بقلم: د. رشاد لاشين

تربية الأبناء على البر بالوالدين مهمة تربوية كبيرة عبر مراحل متعددة، والمقدمات تؤدي إلى النتائج؛ فمَن زرع حصد، والإحسان جزاؤه الإحسان، ومَن يزرع الشوك لا يجني العنب؛

لذا وجب على كل أبوين أن يُعينا أبناءهما على برهما، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "أعينوا أولادكم على البر، من شاء استخرج العقوق من ولده"رواه الطبراني في الأوسط

1- بر الآباء

أين أنت من بر والديك؟! فإنَّ فاقدَ الشيء لا يُعطيه: قال حكيم رحمه الله: راعِ أباك يرعاك ابنك، وكما ورد في الأثر: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم".

أ- إذا كانا حيين

- هل تُكلِّم أبناءك عن فضل والديك عليك وعن دورهما معك؟

- هل تكلم أبناءك عن وجوب احترام وتقدير الوالدين؟

- هل يرى أبناؤك منك حفاوتك الشديدة بوالديك واهتمامك العظيم بهما ومسارعتك في قضاء حوائجهما وقيامك على خدمتهما؟

- هل يسمعك أبناؤك وأنت تتصل بين الوقت والآخر للاطمئنان على والديك؟

- هل تصطحب أبناءك معك وتذهب لزيارة والديك، ويرون منك الاحترام والود والبر وتقبيل اليد وخفض الجناح؟

- هل تأخذ معك أبناءك وتصحب والديك في نزهة ترفيهية، ويروا منك كيف يكون البر بصورة عملية؟

ب- إذا كانا ميتين

روى أبو داود وابن ماجةَ والحاكم عن مالك بن ربيعة قال: بينما نحن عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذْ جاء رجل من بني سلمة, فقال: يا رسول الله: هل بقيَّ عليَّ من بر أبويَّ شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال- صلى الله عليه وسلم-: "نعم، الصلاة عليهما, والاستغفار لهما, وإنفاذ عهدهما, وإكرام صديقهما, وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما".

- هل تشغل نفسك بالدعاء والاستغفار لوالديك، وتُعلِّم أبناءك هذا السلوك الطيب؟

- هل تصحب أبناءك معك لزيارة صديق لوالدك رحمه الله؟

- هل تُعطي ابنك صدقة يتصدق بها على الفقراء وتقول له هذه صدقة عن والدي رحمه الله؟

- هل توضح لابنك أنك تلتزم بسلوك معين؛ لأن أباك أو أمك قد أوصياك به؟

- هل تذهب لصلة رحم، وتُعرِّف أبناءك أنك تفعل ذلك؛ لأن أباك كان حريصًا على وصل تلك الرحم؟

2- بر الزوجين

تعاملات الزوجين وبرهما لبعضهما تصنع اللمسات الأولى للبر وتوفر البيئة الطيبة التي تصنع المعاملات الطيبة، ويستطيع كل طرف أن يُربي الأبناء على البر بالطرف الآخر كالآتي:-

أ- دور الزوجة في تربية الأبناء على البر بأبيهم:

- أن تحرص الزوجة على إظهار احترامها وتقديرها للزوج أمام الأبناء.

- أن تكلمهم عن فضل أبيهم عليهم.

- أن تدعو له في غيابه وتحث الأبناء على الدعاء لأبيهم.

- أن تُحسن استقباله عند عودته وتظهر الحفاوة والترحيب.

- أن تُربي الأبناء على ألا يبدأوا الطعام إلا بعد أبيهم، وألا يسيروا أمامه, وألا يجلسوا قبله، وألا يتضجروا من نصائحه.

- وأن تُربيهم عند الغضب ألا يسددوا إليه الطرف: ما بر أباه من سدد إليه الطرف بالغضب.

- أن تحكي لهم قصصًا من الماضي والحاضر عن الأبناء البررة بآبائهم وأمهاتهم.

ب- دور الزوج في تربية الأبناء على البر بأمهم

- أن يحرص الزوج على الحديث مع الأولاد عن فضل أمهم عليهم، ويقول لهم "الجنة تحت أقدام الأمهات"، وأمكم هذه هي التي حملت ووضعت وأرضعت وربت، وتقوم بكذا وكذا- روى البخاري عن أبي هريرة- رضيَّ الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله, مَن أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال:"أمك"، قال ثم مَن؟ قال: "أمك"، قال ثم مَن؟ قال: "أمك"، قال ثم مَن؟ قال: "أبوك".

- أن يحرص على احترام الزوجة أمام الأولاد، والدعاء لها بأن يبارك الله فيها، وأن يقويها ويرزقها الصحة والعافية.

- أن يقدم الود والرحمة والشفقة والاهتمام للزوجة أمام الأولاد فيتعلموا عمليًّا الاهتمام بها.

- أن يربيهم على طاعة والدتهم وسماع كلامهما ومساعدتهما وتلبية طلباتهما.

- أن يُعطي أبناءه نقودًا يشترون بها هدية لأمهم ويربيهم على إدخال السرور عليها.

- أن يُربيهم على مساعدة أمهم في أعمال المنزل من ترتيب ونظافة وخلافه.

- أن يتجنب توبيخها أو إهانتها أو توجيه اللوم إليها أمام الأبناء.

3- بر الأبناء

التربية الصحيحة أساس المعاملة الطيبة، فالبر يجلب البر, والإحسان يجلب الإحسان, قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ ) الرحمن:60.

