بعد مرور 23 يومًا على بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين جيش الاحتلال الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، خرج المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة،  ليعلن تأجيل تسليم أسرى الاحتلال الذين كان من المقرر الإفراج عنهم يوم السبت القادم، في سياق الدفعة السادسة المتفق عليها في بنود الاتفاق، وذلك بسبب الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة خلال الفترة الماضية، مؤكدًا حرص المقاومة على تنفيذ الاتفاق شريطة التزام العدو الصهيوني به.

 

وفي الـ 19 من يناير الماضي، دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بضمانة أمريكية – قطرية – متضمنًا إنهاء الحرب بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وتحرير أسرى الطرفين، وذلك ضمن ثلاث مراحل، تستغرق كل واحدة منها 42 يومًا، على أن تُجرى مباحثات كل مرحلة على حدة، خلال سريان المرحلة التي تسبقها.

 

وفي تغريدة له على حسابه في "تيليجرام"، قال أبو عبيدة: إن "قيادة المقاومة راقبت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية انتهاكات العدو وعدم التزامه ببنود الاتفاق؛ من تأخير عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة، واستهدافهم بالقصف وإطلاق النار في مختلف مناطق القطاع، وعدم إدخال المواد الإغاثية بكافة أشكالها بحسب ما اتفق عليه، في حين نفذت المقاومة كل ما عليها من التزامات”.

 

وتابع: "وعليه سيتم تأجيل تسليم الأسرى الصهاينة الذين كان من المقرر الإفراج عنهم يوم السبت القادم الموافق 15-02-2025م حتى إشعار آخر، ولحين التزام الاحتلال وتعويض استحقاق الأسابيع الماضية وبأثر رجعي”، مؤكدًا التزام المقاومة ببنود الاتفاق ما التزم بها الاحتلال.

 

تداعيات الاتفاق

 

وقد تابعت كل الأطراف مجريات الاتفاق خلال الأسابيع الماضية، مع وجود حالة من الجدل داخل دائرة صنع القرار في كيان الاحتلال، بين مُحرّض على نبذ الاتفاق، وبين مؤكد على ضرورة الالتزام به حفاظًا على ما تبقى من قوام جيش الاحتلال ووقفًا للنزيف الداخلي لإسرائيل، وإنقاذا لمن بقي حيًّا من أسرى الاحتلال لدى المقاومة، إلا أن حكومة نتنياهو استمرت في المراوغة والسعي لعرقلة الاتفاق، وذلك من أول ساعة في دخوله حيز التنفيذ.

 

وعلى مدى 471 يومًا ارتكبت قوات الاحتلال الصهيوني جرائم إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أسفر عن استشهاد أكثر من 62 ألفًا، بينهم زهاء 14 ألفًا لا يزالون تحت الأنقاض، بالإضافة إلى إصابة 111 و655 آخرين، بينما استهدفت البنية التحتية ودمرت كافة المستشفيات وأبراج الاتصالات ومراكز الإيواء، وأحكمت الحصار على كافة مناحي الحياة في القطاع، ومنعت إدخال المساعدات الإنسانية، حتى استشهد العشرات -معظمهم من الأطفال- نتيجة الجوع والإهمال الطبي.

 

خروقات الاحتلال

 

من جهته قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: "إن إسرائيل تواصل ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة رغم إعلان وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، من خلال فرض ظروف معيشية كارثية على الفلسطينيين هناك وحرمانهم من المقومات الأساسية اللازمة للبقاء على قيد الحياة."

 

وأبرز الأورومتوسطي في بيان صحفي، أن "إسرائيل مستمرة في سياسة القتل التدريجي والبطيء، وفرض حصار غير قانوني بشكل شامل يعرقل تدفق المساعدات الإنسانية والمواد الأساسية، ويحول دون إصلاح البنية التحتية الحيوية وتقديم الخدمات الأساسية اللازمة لنجاة السكان.

 

ووثق الأورومتوسطي استشهاد 110 فلسطينيين على الأقل منذ وقف إطلاق النار، بمعدل نحو 6 مواطنين يوميًا، وهم يتوزعون بين شهداء جدد أو جرحى استشهدوا متأثرين بإصاباتهم الخطيرة، بعد أن حرمتهم إسرائيل من حقهم بالسفر إلى الخارج لتلقي العلاج، كما أصيب خلال هذه المدة 901 فلسطيني بمعدل 47 إصابة يوميًّا".

 

آثار الحرب مستمرة

 

كما أشار إلى الاستمرار العمل في القطاع على انتشال جثامين القتلى، بحيث انتشل 571 شهيدا بواقع 30 يوميًّا حتى الآن؛ في حين تؤكد المعلومات عن وجود آلاف المفقودين تحت الأنقاض، ولا يزال يتعذر انتشالهم نتيجة مماطلة إسرائيل في إدخال المعدات اللازمة لذلك، حيث تجري عمليات الانتشال حاليا بأدوات يدوية أو معدات بسيطة غير ملائمة للتعامل مع آلاف الأطنان من الأنقاض.

