فهمهم للإسلام ومدى بعدهم أو قربهم من الفهم الصحيح الواجب اتباعه ومعلوم أن الاختلاف في الفهم يترتب عليه اختلاف في السلوك والعمل

وقد لمسنا ذلك عندما انحرف بعض الأفراد في فهمهم وكفروا غيرهم من المسلمين ولما كان هذا الفكر مخالفا للأصل العشرين تم التصدي له وتفنيده وعدل عنه الكثيرون ولما أصرت عليه قلة تمت مفاصلتهم مفاصلة تامة دون مجاملة .

ولو نظرنا أيضا إلى الساحة الإسلامية اليوم نجد تجمعات إسلامية بينها وبين بعضها لون من ألوان الاختلاف في فهمهما للإسلام فبعضها يركز على جوانب من الإسلام دون الجوانب الأخرى

كما نجد بعض الجماعات في فهمها انحراف أو خطا في بعض الجوانب .

* نريد توحيد الجهود :

والواجب يقتضي أن تبذل الجهود بين قيادات هذه الجماعات لتوحيد الفهم والعودة إلى الفهم الصحيح والبعد عن كل مخالفة له فيساعد ذلك على توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تواجه المسلمين وليكن في حسنا أن أعداء الإسلام يعملون منذ زمن بعيد على تشويه الإسلام وإثارة الشبهات حوله وتكوين بعض الجماعات المشبوهة التي تسئ  إلى الإسلام وتساعد على تمزيق وحدة المسلمين

كفانا دفاعا عن الإسلام ورد الشبهات عنه نريد تقديمه بكماله وشموله وقوته واعتداله مستغلين كل حديث من وسائل الإعلام ولن يكون ذلك إلا إذا التزمنا بالفهم الصحيح الشامل للإسلام.

* الإسلام هو الحل

واليوم هناك شعار ( الإسلام هو الحل ) رفعه العاملون في حقل الدعوة الإسلامية وهذا يقتضي أن نقدم الإسلام بشموله وتكامله وأنه منهاج كامل لتنظيم حياة الناس كمجتمعات وكدول وأنه الحل الأمثل بل الوحيد لكل أمور حياتنا لأنه من عند الله

لذلك نجد الإمام الشهيد يوضح ذلك في الأصل الأول من الأصول العشرين تحت ركن الفهم فيقول ( الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء وهو مادة وثروة أو كسب وغنى وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ).

حملات طائشة :

لقد ظهر في مجتمعاتنا الإسلامية من ينادون بفصل الدين عن الدولة  ومن يقولون لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة  ، وهذا نتيجة جهلهم بحقيقة الدين أو أنهم يعلمون ولكنهم  يكيدون وهناك من يحلو لهم تقسيم الإسلام إلى إسلام سياسي وإسلام عقيدي وعبادي ومن يقولون اليسار الإسلامي أو من يصفون الحكومة الإسلامية بأنها حكومة دينية ذات تفويض إلهي تتحكم في أقدار الناس كيف تشاء .

جميع هؤلاء إن كانوا يجهلون حقيقة الإسلام لا نعذرهم بجهلهم في عصر العلم والمعرفة وإن كانوا يعملون ولكن يحقدون ويكيدون ويريدون التشكيك فنقول لهم :وفروا جهودكم فلن تستطعيوا أن تنالوا من حقيقة الإسلام لأنه دين الله ونور الله ولن يطفئ نور الله بشر

ونعود ونقول للمسلمين عامة والعلماء منهم خاصة أن يحرصوا على إبراز الإسلام بفهمه الصحيح الشامل وتنقيته من كل دخل أو لبس أو بدع وخرافات لينالوا شرف الدعوة إليه وهداية الناس إليه

{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين }.

* القدوة الحسنة :

ولكي يكون للدعوة الإسلامية الأثر لابد أن يلزم الداعون إليه أنفسهم بكل ما يدعو إليه الإسلام من آداب وتعاليم وسلوك وأخلاق ومعاملات وأن يظهر ذلك في الأفراد والأسر والمؤسسات التجارية والاقتصادية والمؤسسات التعليمية والنوادى الرياضية وكل موقع من حياة المجتمع فالقدوة العلمية أكثر تأثيرا من مجرد الوعظ والإرشاد .

-------
من رسالة "مقومات رجل العقيدة على طريق الدعوة" للأستاذ مصطفى مشهور