استيقظت وذهبت إلى المطبخ بعينين نصف مفتوحتين لأعد وجبة السحور لزوجي وأبنائي، وبينما يداخلني الاستيقاظ شيئًا فشيئًا سمعت صوت زوجي وهو يقرأ القرآن في صلاة التهجد في انتظار انتهائي من إعداد السحور، داخلني شعور بالغيظ من هذا الوضع المتكرر، فحتى في وجبة الإفطار يجلس زوجي في لحظات اليوم الأخيرة من الصيام يتلو القرآن وأنا أعد طعام الإفطار في المطبخ.

سرحت في الشعور الروحاني الرائع عندما أكون وحدي في قيام الليل أدعو الله وأناجيه وأتلو آياته، ثم يؤذن الفجر فأصليه بتدبر وخشوع، وقد غمرتني شحنة إيمانية لها حلاوة في القلب لا تعادلها أية سعادة في الدنيا.

وها أنا الآن أقضي أفضل أوقات رمضان الحبيب في المطبخ وبين أوانيه.

نعم أعرف أنه لو صدقت نيتي في خدمة زوجي وأبنائي وأنها لله وامتثالاً لأمر رسول الله: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها" يكون كل جهدي هذا عبادة لله سبحانه وتعالى، فمالي لا أشعر بالشعور الروحاني الجميل والشحنة الإيمانية بعد هذه العبادة- أليست خدمة زوجي وأبنائي عبادة كالخشوع في الصلاة و قيام الليل؟!.

بل إنني لو قمت بواجباتي المنزلية بحبٍّ وانشراح لإدخال السرور على أفراد عائلتي، لكانت من أحب الأعمال إلى الله لما ورد عن عبد الله بن عمر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم".

وهنا برقت عيناي وأنا في مطبخي.. صح أنا في عبادة وزوجي متفرغ لصلاته؛ لأنني أعد له سحوره، فأنا أشاركه في الأجر إن شاء الله، بل لعلي أقوم بالعبادة الأصعب؛ وهي الوقوف على خدمة زوجي وأبنائي في حر المطبخ، بينما الأسهل هو القيام أمام المراوح أو التكييف والتلذذ بتلاوة القرآن وتدبره.

تذكرت قول المجاهد لأخيه الذي كان يتعبد في الحرم:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنــا             لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه                فنحورنا بدمائنا تتخضب

فأنا هنا في مطبخي أتعب وأتصبب عرقًا أعد طعامًا يعين زوجي وأبنائي على الصيام والقيام، فكل عبادتهم في ميزان حسناتي إن شاء الله.

نعم.. سأشعر بحلاوة الشحنة الإيمانية والسمو الروحي، وأنا أغرق في عرقي في حر المطبخ وحر الصيف، وأعد طعام الإفطار للزائرين بنية صلة الرحم وإطعام الطعام- فكلما زادت معاناتي في سبيل الله زادت سعادتي!.

لو أن فتاة عادت من صلاة التراويح وقامت بمعاونة والدتها بنية برها ونظفت لها المطبخ أو الحمام- ألا تستحق أن تشعر بنفس شعور حلاوة الإيمان والسمو بعد صلاة التجهد في نفس الليلة.. بل وتتوسل بهذا العمل في دعائها كما توسل الثلاثة الذين كانوا في الغار، وسدت الصخرة بابه؛ فقد توسلوا بإخلاصهم في أعمال صالحة.

هذه ليست دعوة لترك العبادة والانشغال عنها بالأعمال البيتية؛ ولكنها دعوة لتجديد النية واحتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى.

ويمكن بقليلٍ من تنظيم الوقت إنجاز طعام الإفطار قبل المغرب بوقتٍ كافٍ، ثم أجلس وسط زوجي وأبنائي ندعو الله تعالى قبل أذان الغرب، فما أحلاها من لحظات إن وفيت ما عليَّ من واجبات، ثم جسلت أوفي حق ربي.

وكذلك أثناء السحور، فلن يفوتني الاستغفار في أثناء تحضيره حتى أكون من المستغفرين بالأسحار.

خلاص!!! لن يكون في رمضان هذا العام إعادة لمسلسل أنا في المطبخ وزوجي يتهجد..

وفي انتظار اقتراحاتكم بمسلسلات أخرى...