 

وحذر المرصد الأورومتوسطي من أن آلاف المرضى والمصابين في قطاع غزة مهددون بالموت بسبب استمرار حرمانهم من السفر لتلقي العلاج، حيث لم يُسمح سوى لأعداد قليلة منهم منذ وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن ذلك يتزامن مع منع إسرائيل إعادة تأهيل المستشفيات التي دمرتها، وحظر إدخال احتياجات هذه المستشفيات الأساسية من أجهزة طبية، وأدوية، ومستهلكات طبية، بالإضافة إلى نقص الطواقم الطبية المتخصصة، ومولدات الكهرباء، والوقود، ومحطات الأكسجين.

 

وأكد المرصد أن "القيود الإسرائيلية غير القانونية المستمرة تشمل كذلك منع إدخال المباني المؤقتة والخيام والمستلزمات الأساسية اللازمة لإيواء مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين دمرت إسرائيل منازلهم، بالإضافة إلى منع إدخال المعدات اللازمة للصيانة والترميم، مما يفاقم معاناتهم في ظل ظروف غير إنسانية وأجواء قاسية، وحيث لا توجد مراكز مأوى آدمية لهذه الأعداد الضخمة بعد أن دمرت إسرائيل معظم المنازل ومراكز الإيواء في القطاع."

 

وقال الأورومتوسطي إن "إسرائيل تتعمد منع إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية اللازمة، بما في ذلك شبكات الصرف الصحي ومرافق المياه، ما يعرض حياة المدنيين للخطر ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الصحية والبيئية."

 

وأشار المرصد إلى أن "إسرائيل تفرض كذلك قيودًا صارمة على دخول ما يلزم للإنتاج الغذائي، ما يهدد بوقوع مجاعة واسعة النطاق في القطاع، خصوصًا مع نفاد المخزون الغذائي وعدم قدرة السكان على زراعة أو صيد الأسماك أو تأمين الغذاء لأنفسهم وأسرهم، حيث تسعى إسرائيل من خلال هذه الإجراءات إلى إبقاء حياة السكان ولقمتهم مرهونة بقرارها بشأن إدخال المساعدات الإنسانية، التي أصبحت مصدر الغذاء الأساسي المتبقي لسكان القطاع."

 

قطر تُحذّر

 

وفي وقت سابق، أفادت وسائل إعلام الاحتلال بأن قطر نقلت رسائل إلى "إسرائيل" والإدارة الأمريكية بأن سلوك تل أبيب بشأن المرحلة الثانية من الصفقة، والتصريحات الاستفزازية لنتنياهو، يعرضان المرحلة الأولى للخطر، وقال مصدر صهيوني مطلع على التفاصيل لصحيفة «هآرتس» إن القطريين نقلوا رسائل غاضبة، وذكّروا إسرائيل مرارًا وتكرارًا بأن هذا الاتفاق يشملهم أيضًا، وأنهم ضامنون لتطبيقه، وليس مجرد صفقة بين إسرائيل وحماس.

 

ووفقا للمصدر، أكد القطريون أن تعامل "إسرائيل مع الموقف يهدد باستمرار إطلاق سراح الرهائن في المرحلة الأولى"، وجاء الدليل على ذلك يوم الجمعة الماضي عندما تأخرت حماس في الإفراج عن أسماء الرهائن المحررين، وإذا لم يتم التعجيل بمفاوضات المرحلة الثانية، فقد تحدث تأخيرات مماثلة يوم الجمعة المقبل، بل وربما يحدث تصعيد، مثل تأخير الإفراج عن الرهائن أنفسهم.

 

وتابع أن القطريين أوضحوا أنه قد يعني تأخير إطلاق سراح الرهائن يوم السبت المقبل انهيار المرحلة الأولى، ونظرًا للتصعيد الدبلوماسي، لا يمكن استبعاد هذا الخيار.

 

اتهامات لنتنياهو

 

وقد تعرض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، للمقاطعة والتوبيخ خلال إلقائه كلمة في الكنيست الصهيوني، اليوم، وقوبلت كلمته بالجلسة العامة للكنيست بأصوات معارضة مستهجنة له، فيما علا صوت إحدى النائبات التي دعته للتنحي عن منصبه. وقالت النائبة ميراف بن أري خلال الجلسة: "ما الذي يجب فعله حتى تغادر بالفعل؟ لقد سئمت من سماعك".

 

كما تعالت الأصوات التي اتهمت نتنياهو بمحاولة إفشال وقف إطلاق النار في قطاع غزة فيما رد نتنياهو بتحذير النواب بطردهم.

 

وقاطع أعضاء المعارضة في الكنيست تصريحات نتنياهو، وصاح النائب جلعاد كاريف من حزب "الديمقراطيين" في وجهه: "المشكلة هي أن معظم الجمهور لا يثق بك، ويعتقدون أنك كاذب".

