بقلم: د. رشاد لاشين
المرأة في حالة المخاض وبعده، تحتاج إلى العون، والمساعدة، والاهتمام ،والرعاية، والدراية الطبية اللازمة، والتغذية النافعة المفيدة، وتدبير أمر صحتها، وتجنيبها المخاطر المحتملة في محطة الولادة الكبيرة التي هي معبر بين رحلتين مهمتين، رحلة الحمل بآلامه، وآماله، ورحلة الرضاعة والرعاية والتربية.
رأس الدولة يهتم بالولادة :
==============
ويقدم سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مثلاً رائعًا لنا في تحقيقِ كل ما سبق من أمور تخص رعاية المرأة عند الولادة، وقبل أن نوضح فقهه وجهودَه في المساعدةِ عند الولادة، أترككم معه مباشرةً لتروا أداءه الرائع في حالةِ ولادة تعامل معها كما ورد في الرواية:
"عن جراد بن طارق قال: أقبلتُ مع عمر بن الخطاب من صلاة الغداة، حتى إذا كان في السوق فسمع صوت صبي مولود يبكي حتى قام عليه فإذا عنده أمه، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: جئتُ إلى هذا السوق لبعض الحاجة، فعرض لي المخاض فولدت غلامًا -وهي إلى جانب دار قومٍ في السوق- قال: هل شعر بك أحدٌ من أهل هذه الدار؟ أما إني لو علمتُ أنهم شعروا بك ثم لم ينفعوك فعلتُ بهم وفعلتُ بهم، ثم دعا لها بشربة سويق ملتوتة بسمن فقال: اشربي هذا فإنَّ هذا يقطع الوجع، ويقبض الحشي، ويعصم الأمعاء، ويدر العروق -وفي لفظ: فإنَّ هذا يشدُّ أحشاءك، ويسهل عليك الدم، وينزل لكِ اللبن- ثم دخلنا المسجد". (رواه ابن السني وأبو نعيم معًا في الطب. انظر: كنز العمال الإصدار 2.01 - للمتقي الهندي المجلد الثاني عشر.. شمائله رضي الله عنه)
التربية الراقية رحمة ورعاية :
================
لننظر معا، كيف تعامل أتباع الحبيب العظيم محمد -صلى الله عليه وسلم- مع رعيتهم برحمةٍ ونخوةٍ ورعايةٍ واهتمام.. فهذا عمر بن الخطاب -خليفة المسلمين وليس رئيسًا لدولة واحدة فقط، يمرُّ ليتفقد أحوال الرعية، ولا يعيش بمعزلٍ عن الشعب؛ يتأثر للصغير قبل الكبير، فنراه هنا يفزع ويهتم اهتمامًا شديدًا حينما سمع بكاء طفل حديث الولادة، ويباشر الأمر بنفسه، ولا يُرسل نائبًا عنه بدعوى كثرة مشاغله، وهل لم يبقَ أمامه سوى متابعة طفلٍ باكٍ، ألا إنها الرحمة والإنسانية.. يذهب فيجد أم الطفل بجواره استضافها أهل بيت بجوارِ السوق فيسألها عن شأنها ويعرف أنها وضعت لتوها، فلا يكتفي بمجرد الاطمئنان، بل يختبر نخوةَ المحيطين بالمرأةِ في حالةِ الولادة، ويسأل ليعرف هل اهتموا بها أم لا؟ هل ساعدوها ووقفوا بجانبها أم لا؟ هل قاموا بواجبهم نحوها أم لا؟ ثم يدعمها نفسيًّا ومعنويًّا بنخوته الرائعة بقوله: "أما إني لو علمتُ أنهم شعروا بك ثم لم ينفعوك فعلتُ بهم وفعلتُ بهم".. نعم فالمرأة في هذا الوقتِ في حاجةٍ كبيرةٍ إلى الدعم المادي والمعنوي ومَن يُقصِّر فيها يحتاج إلى الزجر والعقوبة؛ وحينما اطمأن أنهم ساعدوها لم يكتفِ بذلك، بل يُعلمنا دروسًا مهمة ينبغي أن يتعلمها كل رجل، وكل زوج حتى يقوم بواجب رعاية الأم عند الولادة، وهي الرعاية الطبية والرعاية الغذائية اللازمة لكل والدة، فيأمر لها تحت إشرافه بوصفةٍ غذائيةٍ متوفرة في بيئتهم المحلية.. هذه الوصفة تنمُّ عن فقهٍ واسعٍ بتدبيرِ شئون الولادة والمخاض، ويُقدِّم لها الإرشادات والتعليمات المباشرة؛ ليوضح لها وللجميع أمر الرعاية اللازمة وهي:
1- تخفيض الألم.
2- إيقاف الدم.
3- رعاية القناة الهضمية.
4- تنشيط الدورة الدموية.
5- إدرار اللبن.
ما شاء الله.. مدرسة رائعة في التعاملِ مع الولادة تتمثَّل في الآتي:
1- الاهتمام والهمة العالية التي تدفع للرعاية.
2- تقديم العون في الوقت المناسب بلا تأخير.
3- تحريك المحيطين وبث روح النخوة والمساعدة فيهم.
4- تقديم الدعم النفسي والمعنوي.
5- العلم الشامل بأمور الرعاية المطلوبة طبيًّا وغذائيًّا.
6- تقديم النصائح وشرح الإرشادات اللازمة.
7- التعامل مع الموقفِ بفقه الواجبِ مع مراعاةِ الضوابط الشرعية، وعدم الانكماش بدعوى الحياء أو الخجل.
وبعد:
فهذه رسالة عن عظمةِ محمد -صلى الله عليه وسلم- وعظمة أتباعه، وهي مدرسة لكل زوجٍ بل للمجتمع بأَسره أن يهتم بالمرأةِ عند الولادة وأن يُوفِّر لها سُبل الرعايةِ الطبية بالولادة في المستشفياتِ المجهزة والرعاية الغذائية بتقديم الوجبات الكافية والاجتماعية بتقديم الاهتمام، والدعم المادي والمعنوي، وأن يتسلح الجميع بالعلمِ والسلوك اللازم في هذا الظرف المهم لكل أم ولكل أسرة بل للمجتمع بأسره.