وفاء عشري
وصف الله تعالى الطبيعة الخاصة للحياة الزوجية بكلمات تبرز مدى ما تحتويه هذه العلاقة من ترابط «السكن، والمودة، والرحمة»، التي يمكن من خلال تطبيقها تحقيق السعادة التي ينشدها جميع البشر، خاصة بعد تحول هذا العش الهادئ قديماً -الذي كانت تطبق فيه تلك القواعد بشكل تلقائي– إلى سجن يشبه أفراده الترابط بينهم بالقيود والأغلال.
وما كان ذلك إلا بسبب تخلينا عن ثقافتنا التي تحمل الرجل مسؤولية المرأة، واستيراد ثقافات أخرى ابتدعت أنظمة مغايرة لتعاليمنا الإسلامية تتستر برداء المساواة والحرية والعدالة بينهما، فكانت النتيجة ما يحياه الرجل والمرأة على حد سواء من مشكلات ومشاحنات ونفور.
ولكي ننقذ تلك الأسر التي تسير في اتجاه الفرقة والانفصال ونصل بها إلى شاطئ السكن والمودة والرحمة، ونحمي من هي في طور التكوين من فيروس خيبة الأمل الزوجي، علينا تطبيق بعض القواعد المغلفة بمهارة التعبير عن الحب والاحتواء.
1- القاعدة الأولى تتمثل في مراعاة كل طرف مشاعر الآخر، وعدم التجاوز في حقه أو حق والديه أو أهله وأقاربه، فكثير من الأزواج يرتكب هذا الخطأ ولا يدرك أنه بذلك ينال من كرامة زوجه ومشاعره بشكل يوغر الصدور وبأسرع وسيلة تفسد أجواء المحبة بين مرتكبيها.
فتقدير الأهل وعدم الإساءة لهم التزام أخلاقي يحفظ أجواء المحبة والاستقرار بين الزوجين.
2- أما القاعدة الثانية فتتلخص في العطاء والتضحية المشتركة؛ فالمعني الحقيقي للحياة الزوجية هو المنح والتعامل بالفضل عن طيب خاطر، والقيام بواجبات كل طرف تجاه الآخر قبل البحث عن الحقوق، ولا ينبغي أن يتجاهل كل طرف منهما تضحية الآخر، دون تبادل الأدوار حسب الموقف، حتى لا يستشعر طرف أنه يضحي وحده، وأن الطرف الآخر يرفض التضحية؛ مما يجعله يتراجع عن ذلك ويحدث الشقاق.
3- القاعدة الثالثة تتضمن التقدير والإطراء بعبارات تعكس الود والمحبة، فمن شأن ذلك أن يؤدي دوراً أساسياً في نجاح العلاقة الزوجية، فتعبير الزوجين عن الامتنان لما يقدمه كل طرف من أجل الآخر يمنح الحافز لتقديم المزيد، والشعور بالرضا بأن تضحياته كانت مثمرة ومقدرة؛ ما يدفع بتلك العلاقة إلى الأمام.
4- القاعدة الرابعة تختص بالتواصل الجيد والتفاهم على خلق حالة من التوازن النفسي والشعور بالرضا بين الزوجين، فالإنصات وحسن الاستماع يمنع التكهنات وإساءة الفهم، كما يساعد كلاً من الطرفين على التعبير عما بداخله بصراحة، كما أنه يحصن الأزواج من الدخول إلى نفق الصمت المظلم الذي يتسبب في خلق حياة خانقة.
