بقلم: د. رشاد لاشين

يرى بعض الآباء أن تربية الطفل تحتاج إلى كثرة الأوامر والتعليمات والنصائح والإرشادات والحزم والشدة والعقاب حتى يستقيم الطفل على السلوك ويكون على حذرٍ مما قد يُصيبه إن هو خالف أو انحرف؛ حتى تكوَّنت فكرة عند قطاع من المجتمع أن الأب الذي يُربي أبناءه هو الحازم الصارم الذي يعاقب أبناءه وليس فقط يعاقبهم.. بل على حدِّ التعبير الدارج (يموتهم من الضرب)؛ نعم قد يلجأ الطفل الخائف من العقاب إلى ضبط السلوك حينًا من الوقت ولكن لن يحافظ على ذلك كل الوقت وسيضطر الطفل إلى تأدية السلوك ليس حبًّا في السلوك ولكن تجنبًا للعقاب والأذي الذي يناله، وسيظل يُفكِّر في لحظة الخلاص التي يستريح فيها من هذا السلوك المفروض عليه دون إرادته بل من مصدر العقاب نفسه.

وأطفال الأب الشاهر عصاه دائمًا قد يضطرون إلى حزمةٍ من المشكلات السلوكية حينما يخطئون؛ كي يجنبوا أنفسهم العقاب الصارم، وهذه الحزمة تتمثل في الآتي: (الكذب- الخوف- الخداع- الجبن- النفاق- التضليل.....).

وهناك بعض الأطفال لا يُؤثر فيهم الضرب أو العقاب بل يستمرئونه بعد فترة، ويستعصون على الاستجابة، ويشتد الاشتباك بينهم وبين الآباء إلى حدِّ الصراع وتضيع هيبة الأب والأم، ويضطر الابن للسير في طريق العقوق وتضيع عملية التربية.

لذا بدلاً من أن يصل الآباء إلى حدِّ الفشل في توجيه الطفل وتصحيح سلوكه أو ينتجون تربيةً مشوهةً تتلقفها المشاكل من كل جانبٍ.. هيَّا نتعرف معًا على كيفية التأثير وصناعة ضمير الطفل فصناعة الضمير وتكوين مفهوم الواجب عند الطفل يتحقق بالحب والمكافأة وليس بالشدة والعقاب، فرسول الله- صناعة الضمير الطفل- أعظم مُربٍّ قاموسه التربوي لم يحتوِ على اللوم أبدًا، فضلاً عن الشدة والعقاب: روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: "خدمت النبي- صناعة الضمير الطفل- عشر سنين فما أمرني بأمرٍ فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني، فإن لامني أحد من أهل بيته إلا قال دعوه فلو قُدِّر أو قال لو قُضى أن يكون كان".

معادلة التأثير وصناعة الضمير : قدوة+ حب+ حوافز ومكافآت+ توافق وانسجام= قبول وتبني للسلوك= صناعة الضمير

1- القدوة:

الطفل يقلد بطبيعته، ويتعلَّم بالتأسي أكثر مما يتعلم بالتلقي؛ لذا ينبغي أن يكون الأب والأم قدوةً لأبنائهم، لأن لسان الحال أبلغ من لسان المقال، وقد أكد علماء الإسلام قديمًا وعلماء التربية حديثًا أن الطفل يكون لديه استعداد كبير لاكتساب السلوك والعادات الحسنة والسيئة، بحسب ما يعوده المربون، كما قال الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوَّده أبوه

وما دان الفتى بِحِجىً ولكن *** يُعلمه التديُّن أقربوه

2- الحب:

الحب المتبادل والاحترام أساس غرس القيم وتعليم السلوك فالطفل يطيع عندما يحب، ويعصي عندما يكره.. إن المحب لمَن يحب مطيع.

يرتبط الطفل بالسلوك بقدر جرعة الحب التي يحصل عليها، وكلما زادت جرعة الحب زاد ارتباط الطفل بالسلوك وزاد قلقه من احتمال فقدان الحب إذا فرَّط في السلوك، فالطفل الذي لا يشعر بحبِّ والديه لا يكون لديه ما يخشى على فقدانه، وبالتالي فإنه يصعب أن نتصور في هذه الحالة كيف يمكن أن يتمثل الطفل معايير وقيم المجتمع الذي ينتمي إليه.

3- التوافق والانسجام:

الجو المشحون باللوم والعتاب والتأنيب والعقاب يشعر الطفل بأنه منبوذ ويولد النفور والرفض لذلك كانت عناية الرسول- صناعة الضمير الطفل- بالأطفال، سواء أكانوا أبناء بناته أو أبناء الصحابة عمومًا، حتى قال أنس- رضي الله عنه-: "ما رأيت أحدًا أرحم بالعيال من رسول الله صناعة الضمير الطفل".

تبني الطفل لقيم ومعايير الوالدين يعتمد على مقدار الدفء والحب اللذين يحاط بهما في علاقته بوالديه.

ومن خلال هذه الحقيقة نستطيع أن نرى أن الطفل الذي يتوافق وينسجم بقوةٍ مع الوالد يكون أسرع بالطبع في تبني المعايير السلوكية؛ لذلك الوالد لذا على الأبوين أن يحرصا على:

1- أن يكون التعامل برفق ولين ومرونة بعيدًا عن القسوة والغلظة أو الشدة والجمود، فنخاطب الطفل على قدر عقله بالتوجيه الهادئ اللطيف عندما تقتضي الحاجة دون اللجوء إلى الإرغام.

