ما أن سقط نظام بشار الأسد في سورية، حتى عكفت الإدارة الجديدة على تطهير اقتصاد البلاد من فلوله الاقتصادية، حيث شرعت بالتحقيق في إمبراطوريات تجارية تضم شركات بمليارات الدولارات يمتلكها حلفاء الرئيس المخلوع، وقد أجرت محادثات مع بعض رجال الأعمال الأثرياء في إطار ما تعتبره حملة لاستئصال الفساد والنشاط غير القانوني، وفقاً لما أوردت وكالة رويترز اليوم الخميس.
وتأتي هذه الخطوة بعدما تعهدت السلطات السورية الجديدة بإعادة إعمار سورية بعد حرب دامت 13 عاماً، وبإنهاء النظام الاقتصادي شديد المركزية والفاسد الذي هيمن عليه أتباع الأسد. ولتحقيق هذه الأهداف، شكلت السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس الجديد أحمد الشرع لجنة مكلفة بتحليل المصالح التجارية المتشعبة لكبار رجال الأعمال المرتبطين بالأسد، مثل سامر فوز ومحمد حمشو، حسبما ذكرت ثلاثة مصادر لرويترز.
ووفقاً لمراسلات اطلعت عليها وكالة رويترز بين مصرف سورية المركزي والبنوك التجارية، فإن الإدارة الجديدة أصدرت أوامر بعد أيام من السيطرة على دمشق تهدف إلى تجميد الأصول والحسابات المصرفية للشركات والأفراد المرتبطين بالأسد، وشملت لاحقاً على وجه التحديد أولئك المدرجين على قوائم العقوبات الأمريكية.
وذكر مسئول حكومي ومصدران سوريان مطلعان على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، أن حمشو وفوز عادا إلى سورية من الخارج والتقيا بشخصيات بارزة في "هيئة تحرير الشام" في دمشق في يناير، فيما تفرض الولايات المتحدة عقوبات عليهما منذ عامي 2011 و2019 على التوالي.
وأوضحت المصادر الثلاثة أن الرجلين اللذين يثيران استهجان العديد من السوريين بسبب علاقاتهما الوثيقة مع الأسد، تعهدا بالتعاون مع جهود تقصي الحقائق التي تبذلها القيادة الجديدة. وتتهم وزارة الخزانة الأميركية "مجموعة أمان القابضة" التي يملكها فوز بالتربح من الحرب في سورية، وتتنوع أعمالها بين صناعة الأدوية وتكرير السكر والتجارة والنقل.
وبالمثل، فإن مصالح حمشو التي تندرج تحت مجموعة حمشو الدولية واسعة النطاق، وتراوح بين البتروكيماويات والمنتجات المعدنية وصولاً إلى الإنتاج التلفزيوني. ولم يستجب حمشو، الذي اتهمته وزارة الخزانة الأمريكية بأنه واجهة للأسد وشقيقه ماهر، لطلب من "رويترز" للتعليق. كما لم يتسن الوصول إلى فوز للتعقيب.
ولم يسبق الإعلان عن إنشاء اللجنة، التي لا يُعرف أعضاؤها، أو المحادثات بين الحكومة السورية الجديدة واثنين من رجال الأعمال اللذين ربطتهما صلات وثيقة بحكومة الأسد ويسيطران على قطاعات كبيرة من الاقتصاد السوري. ويقول محللون ورجال أعمال سوريون إن النهج الذي ستتبعه الحكومة السورية الجديدة تجاه الشركات القوية المرتبطة بالأسد، والذي لم يتضح بالكامل بعد، سيكون أساسياً في تحديد مصير الاقتصاد في الوقت الذي تكافح فيه الإدارة لإقناع واشنطن وحلفائها برفع العقوبات.
وقد أكد وزير التجارة ماهر خليل الحسن ورئيس هيئة الاستثمار السورية أيمن حموية لرويترز أن الحكومة على اتصال ببعض رجال الأعمال المرتبطين بالأسد، دون تحديدهم أو الخوض في تفاصيل.
بدوره، أكد خلدون الزعبي، الذي تعاون مع فوز لفترة طويلة، أن شريكه أجرى محادثات مع السلطات السورية، لكنه لم يؤكد معلومة زيارته للبلاد. وقال الزعبي من بهو فندق فور سيزونز في وسط دمشق، والذي تملك مجموعة فوز حصة أغلبية فيه: "أبلغهم فوز بأنه مستعد للتعاون مع الإدارة الجديدة وتقديم كل الدعم للشعب السوري والدولة الجديدة. وهو مستعد للقيام بأي شيء يُطلب منه". وقال المصدران السوريان إن فوز الذي يحمل الجنسية التركية غادر دمشق بعد المحادثات، ولم يتسن لرويترز التأكد من مكان حمشو.
وبفرضها عقوبات على فوز وحاشيته قبل خمسة أعوام ونصف العام تقريباً، شدّدت وزارة الخزانة الأمريكية حصارها لنظام الأسد المخلوع، لكن نجاح هذه العقوبات بقي مرهوناً حينها بتعاون بعض الدول العربية، لا سيما لبنان والإمارات، وبخاصة من المصرفين المركزيين في هذين البلدين.
وفي ذلك الوقت، قال رئيس مجموعة اقتصاد سورية أسامة قاضي، لـ"العربي الجديد"، إنه يأمل في أن تكلل العقوبات الأميركية على سامر فوز وإخوته وشركاته بتعاون من لبنان والإمارات، خصوصاً من مصرفيهما المركزيين، للكشف عن أمواله ونشاطاته المالية، لتأخذ العقوبات طريقها للتطبيق ولا تبقى صورية أو إعلامية، مثل العقوبات التي تم فرضها على نظام بشار الأسد المخلوع والعديد من الشخصيات، الحكومية والخاصة، منذ منتصف عام 2011.
كما أوضح قاضي، حينها، أن نظام بشار الأسد كان يلتف على العقوبات الأوروبية والأمريكية من خلال أشخاص يبدلهم كل فترة، فيما كان سامر فوز أهم أدوات الأسد للالتفاف على العقوبات واستيراد النفط من إيران والوساطات لعملية إعادة الإعمار، وكشف أن من أهم أسباب معاقبة فوز وتعقبه هو وضع اليد على ممتلكات المهجرين من سورية لإقامة أبراج وناطحات سحاب بسورية، فضلاً عن كسر فوز العقوبات المفروضة، بما في ذلك التعامل مع تنظيم "داعش" الإرهابي واستيراد القمح والنفط الخام خلال الأعوام السابقة.