رصدت مؤسسة "كوميتي فور جستس" في تقريرها ربع السنوي عن حالة حقوق الإنسان والحريات في مصر، في الفترة الممتدة ما بين يوليو 2022 وسبتمبر منه، 1453 انتهاكاً، وكانت النسبة الأعلى منها الانتهاكات المتعلقة بالحرمان من الحرية تعسفياً بواقع 1351 انتهاكاً مرصوداً، تليها الانتهاكات المتعلقة بالإخفاء القسري بواقع 48 انتهاكاً مرصوداً، ثمّ سوء أوضاع الاحتجاز بواقع 26 انتهاكاً مرصوداً، ثمّ الوفاة في مقار الاحتجاز والتعذيب بواقع 19 انتهاكاً و9 انتهاكات مرصودة على التوالي.

وفي ما يخصّ المدى الزمني للانتهاكات، لاحظت المؤسسة، في تقرير أصدرته اليوم الأربعاء، وقوع النسبة الأكبر منها في شهر أغسطس 2022 بواقع 516 انتهاكاً مرصوداً، الأمر الذي يمثّل نحو 35 في المائة من إجمالي الانتهاكات المرصودة.

أمّا على صعيد المحافظات، فقد شملت أعمال الرصد 10 محافظات مصرية، تصدّرتها محافظة القاهرة مع النسبة الأعلى من الانتهاكات، إذ وقعت فيها 64 في المائة تقريباً من إجمالي الانتهاكات المرصودة بواقع 939 انتهاكاً مرصوداً.

وبخصوص مقار الاحتجاز التي تمكّنت المؤسسة من رصد وقوع انتهاكات فيها، فقد تصدّرت الأقسام والمراكز الشرطية قائمة المقار المذكورة، إذ رُصد وقوع 306 انتهاكات فيها. وبتحليل بيانات الضحايا ومهنهم، اتّضح أنّ نصيب الضحايا الناشطين سياسياً هو الأعلى بواقع 11 انتهاكاً مرصوداً مناصفة مع الضحايا أصحاب المهن الإعلامية والصحافية والضحايا أصحاب المهن الهندسية، يليهم المدافعون عن حقوق الإنسان بواقع سبعة انتهاكات مرصودة.

ولفتت "كوميتي فور جستس" إلى أنّ نصيب الضحايا الشباب (18 - 34 عاماً)، هو الأعلى من بين الانتهاكات المرصودة بحقّ الضحايا الذين تمكّنت من تحديد فئاتهم العمرية بواقع 33 انتهاكاً مرصوداً، وكان نصيب الضحايا الذكور من الانتهاكات هو الأعلى مع نحو 98 في المائة تقريباً (1424/ 1453)، من إجمالي الانتهاكات المرصودة، فيما رُصد تعرّض الإناث إلى 29 انتهاكاً توزّعت ما بين 27 انتهاكاً متعلقاً بالحرمان من الحرية تعسفياً وحالتَي إخفاء قسري.

    التقرير الربع سنوي الثالث: قام فريق كوميتي فور جستس برصد 1453 انتهاكًا بحق ضحايا داخل مقار الاحتجاز المصرية وقعوا في غضون الثلاثة أشهر، بين يوليو وسبتمبر 2022، وبالتزامن مع مرور 100 يوما من إعلان ما يسمى تفعيل لجنة العفو الرئاسي وإطلاق ما يسمى "الحوار الوطني".

وحول ما قدّمته "كوميتي فور جستس" للضحايا، أفاد التقرير بأنّ فريق التواصل الأممي في المؤسسة قدّم 22 شكوى ومراسلة بخصوص ضحايا ومستجدّات الأوضاع الحقوقية في مصر. ومن أبرز التواصلات التي عمل عليها الفريق هو التواصل مع الآليات الدولية بشأن المواطن الفرنسي يان بوردون الذي ظلّ مختفياً لما يقارب العام في القاهرة، منذ يوليو 2021 حتى أغسطس 2022، وقد ظهر نتيجة ضغط المؤسسة بشأن قضيته. كذلك كانت مخاطبة خبراء بالأمم المتحدة  للحكومة المصرية بشأن قضية مقتل الباحث الاقتصادي والسياسي المصري أيمن هدهود، في مذكّرة أعربوا فيها عن قلقهم من قرار القضاء المصري بإغلاق التحقيقات في وقائع مقتله بعد اعتقاله في فبراير 2022.