 

وبعد موجة أخرى من الاضطرابات، تم طرد عدد من نواب المعارضة من الجلسة العامة، وقال نتنياهو: “من الصعب عليهم السماع، لقد اعتادوا على سماع قنوات الدعاية، ولا يمكنهم سماع الحقائق”.

 

احتجاجات في تل أبيب

 

واتهم زعيم المعارضة الصهيونية يائير لبيد، نتنياهو، بالتخلي عن الأسرى في غزة لاعتبارات سياسية، وقال إن نتنياهو لا يكترث بمقتل الأسرى في القصف الذي تنفذه القوات الإسرائيلية في غزة.

 

وشهد الكنيست أيضا -في وقت سابق اليوم- اندلاع مواجهات بين عائلات قتلى أحداث السابع من أكتوبر الذين نظّم بعضهم وقفة احتجاجية أكدوا فيها رفضهم تشكيل لجنة تحقيق رسمية وطالبوا بتشكيل لجنة بديلة لا يكون على رأسها رئيس المحكمة العليا، فيما طالب بعضهم بتشكيل لجنة رسمية خاصة بالأحداث.

 

وعقب إعلان أبو عبيدة تأجيل تسليم الأسرى، خرج متظاهرون من ذوي الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، في شوارع تل أبيب احتجاجًا على سياسة نتنياهو بعرقلة اتفاق وقف إطلاق النار.

 

حماس: رسالة تحذيرية

 

بدورها قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن قرارها تأجيل إطلاق الأسرى الإسرائيليين الذي كان مقررا السبت القادم هي رسالة تحذيرية للاحتلال الإسرائيلي، وللضغط باتجاه الالتزام الدقيق ببنود اتفاق وقف إطلاق النار.

 

وأكدت حركة حماس، في بيان التزامها ببنود الاتفاق "ما التزم بها الاحتلال".

 

وأوضحت أنها نفذت كل ما ترتب عليها من التزامات بدقة وبالمواعيد المحددة، في حين لم يلتزم الاحتلال ببنود الاتفاق، وسجل العديد من الخروقات.

 

العواودة: يجب ضبط التفاوض

 

من جهته، يرى الخبير في الشئون الإسرائيلية صلاح العواودة، أن تقديرات المقاومة ترجح حرص نتنياهو وترامب على استئناف الاتفاق؛ لأن الهدف لدى كليهما هو تحرير الأسرى ومن هنا وفي ظل الضغوط المتزايدة داخل الكيان يمكن للمقاومة أن تسجل نقاط جديدة، وتضبط توجهات ترامب ونتنياهو مجدداً.

 

وقال العواودة في تصريحات لـ”المركز الفلسطيني للإعلام: "أعتقد أن الاتفاق كان هشًا من البداية، وظل الباب مواربًا بشأن العودة للحرب، وجاء الاتفاق نتيجة ضغوط مورست على المقاومة وعلى الاحتلال، داخلية وخارجية، ولكن من ناحية الاحتلال تحديداً كان الشعور بالفشل والذي برز منذ اليوم الأول عندما ظهرت قوات المقاومة في استعراض واضح”.

 

ولفت إلى أنّ ذلك الشعور بالفشل أخذ بالتعاظم حتى أصبح ضاغطا إضافة إلى استقالة بن غفير وتهديد سموترتش مما دفع نتنياهو للعمل على التملص من الاتفاق واختلاق الذرائع، فأخر عودة الناس للشمال بحجة واهية ثم أخّر الافراج عن الأسرى وكذلك بشأن إدخال احتياجات القطاع؛ بل بدأ بإعادة تشكيل طاقم المفوضات بأشخاص أقرب له بنظرتهم للاتفاق.

 

ومن جانب آخر لفت العواودة إلى أنّ تصريحات ترامب لم تترك مجالاً للشك حول نياتهم ضد المقاومة وقطاع غزة والضفة، واليوم أكملها نتنياهو في خطابه الذي تعهد فيه بالعودة للحرب لتحقيق أهدافها التي لم تتحقق.

 

وقال العواودة: أعتقد أنّ هناك تراجعًا في المواقف لدى الجميع، وربما الوسطاء أكثر من غيرهم بحاجة للتراجع عن الاتفاق، خصوصًا مصر، مع الحديث عن تهجير أهل غزة، والضغوط على مصر، وتصريحات ترامب، وتطورات الموقف العربي لا سيما ما يتعلق بالسعودية.

 

وشدد على أنّ هناك حاجة لدى الجميع لإعادة "ضبط التفاوض" و"ضبط التصريحات، فإن كان النظام العربي لديه الكثير من القيود بما فيه الوسطاء مصر وقطر في التعبير عن رفضهم لسياسيات ترامب ونتنياهو، فالمقاومة ليست لديها هذه القيود.