2- أن نحرص على أن يتبنى الطفل السلوك من داخله وبإرادته حبًّا وليس خوفًّا.

تكوين ضمير الطفل يعتمد على قوة توافق وانسجام الطفل مع شخص يحبه، والتوافق والانسجام يتحقق عن طريق:

أولاً: بالثناء على السلوك الطيب للطفل وبث روح القبول والارتياح والإعجاب والتفضيل لنهجه وطريقته في الأعمال الطيبة التي يقوم بها.

وثانيًا: بتجنب اللوم والعتاب والتأنيب والتغاضي أحيانًا عن بعض الأخطاء وحين الوقوع في الخطأ نعيب السلوك ولا نعيب الشخص.. "بغض الذنب لا المذنب"، حيث أخرج ابن عساكر عن أبي قلابة: "أن أبا الدرداء- رضي الله عنه- مرَّ على رجلٍ قد أصاب ذنبًا فكانوا يسبونه.

- فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟

- قالوا: بلى

- قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم

- قالوا: أفلا تبغضه؟

- قال: بل أبغض عمله فإن تركه فهو أخي".

4- الحوافز والمكافآت:

المكافأة والإثابة منهج تربوي أساسي في تسييس الطفل والسيطرة على سلوكه وتطويره، وهي أيضًا أداة مهمة في خلق الحماس ورفع المعنويات وتنمية الثقة بالذات حتى عند الكبار أيضًا؛ لأنها تعكس معنى القبول الاجتماعي الذي هو جزءٌ من الصحة النفسية، والطفل الذي يُثاب على سلوكه الجيد المقبول يتشجع على تكرار هذا السلوك مستقبلاً، والعكس بالعكس، فالطفلة التي رغبت في مساعدة والدتها في بعض شئون المنزل كترتيب غرفة النوم مثلاً ولم تجد أي إثابةٍ من الأم فإنها تلقائيًّا لن تكون متحمسةً لتكرار هذه المساعدة في المستقبل أما إذا بادرتها الأم بقولها أنت جميلة ورائعة وأنا فخورة بعملك هذا فإنها ستحرص على تكراره لتستمتع بمثل هذا الموقف.

وقد دلَّت الإحصاءات على أن الإثابة الاجتماعية تأتي في المرتبة الأولى في تعزيز السلوك المرغوب، بينما تأتي المكافأة المادية في المرتبة الثانية؛ ولكن هناك أطفالاً يُفضلون المكافأة المادية.

ويعتقد بعض الآباء أن ربط أداء الواجب بالمكافأة سيحول الطفل إلى شخصٍ مادي؛ مبتز ومدلل، وهذا خطأ في المفاهيم، فتقديم المكافأة بعد أداء الواجب سلوك صحي وسليم حتى مع الكبار.. قال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ (الأنعام: من الآية 160)، مَن جاء أولاً بالسلوك الطيب يُكافأ؛ لذا على الأهل الامتناع عن إعطاء المكافأة لسلوكٍ مشروطٍ من قِبل الطفل: (أي أن يشترط الطفلُ إعطاءه المكافأة قبل تنفيذ السلوك المطلوب منه) فهذا هو عين الابتزاز والتدليل؛ فالمكافأة يجب أن تأتي بعد تنفيذ السلوك المطلوب وليس قبله.

سهم المؤلفة قلوبهم يعلمنا تشجيع الأطفال:

وإذا كان الله تعالى جعل سهمًا للمؤلفة قلوبهم لجذبهم وتشجيعهم واستمالتهم نحو طاعة الله تعالى وهم الكبار بل الزعماء والقادة، فما بالنا تغيب عنا هذه الفكرة ونحن نربي طفلاً لم ينضج عقله بعد ويحتاج إلى كثيرٍ من المحفزات والتشجيعات والمكافآت حتى يحب السلوكيات التي نريده أن يمارسها، إن المكافأةَ والتشجيع واللذة لهي من أهم مفاتيح التعامل الصحيح مع الطفل.

بعض التطبيقات :

1- زياد طفل عمره سنة وتسعة أشهر، جدته لأبيه تعيش معه في المنزل، وتتعامل مع أخطائه بشدة، أحيانًا تشتمه، وأحيانًا تضربه، وفي إحدى المرات وأمام العائلة صرَّح زياد تصريحًا تعجَّب له الجميع قال: نانا مريم (جدته لأمه) أحسن من نانا نوال (جدته لأبيه)، وبالبحث تبيَّن أن نانا مريم (جدته لأمه) تجلس معه فتراتٍ أقل، ولكنها تجلب له الهدايا، وتكلمه كلامًا لطيفًا ولا تشتبك معه في موضوعاتٍ تجلب غضب أو مشكلات، فهذا الطفل الصغير (سنة وتسعة أشهر) يصنف جداته وله موقف من كلٍّ منها.. لماذا؟ لأن الإنسان عبد الإحسان.

2- السيدات دائمًا يجهزن الطعام، ولكنك تجدهن يطلبن تعليق الرجل على الأكل في كل مرةٍ، وكأنَّ هذا التعليق أو هذا الثناء هو بمثابة الدافع المستمر إلى الحماس أو الوقود الذي يغذي مسيرة الاستمرار.