وبيّنت المؤسسة أنّ السلطة السياسية في مصر ما زالت تبعث برسائل متناقضة بشأن نواياها الحقيقية تجاه الملف الحقوقي، مشيرة إلى أنّه يُطلَق سراح عشرات على فترات متباعدة في حين ما زالت ملاحقة المواطنين أمنياً والاعتقال التعسفي والاعتقال المتجدّد ممارسات شائعة ونمطاً ثابتاً لا تسلك قوات الأمن مساراً غيره، وذلك على خلفية "الحوار الوطني".

وأضافت المؤسسة أنّه في فترة التقرير المشار إليها آنفاً، شهدت مصر ملامح أزمة اقتصادية لم يتعامل معها النظام بشفافية، واقتصرت حلوله على الحلّ الأمني الذي بدا واضحاً في تعامل السلطات مع أزمة إضراب عمّال شركة "بشاي" للصلب وأزمة جزيرة الورّاق وتهجير أهلها قسراً من أجل بيعها لشركة إماراتية.

وتابعت "كوميتي فور جستس" أنّه بالتزامن مع جهود ما يسمى لجنة العفو  المُعلنة عن تصحيح أخطاء الماضي، استمرّت الأذرع الأمنية والقضائية في التنكيل بالمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأصحاب الرأي. ومن أبرز تلك الوقائع تجديد اعتقال المدافع شريف الروبي، بعد الإفراج عنه بمدّة لم تصل إلى أربعة أشهر، وتوقيف ثلاث صحفيات من صحيفة "مدى مصر" الإلكترونية والتحقيق معهنّ. وبعيداً عن المعارضين، إلقاء القبض على شاب يُدعي كريم صفوت، وحبسه بسبب التقاطه صورة وتسجيل فيديو قصير في حديقة القصر الرئاسي بالعاصمة الإدارية الجديدة حيث يعمل.

وفي ما يخصّ المستجدات القضائية، أوضحت المؤسسة أنّها رصدت، لجهة الأحكام، قرار المحكمة العسكرية المنعقدة في مجمّع محاكم طرّة إحالة أوراق خمسة متّهمين في القضية رقم 536/ 2020 جنايات شمال عسكرية المعروفة إعلامياً بـ"خلية شقة الهرم" إلى مفتي الجمهورية لإبداء الرأي الشرعي في إعدامهم شنقاً. كما أيّدت الدائرة 25 في محكمة جنايات جنوب القاهرة طلب نيابة أمن الدولة العليا بإدراج 42 متّهماً، من بينهم 19 طالباً، في القضية رقم 483/ 2021 المعروفة باسم "تنظيم حرس الثورة"، على قوائم الإرهابيين لمدّة خمسة أعوام.

وفي فصل جديد من فصول إحكام السيطرة العسكرية على النظام القضائي وأعلى المؤسسات القضائية، وهي المحكمة الدستورية العليا، أشارت "كوميتي فور جستس" إلى قرار قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي القاضي بتعيين الرئيس السابق لهيئة القضاء العسكري اللواء صلاح الرويني نائباً لرئيس المحكمة الدستورية العليا.

وقدّمت المؤسسة الحقوقية توصيات عدّة في ختام تقريرها، من بينها تحديد مهام وصلاحيات لجنة العفو الرئاسي وتوسيع نطاق العمل فيها ليشمل جميع سجناء الرأي في مصر، مع تجفيف منابع ملاحقة المواطنين أمنياً. كما أوصت بالاستجابة إلى النداءات المحلية والدولية بإعادة فتح التحقيق الجدي في واقعة وفاة الباحث أيمن هدهود، بالإضافة إلى فتح تحقيقات جدية في جرائم التعذيب والإخفاء القسري والحرمان المتعمّد من الرعاية الصحية بحقّ الضحايا الذين وثّق التقرير حالاتهم التي سُجّلت في مقار الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية.

كما دعت "كوميتي فور جستس" إلى ضرورة تحسين أوضاع السجناء في مقار الاحتجاز المصرية، وذلك تماشياً مع تغيير المسميات وسياسة "الإصلاح والتأهيل" المعلنة.