شعبان عبدالرحمن *

هو  أخي ورفيق دراستي الحبيب حجازي محمد يوسف شريف (1375- 1446 هـ/ 1956- 2025 م ) …عرفته على مقاعد الدراسة بقسم اللغة الإسبانية في كلية الألسن -جامعة عين شمس ،وجمعني بفضيلته وأخوة آخرين  أفاضل الاهتمام الشديد بقضايا الإسلام وشؤون المسلمين حول العالم في وقت كانت الصحوة الإسلامية في أوج حريتها وأزهى عصورها .
وتوثقت علاقتنا اكثر عندما تجاورنا في سكن المدينة الجامعية ،ومازال صوته "المنشاوي "الحزين الذي كان يجلجل في صلوات الفجر والعشاء بمسجد المدينة الجامعية، مازال يدوي في أعماقي...ومازالت موضوعات نقاشنا النافعة التي كان يضفي عليها بهجة بمرحه المحتشم ،محفورة في ذاكرتي .. 
كان يوم الجمعة مناسبة أسبوعية مهمة، نذهب فيها مشيا على الأقدام إلى مسجد عين الحياة بشارع  مصر والسودان حيث مسجد فضيلة الشيخ  عبد الحميد كشك -يرحمه الله-القريب من المدينة الجامعية ,ثم النقاش حول الخطبة والمستفاد منها في طريق العودة إلى المدينة.،أيضا مشيا على الأقدام . 
وكانت الأجازة الصيفية حافلة بتبادل الخطابات الأسبوعية بيني وبينه عما قطعناه في حفظ القرآن الكريم وغيره من أنشطة  بين أقراننا كل في قريته .
وبعد انتهاء المرحلة الجامعية انطلق كل إلى مجال العمل الذي يحبه وخططه لنفسه …هو إلى المدرسة السلفية ببحارها الغزيرةً في علوم السنة وأنا إلى عالم الإعلام بأجوائه العاصفة ،الإذاعة والتلفزيون ثم الصحافة الإسلامية المعارضة …جريدة النور والشعب وغيرهما ..وتباعدت المسافات بيننا لكن القلوب ظلت متواصلة حتى التقينا بعد سنوات في الكويت حيث كنت أعمل مديرا لتحرير مجلة المجتمع الإسلامية الدولية وحيث كان يتردد لإلقاء دروسه وخطبه في المنتديات السلفية هناك وخاصة السلفية العلمية ،وذلك بعد أن أصبح من علمائها الذين يشار إليهم بالبنان ،وكان يوم لقائنا في أحد مساجد منطقة الجهراء مفعما بالشوق والود وتقبيل الجباه ،وهو ما اعتدنا عليه عند السلام مذ تعرفنا ،يومها اتفقنا على زيارته في مقر جمعيةً إحياء التراث الرئيسية بنفس المنطقة ، وعند وصولي وجدته ينتظرني ووجدتني معه بمفردنا في القاعة ،فقد أوقف برنامج لقاءاته ليكون لقاءنا  ثنائيا ،أو لقاء خاصا وفق وصف الأخ الكريم الذي اصطحبني إلى فضيلته ..كان لقاء رائعا امتد لساعات وتم خلاله افراغ كل ما لدينا منذ افترقنا بعد اتمام الدراسة الجامعية  ، وتجاذبنا أطراف الحديث في الجانب الأكبر منه حول الوضع الاسلامي العام 
وشؤون المسلمين حول العالم ،وبتركيز أكبر توقفنا عند  أهمية وحدة العمل والصف الإسلامي،ومتانة العلاقات بين الجماعات الإسلامية بمختلف مناهجها  ، مع حرية الجميع في اختيار منهجه الخاص في ممارسة دعوته، وإن كان خلافا أو ما يستدعي النقد ففي أضيق الحدود وبما يحافظ على سلامة الصدور والعلاقات ، وقد وجدته - يرحمه الله-حريصا على ذلك كل الحرص.
داعبته خلال لقائنا عن سبب تغيير اسمه من "حجازي  إلى "أبي اسحاق "
فأجابني بروحه المرحة بأن ذلك  جاء تيمنا بالعالم المقاصدي أبي إسحاق الشاطبي…وقال لي : أما كلمة " "حوين " فأنت تعرفها ..هي بلدتي ، فصرت  أبو اسحاق الحويني .
الشاهد هنا أنني وجدت أخي "حجازي"  بعد طول انقطاع كما  عرفته أول مرة ..الأخ الودود منفرج الاسارير ، سهل العبارة ، لين الكلمة غزير العلم ، والمتواضع  دون تكلف ودون أن تفارق الابتسامة وجهه .
. وجدت أبا اسحاق العالم الجليل الذي تهتز  له أعواد المنابر وقاعات المحاضرات ،وتكتظ أرفف المكتبات بمؤلفاته وأبحاثه العلمية وتتوافد إليه جماهير المسلمين للاستماع إلى دروسه، وجدته كما تعرفت عليه أول مرةً ويالها من نعمة حباه الله بها.
بعد ثورة يناير 2011م  سررت كثيرا عندما شاهدته عبر الشاشات على كرسيه المتحرك بين وفد العلماء في القصر الجمهوري  خلال استقبال الرئيس الشهيد محمد  مرسي لهم ،ثم علمت أنه - يرحمه الله- عندما زاره المهندس سعد الحسيني محافظ كفر الشيخ في ذلك الوقت عرض عليه ابو اسحاق التبرع بمكتبته الخاصة الضخمة لتكون نواة لمشروع ثقافي كبير تديره المحافظة وينتفع به  جماهيرها.
هو عندي مثل الدعاة الربانيين من المدرسة السلفية الصافية الراشدة :الشيخ محمد عبد المقصود حفظه الله والشيخ عبدالرحمن عبدالخالق والشيخ سعيد عبدالعظيم والشيخ فوزي السعيد والشيخ إبراهيم عزت رحمهم الله جميعا.
تلك قصة عالم عامل من غرس الصحوة الإسلامية وثمارها النافعة النادرة. 
وبعد …
يا أبا اسحاق : أبكيك دمعا وحزنا يملأ قلبي وكأني وأنا أشارك في وداعك أتمثل وداع شوقي لحافظ إبراهيم قائلا:
الحَقُّ نادى فَاِستَجَبتَ وَلَم تَزَل
بِالحَقِّ تَحفِلُ عِندَ كُلِّ نِداءِ
وَوَجدتِ مِن وَقعِ البَلاءِ بِفَقدِهِ
إِنَّ البَلاءَ مَصارِعُ العُظَماءِ
ماذا وَراءَ المَوتِ مِن سَلوى وَمِن
دَعَةٍ وَمِن كَرَمٍ وَمِن إِغضاءِ
رحمك الله أيها العالم الجليل الحبيب،وتقبل علمك وبذلك وصبرك الطويل على المرض، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة  وسقاك من الحوض بيد المصطفى صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة لا تظمأ بعدها..وجعل مستقرك الفردوس الاعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
عزائي للعائلة الكبيرة ..ولأهلك وأبنائك وإخوتك جميعا وعزائي لحوين وكفر الشيخ ولكل تلامذتك ومحبيك.
وإنا لله وإنا إليه راجعون