5- القاعدة الخامسة ترتكز على احترام كلا الطرفين لمشاعر ومتطلبات الطرف الآخر، ودرجة الوعي والفطنة لحماية هذه العلاقة، فلا يجوز لأحدهما الاستخفاف أو تجاهل ما يطلبه الطرف الآخر تحت عناوين الانشغال أو التقليل من أهميتها أو رؤية أنه طلب غير مناسب، وكذلك مراعاة عدم الانتقاد بكلمات حادة واختيار العبارات اللينة عند التعبير عن الغضب من خطأ ما قد وقع والتحكم بما قد يقال أثناء الغضب، فاختيار الكلمات الرقيقة تفتح الآذان والقلوب معاً وتتيح مجالاً أوسع للتفهم، ولا تغلق النقاش على مجرد التعبير عن التذمر، فتقدير الزوجين والاستيعاب والتفهم لاحتياجات كل طرف يسلم هذه العلاقة من التقلبات المدمرة.
6- القاعدة السادسة هي أنه من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الأزواج إغفال الاختلافات بين الرجل والمرأة، فطبيعة الرجل تجعله لا يهتم بالكثير من التفاصيل التي تهتم بها المرأة، كما أن نظرته لأي مشكلة تختلف عن وجهة نظر المرأة التي تحكم مشاعرها قبل عقلها؛ لذا على كل طرف احترام هذا الاختلاف واستيعاب أنه في صالحهما لتحقيق التكامل بينهما وليس لتعميق الشقاق.
7- القاعدة السابعة تنص على تشارك الزوجين في الأعباء؛ فلا يجوز أن يحمل أحد الزوجين مسؤولية مهمة للطرف الآخر وحده دون الالتفات أو مراعاة ثقل هذا التكليف في بعض الأحيان، كأن تتجاهل الزوجة المستوى المادي لزوجها وترهقه بطلبات مادية بحجة أن هذا دوره وهو المسؤول عن توفير طلباتها، أو أن يلقي الزوج بمسؤولية الأعباء المنزلية على زوجته دون مراعاة عملها أو مرضها في بعض الأحيان، فمشاركة الزوجين في الأعباء يعزز الشعور بالحب والأمان بينهما.
8- القاعدة الثامنة الصدق بين الزوجين الذي يضمن استمرار هذه العلاقة بنجاح، ويساعد في تعميق الشعور بالثقة بينهما، خاصة في حالة الوقوع في الخطأ والاعتراف به، أو قطع العهود تجاه الطرف الآخر، فالصراحة والوضوح تفسح المجال لحل المشكلات بهدوء.
9- القاعدة التاسعة تتعلق بعدم فطنة بعض الأزواج لأهمية التغافل والتسامح في كسب مشاعر شريك الحياة، فمن الحكمة غض الطرف عن بعض التصرفات غير المتعمدة، والتغاضي عن العيوب المقبولة، فلا يخلو أحد من العيوب أو النقص، ولا يجد أي من الطرفين كل ما يحلم به في شريك حياته، وإنما توجد نسب للتوافق، ولذلك يجب أن يتقبل كلا الزوجين بعضهما مع الإدراك والوعي بحدود ما يمكن التغافل عنه، بالإضافة إلى التحلي بصفة التسامح، فمن أكثر منغصات الحياة الزوجية التذكير الدائم لأحد الطرفين بخطأ قد حدث في الماضي، ويتم تعمد ذكره أثناء الخلاف، وكما قال الإمام أحمد بن حنبل: «تسعة أعشار العافية في التغافل».
10- القاعدة العاشرة تتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرارات؛ فذلك يشعر الزوجات بالكثير من الامتنان ما يمنحهن الثقة بالنفس ويساعدهن على تحمل المزيد من المسؤولية خاصة في غياب الزوج، فقد يقع بعض الأزواج في فخ أنه صاحب القرار، وأن إشراكه للزوجة انتقاص من رجولته، وينسى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم، وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية عندما استشارها صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله، انحر هديك واحلق رأسك، وإذا رآك الناس فعلت ذلك فعلوا هم أيضاً، ففعل صلى الله عليه وسلم، ووافق على رأيها وخرج إلى الناس ونحر الهدي وحلق رأسه، فإذا كان هذا هو فعل سيد الخلق، فهل هناك من يمكن أن يفعل أفضل منه؟