- هل تأخذ ابنك في حضنك فتبثه حبك ومشاعرك الطيبة، وتقول له: أنت ابني حبيبي الغالي أريدك أن تكون مسلمًا ممتازًا مطيعًا لربك شاكرًا لوالديك كما أمرك الله تعالى.. فقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشمُّ الحسن والحسين ويضمهما إلى صدره الحنون.

- هل تتعامل معه بحفاوة واحترام وتقدير: فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يحتفل بالسيد فاطمة ابنته ويقول لها "مرحبًا بابنتي"، ويقبلها بين عينيها.

- هل تحرص على إدخال السرور على نفسه وإضفاء البهجة على روحه.

- هل تلعب مع ابنك ويجد في جانبك البهجة والسرور فلا يفتقر إليك فيهجرك ويجد سعادته مع غيرك.

- هل تمسح أحزانه وتقف بجانبه عند مشاكله: فقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حريصًا على أهل بيته, ويقول: "فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أغضبني".

- هل أنت متواجد في حياته بشكل قوي في كل خطوة، وكل مرحلة، وهل تكون دائمًا غناءً لأبنائك في كل شيء؟.. قال الأحنف لمعاوية في حقوق الأبناء: "يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا, وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة, وأرض ذليلة, وبهم نصول على كل جليلة, فإن غضبوا فأرضهم, وإن سألوا فأعطهم, وإن لم يسألوا فابتدئهم, ولا تنظر إليهم شزرًا فيملوا حياتك, ويتمنوا وفاتك".

- هل لك دور تربوي مع ابنك؟ وهل يجد نورًا في حياته يستضيء به من إرشاداتك وتعليماتك؟

- هل تخصص لابنك جلسة تبث له فيها المبادىء التي تريد أن تربيه عليها فتعلمه السلوكيات الصحيحة، وتحذره من السلوكيات المشينة.

- هل تتابعه دراسيًا وترتقي بمستواه وتحل مشاكله وتجعله في مكانة مرتفعة دائمًا فيحس أنك صاحب إنجاز في حياته.

- هل تتفقد أصدقاءه وهل يختارهم صالحين بررة لآبائهم؛ فمن نصائح سيدنا عمر بن عبد العزيز: "ولا تصحبن عاقًا فإنه لن يقبلك وقد عق والديه".

- هل تعطيه مصروفًا مناسبًا يغنيه عن الانحراف؛ فقد قيل "من حق الولد على والده أن يوسع عليه حاله حتى لا يفسق".

4- الوقاية من العقوق

العقوق يجلب العقوق والإساءة تجلب الإساءة، ومن يزرع الشوك لا يجني العنب.

عقوق الآباء للأبناء

جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولدَ وعاتبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال بلى، قال فما هي يا أمير المؤمنين؟، قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب (أي القرآن)

قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك؛ أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (أي خنفساء)، ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا.

فالتفت عمر إلى الرجل، وقال له: جئت إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك؟!.

وكذلك قيل: لا تعق ابنك في الصغر فيعقك في الكبر، لذا وجب أن نحرص على الوقاية من العقوق بالأمور الآتية:

1- قبل الزواج: حسن اختيار الزوجة

2- عدم إساءة معاملة الزوجين أحدهما للآخر أمام الأبناء

3- عدم إساءة معاملة الأبناء: "سبَ أعرابيٌّ ولده وذكر له حقه، فقال: "يا أبتاه إن عظيم حقك عليًًََََّ لا يبطل صغير حقي عليك".

- هل تتجنب الألفاظ السيئة والسلوكيات المهينة معه والتعاملات الغليظة والنظرات القاسية

- هل تراعي الأسلوب الصحيح في التوجيه وضوابط العقاب إن دعت إليه الضرورة، أم تتبع القسوة والغلظة والعقاب دون التوجيه، والتفهيم والشرح والتوضيح والرفق والتدريب على السلوك الصحيح مرارًا وتكرارًا قبل اللجوء للعقاب.

4- الحذر من التربية على العقوق: بعض الأسر للأسف الشديد تربي أبناءها على العقوق فتفرح بنمو الطفل وقدرته على الكلام، وقدرته على الحركة، فيقولون له: اضرب أمك اضرب أباك.. اشتم أمك، اشتم أباك ويفرحون به ويقولون ولد ممتاز: يشتم ويضرب!! ويخلطون الجد بالهزل، ولا يدرون أنهم يزرعون فيه منذ نعومة أظفاره عدم احترام الأبوين, ومن شبَّ على شيء شاب عليه.

5- الحرص على تعليم الأبناء قدر الوالدين وفضلهما: لأن الجهل بقدر الوالدين، وبالعقوبة المترتبة على عقوقهما في الدنيا والآخرة، قد تودي بالأبناء إلى العقوق، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كل من عصى الله فهو جاهل"؛ ولذلك قيل: من جهل شيئًا عاداه.

6- الحذر من تفضيل بعض الأبناء وإيثارهم على بعض: ولهذا نهى الشارع الحكيم عن ذلك نهيًا شديدًا، وحذر من مغبته، وعندما جاء بشير بن سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليهب لابنه النعمان، قال له: "أكل بنيك منحت هكذا؟" قال: لا، قال:"لا تشهدني على جور، أَشْهد على هذا غيري، ألا تحب أن يكونوا لك في البر سواء؟".

7- الحرص على دوام الدعاء لهم : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) (الفرقان:74).